لمن لا يعرف الطريقة البصيرية بالمغرب؟
يقدم مولاي اسماعيل بصير، شيخ الطريقة البصيرية، تعريفا مختصرا بالطريقة وظروف نشأتها انطلاقا من الصحراء المغربية إلى حيث استقرارها ببني عياط بإقليم أزيلال، مع إشارته إلى بعض مبادئها وأعمالها في الدعوة إلى الله وما تقوم به من رعاية اجتماعية وأخلاقية لأفراد المجتمع:
(إن الزاوية البصيرية الدرقاوية الشاذلية انطلقت، من الصحراء المغربية، في بداية 1700م، ووصلت إلى سوس في بدايات 1800م، وبعد ذلك استقرت ببني اعياط بأزيلال في بداية 1900م، وبذلك فتاريخ وجود هذه الزاوية، يعود إلى حوالي مائتين وسبعين سنة منذ الانطلاقة الأولى.
وعندما نتحدث عن الإرهاصات الأولى لبدايات عمل الزاوية البصيرية، نذكر الشيخ العارف بالله الفقير كيسوم المعروف بالقاسم، دفين وادي اربيب بلاو بالساقية الحمراء، الذي ضربت شهرته بالساقية الحمراء ووادي نون في أواخر 1600م وبداية 1700م، ثم ابنه الشيخ سيدي إبراهيم البصير، المتوفى سنة 1863م، والمدفون بسيدي همو أولحسن بلخصاص بسوس، الذي خلف الشيخ سيدي امبارك البصير مؤسس زاوية لخصاص سنة 1824م بإقليم سيدي إفني، والمتوفى سنة 1908م، والذي خلف بدوره الشيخ سيدي محمد البصير المعروف “بوايا” المتوفى سنة 1952م صاحب الكشف العجيب والكرامات الشهيرة بالصحراء المغربية، وأخوه الشيخ سيدي إبراهيم البصير المتوفى سنة 1945، المؤسس الرئيسي للزاوية البصيرية ببني عياط بجبال الأطلس عام 1913.
فقد كان هؤلاء الرجال يجوبون الصحراء طولا وعرضا مرة في اتجاه الشمال وأحيانا أخرى في اتجاه الجنوب، وهكذا نجد لهم ذكرا في موريطانيا والسينغال ومالي، والساقية الحمراء، وأمركلي وأسرير ووادي نون واربيب بلاو وحوزة وتندوف، وتزنيت، ولخصاص، وتيرس وغيرها، ونجدهم من أوائل من بنوا بناء بمدينة السمارة سنة 1906م، وخالطوا أهل بوعيدة بتاكاوست، وأهل القاضي، وخيام آيت أوسا، وأولاد تدرارين، والعروسيين، ويكوت وآيت بعمران، والموذنين والسواعد وتجاكانت، وتكنة، وشنقيط وغيرهم، وكانوا يترددون على مشاهد الصالحين كسيدي أحمد الرقيبي وسيدي أحمد العروسي وسيدي أحمد الفيرم، هذا ماتذكره المصادر التاريخية عن الوجود الأول لآل البصير بالصحراء المغربية، خاصة صاحب كتاب المعسول وصاحب كتاب النزر اليسير من مناقب زاوية آل البصير.
ويعود نسب آل البصير إلى قبيلة الرقيبات، وبالضبط لفخذ “المؤذنين” المنتسبين إلى سيدي علي بن سيدي أحمد الركيبي، الذي يعود نسبه لمولاي عبد السلام بن مشيش، دفين جبل العلم قرب تطوان، وقد تنقلت عشيرة آل البصير بين الصحراء وسوس وبلدان جنوب الصحراء، إلى أن التقى الشيخ سيدي إبراهيم البصير بشيخه سيدي الحاج علي الإلغي السوسي الدرقاوي، سنة 1906م بإلغ، وأخذ عنه الطريقة الدرقاوية، وأذن له في أمر الدعوة إلى الله والخروج إلى السياحة الصوفية في اتجاه المناطق الشمالية.
وأول وجهة توجه إليها الشيخ سيدي إبراهيم البصير بعد أخذه الورد الدرقاوي هي منطقة اصبويا، وكان ذلك سنة 1906م و1907م، التي كون فيها أتباعا كثيرين من خاصة الناس وعامتهم، وبعد هذه الفترة ظهر الشيخ سيدي إبراهيم البصير بمراكش سنة 1909م، حيث بنى زاوية بالرميلة بمدينة مراكش وسلمها لشيخه الشيخ سيدي الحاج علي الإلغي والد العلامة المختار السوسي رحمهم الله سنة 1910م، ثم قصد منطقة الرحامنة سنة 1910م قرب ابن كرير فبنى هناك زاوية دوار الركيبات التي لاتزال عامرة إلى الآن، وقد لقي القبول والإقبال فاستجاب لدعوته الفقراء والأغنياء والعلماء والعوام على حد سواء.
وبالإضافة إلى سوس والصحراء، ذاع صيت هذا الشيخ في كل من مراكش والرحامنة، ودكالة التي دخلها سنة 1910م، وبنى بها مسجدا لايزال عامرا إلى الآن، وبني مسكين التي بقي فيها من 1910 إلى 1912م، والتي بنى بها مسجدا آخر لايزال يؤدي مهامه إلى الآن، وخلال هذه الفترة وصل عدد أتباع الشيخ سيدي ابراهيم البصير ببني مسكين فقط إلى أكثر من خمسمائة مريد حسب أرشيف وثائق الاستعمار الفرنسي بنانت، ودخل بعد ذلك إلى الزيدانية في 1912م، وتادلة، وبني ملال، وبني عياط التي استقر بها ابتداء من سنة 1913م، وأسس بها الزاوية الأولى في قلب الجبل، ثم الزاوية الثانية، التي تستقبلكم اليوم لتحتفلوا معها بالذكرى المئوية لتأسيسها هنا في بني اعياط، ولتحتفلوا معها في الوقت نفسه بالذكرى السادسة والأربعين لانتفاضة المقاوم سيدي محمد بصير.
وبعد أن استقر الشيخ سيدي ابراهيم البصير في بني عياط بدأ في سياحته الصوفية التي شهدتها جل المناطق الوسطى، كقبائل ودواوير تادلة والشاوية وبني موسى وبني اعمير وبني شكدال وورديغة وازعير والشاوية ودكالة، وجبال الأطلس والدار البيضاء وغيرها من المناطق المغربية، التي أسس فيها العديد من الفروع وأخذ عنه فيها العديد من المريدين.
وفي كل هذه المناطق لم يَحِدْ سيدي إبراهيم البصير عن منهج أسلافه، إذ عُرِف بسعيه الحثيث في حل المشاكل الاجتماعية للقبائل والأفراد، فكان يدعو المتخاصمين للصلح فيما بينهم، ويأمر الناس برد المظالم والتبعات والتسامح وتلقين الناس الأذكار والأوراد والدعوة إلى الإنابة والتوبة إلى الله.
وبعد وفاة الشيخ سيدي إبراهيم البصير في سنة 1945م خلفه على تسيير شؤونها ابنه الشيخ سيدي الحاج عبد الله رحمه الله، الذي استطاع بكده واجتهاده أن يحافظ على استمرارية الزاوية بعد استقلال المغرب على النهج الذي رسمه أسلافه.
ومن بين أعماله الجليلة التي تعبر عن وطنيته الصادقة ترأسه وفد أعيان أهل الصحراء الذي زار الملك محمد الخامس طيب الله ثراه، وجميع الركيبات المنتمين لجمعية الشرفاء الركيبات الذين جعلوا من الشيخ سيدي عبد الله نقيبا عليهم سنة 1951م لكي يرعاهم وينظر في جميع مصالحهم وأمورهم، كما تدل على ذلك مجموعة من الوثائق الموجودة في أرشيف الزاوية.
وبعد وفاته سنة 1965 خلفه على تسيير شؤون الزاوية أخوه الشيخ سيدي محمد الحبيب البصير رحمه الله الذي سار على النهج نفسه وشارك إلى جانب الطرق الصوفية المغربية في عدة أنشطة صوفية في المدن والقرى، ثم أخذ المشعل من بعده أخوه الشيخ سيدي محمد المصطفى البصير الذي عرفت الزاوية في عهده إشعاعا لم يسبق له مثيلا من ذي قبل، على جميع الميادين سواء منها العلمية أو التربوية أو العمرانية أو ازدياد فروع الزاوية في الداخل والخارج وعدد المريدين.
وبعد وفاة فضيلة الشيخ الوالد سنة 2006، طوقني المولى عز وجل بأمانة تحمل مسؤولية خدمة الزاوية البصيرية، وحاولت السير على منهج الشيوخ البصيريين، بالسير على طريقتهم في الانفتاح على جميع طرق أهل الله دون تعصب، وأوليت اهتماما خاصا للجانب العلمي التأهيلي، والتربية والسلوك الصوفي، معتمدا على مبدأ عدم التفريط في القديم الأصيل، والاستفادة من الانفتاح على الجديد.
وتجدر الإشارة إلى أن الزاوية البصيرية استفادت بحمد الله تعالى من الظهائر الملكية الشريفة، التي أنعم بها السلاطين العلويين على هذه الزاوية العامرة منذ كانت في الصحراء إلى أن استقرت ببني اعياط، ولذلك ظلت علاقة الزاوية بالشرفاء العلويين منذ تأسيسها حتى يومنا هذا علاقة ولاء وطاعة، وعند استقراء التاريخ المكتوب الموثق للزاوية البصيرية، نجد بأنها اعتمدت الوسطية والاعتدال والانفتاح والتضامن والتسامح، وترسيخ الالتزام بالقرآن الكريم والسنة النبوية والسعي على نشرها وتعليمها، وبالجملة مثلت على الدوام التصوف السني العلمي العملي، المعتمد على شرع الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ويتلخص منهجها الذي ارتضاه لها شيوخها رحمة الله عليهم، في الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة، ونشر العلم ومحو الجهل، والرعاية الاجتماعية والأخلاقية لأفراد المجتمع، وغرس قيم المواطنة الصادقة في المواطنين، والاعتماد على عنصر الشباب، والتجديد في أساليب الخطاب والممارسة، والانخراط الكلي في صلب اهتمامات الناس، والمساهمة في إيجاد الحلول لمشاكلهم، والحرص على وضع بصمات الخير والنفع لفائدة المسلمين، فهذا مجمل ما ينصح به شيوخ الطريقة البصيرية منذ بدء عملهم إلى اليوم، وهو المعنى نفسه الذي جاء في الحكمة القائلة: “الصوفي ابن وقته”، التي تتخذها الطريقة البصيرية شعارا لها وتعمل على العمل بمقتضاها.
وها هي الزاوية البصيرية بفضل جهود شيوخها رحمة الله عليهم، وبفضل إخلاصهم وتضحياتهم وتفانيهم، تستمر في عطائها المبارك، وتتجاوز حدود الصحراء المغربية وسوس ومراكش وتادلة وجبال الأطلس لتصل إلى دول أوربا ودول إفريقيا وآسيا وغيرها من الدول العربية والإسلامية والغربية..)