ما لا يستغنى عنه من أحكام زكاة الفطر وأعمال يوم العيد
ما لا يستغنى عنه من أحكام زكاة الفطر وأعمال يوم العيد
فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد، فيا عباد الله، روى الإمام أبو داود والإمام ابن ماجه عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما قال: “فرض رسول الله ﷺ زكاة الفطر طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطعمةً للمساكين”.
تأملوا عباد الله شعائر ديننا، تدركوا أنها متبوعة دائما بصور الإحسان والرحمة، فالصيام الذي أديناه خلال هذا الشهر الفضيل متبوع بزكاة الفطر، وثوابه يبقى معلقا لا يرفع إلا بها، ودققوا في الكثير من آي القرآن الكريم، تجدوا أنه كلما أمرنا بإقامة الصلاة فإننا نؤمر كذلك بإيتاء الزكاة، وعندما ننهي أعمال الحج فإننا نتبعها بالهدي، وهكذا يتضح للمتأمل أن العبادة في الإسلام ذات شقين: أداء للأفعال والأقوال، وسخاء بالأموال للمحتاجين، وخاصة في يوم عيد الفطر، لما جاء في الحديث عن رسول الله ﷺ:” أغنوهم عن الطواف هذا اليوم”، أي أن زكاة الفطر شرعت لأجل إطعام المساكين لتكون لهم قوتا في يوم العيد، وليكون الغني والفقير متساويين في وجدان القوت في يوم العيد.
وبخصوص أحكام زكاة الفطر المهمة، أقول: بإنه يجب إخراجها بغروب شمس ليلة العيد وقبل صلاة العيد، ويجوز إخراجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين، ومن أخرجها قبل ذلك فإنها تصح، ونؤمر جميعا بإخراجها، وهي شعيرة صغيرة في حجمها، كبيرة في مدلولها وآثارها، هذه الزكاة ذات حجم بسيط جدا جدا، لا يعجز رب أسرة مهما كانت حاله عن التقرب إلى الله سبحانه وتعالى بها، فقد شرعت هذه الزكاة طهرة للصائم من اللغو(وهو الكلام اللاغي الذي لا ثمرة فيه) والرفث(وهو الفحش في الكلام)، من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات، وهي دين على من وجبت عليه حتى يؤديها، فهنيئا لمن أداها في وقتها، وتجب على الذكر والأنثى والكبير والصغير والغني والفقير، وقدرها صاع من بر أو قمح أو شعير من غالب قوت أهل البلد، وإنما تتعلق سنيتها أو وجوبها على المشهور بمن فضل عنده قوت يومه مع صاع إن كان وحده، أو قوته وقوت عياله مع صاع إن كان له عيال، ويجوز إخراج قيمتها نقدا، وحددها المجلس العلمي الأعلى هذه السنة في عشرين درهما، هذا بالنسبة للفقراء، أما الأغنياء فأذكرهم بقول الله سبحانه:” فلينفق ذو سعة من سعته”، وقوله: “فمن تطوع خيرا فهو خير له”، ومن حكم إخراج زكاة الفطر أن يذوق المسلم طعم الإنفاق حتى الفقراء منهم، ولكي يتدرب المسلم على الإنفاق بالعسر واليسر ولكي تكون يده هي العليا، أسأل الله تعالى أن يتقبل منا جميعا الصلاة والصيام والزكاة، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، أما بخصوص يوم العيد فمما يسن فعله في هذا اليوم المبارك بعد إخراج زكاة الفطر التنظف والاغتسال والتطيب ولبس أحسن الثياب، روى الإمام البيهقي أن سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان يلبس للعيد أجمل ثيابه”، وقال الإمام مالك رحمه الله: “سمعت أهل العلم يستحبون الطيب والزينة في كل عيد” طبعا للرجال، أما المرأة فتخرج لصلاة العيد غير متجملة ولا متطيبة ولا متبرجة، وثاني شيء يمكن فعله في هذا اليوم هو الإفطار ولو على تمرة، وثالث شيء، الاشتغال بالتكبير، أي قول الله أكبر، لقول الله تبارك وتعالى: “ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون”، والأمر بالتكبير مطلق، ورابع شيء ينبغي القيام به هو الخروج إلى المصلى، فتذهب من طريق وترجع من آخر، لأنه صح عن النبي ﷺ أنه كان إذا خرج إلى العيد رجع من غير الطريق الذي ذهب فيه. وخامس شيء، هو تأدية الصلاة مع المسلمين في مصلى العيد، وهي سنة مؤكدة، ويندب للمرأة والصبي أن يصليها، ومن فاتته صلاة العيد مع الإمام يستحب له أن يصليها، ويكره التنفل قبلها وبعدها إن وقعت الصلاة في المصلى، وأما إن وقعت الصلاة في المسجد فلا يكره التنفل قبلها ولا بعدها، وسادس شيء هو شهود خطبة العيد، وآخر شيء يعد من آداب هذا اليوم المبارك هو التهنئة، وذلك بأن يهنئ المسلمون بعضهم البعض، ويظهرون السرور والفرح والابتهاج، كما يؤذن للعامة من الناس باللهو المباح الذي لا معصية فيه، ومن السنن الثابتة أيضا التوسعة على العيال، ومما يعد من آداب هذا اليوم الإكثار من ذكر الله تعالى، وزيارة الأقارب والجيران والأرحام ومعايدتهم ومساعدة الضعفاء منهم، فقد كان أسلافنا رحمهم الله يمدون يد المساعدة للمستضعفين قبل يوم العيد، فإذا جاء العيد علت البسمة الوجوه، وعمت الفرحة الجميع، فلا تغفلوا عن واجبكم في التيسير على المعسرين، والتفريج عن المكروبين والمهمومين في هذا اليوم العظيم، زوروهم واقضوا حوائجهم، ولتكن لنا الأسوة الحسنة في رسول الله ﷺ الذي رأى يوم العيد طفلا يتيما كئيبا وحزينا منعزلا عن أقرانه يبكي فيما رواه الإمام البخاري، فسأله ﷺ عن سبب حزنه فقال اليتيم: مات أبي وليس عندي اليوم ما ألبس، ولا ما ألعب به مع أقراني، فضمه المصطفى ﷺ إلى صدره وفاضت عيناه بالدموع، وقال للطفل اليتيم مطيبا خاطره: “يا غلام، أما ترضى أن أكون لك اليوم أبا؟ وعائشة أما ؟ وفاطمة أختا؟ فتهلل وجه الصبي اليتيم وقال: رضيت يا رسول الله”، وقال الإمام الحسن رضي الله عنه:” قضاء حاجة أخ مسلم أحب إلي من اعتكاف شهر”، ومن أجل ذلك كان أسلافنا الصالحون يقومون بأعمال البر، وخاصة في الأعياد، ويقدمون مصلحة الغير على مصالحهم، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء لمولانا أمير المؤمنين ولكافة المسلمين.