لماذا وصلت أخلاق أبنائنا إلى هذه الدرجة؟
لماذا وصلت أخلاق أبنائنا إلى هذه الدرجة؟
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يكاد يجمع كل عقلاء العالم أننا نعيش زمن اندحار الأخلاق وأزمتها بامتياز، هذه الأزمة التي عمت الكبار والصغار والذكور والإناث في جميع أنحاء المعمور في السنوات الأخيرة، وإن مجتمعنا لم يسلم من الإصابة بما أصيبت به باقي المجتمعات في هذا الجانب، حيث أصبح بعض أبناء جلدتنا يقترفون الفاحشة والرذيلة ويعاملون غيرهم بسوء أخلاق ويوثقون ذلك صوتا وصورة، ويعتزون ويفتخرون بإدراجها في صفحاتهم وحساباتهم في مختلف التطبيقات الذكية، والأسوء من ذلك هو تطلعهم إلى حصد أكبر عدد ممكن من أصوات الإعجاب، وأكبر عدد من نسبة المشاهدة، وذلك مبلغهم من العلم.
والأمثلة في هذا الشأن كثيرة تعرفونها وتطلعون عليها كل يوم وليلة بل في كل وقت وحين، وكمثال على ذلك ما رآه العالم مسجلا بالصوت والصورة لرجل فقير من أبناء مجتمعنا، يحاوره أحدهم موهما إياه أنه سيكرمه بمبلغ من المال، وبعدما حصل بغيته القذرة من التصوير، استهزأ به غير عابئ بكرامته وإنسانيته ومدى حاجته، غير مكترث بما يمكن أن يصيبه وعشيرته وأقرباءه من الأذى النفسي، فشهر به في مواقع التواصل ساخرا منه، ألهذا الحد وصلت أخلاقنا مع الغير؟ ولماذا وصلت إلى هذه الدرجة؟ أهكذا أمرنا ديننا أن نفعل بالفقراء؟ أهكذا كان حال آبائنا وأجدادنا في معاملة ذوي الحاجة؟ أإلى هذا الحد وصلت الروابط الاجتماعية القائمة بيننا على الأخوة والتواد والتراحم؟.
عباد الله، قال الله تعالى في كتابه الكريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِيسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ”، في هذه الآية عم الله نهيه جميع المؤمنين عن السخرية بالناس، واحتقارهم والاستهزاء بهم، فلا يحلُّ لمؤمن أن يسخر من مؤمن لالفقره، ولا لذنب ارتكبه، ولا لخَلقه أو خُلقه وأقواله وأعماله، أو طبعه، أو أسرته أو نسبه، ولا غير ذلك… فإنه قد يكون المحتقر أعظم قدرًا عند الله، وأحب إليه من الساخر منه المحتقر له، وذلك محرم بالإجماع.
والسخرية عباد الله هي الاستهانة والتحقير، والتنبيه على العيوب والنقائص، على وجه يضحك منه. …وهي أن تحمل أقوال وأفعال الغير على الهزل واللعب لا على الجد والحقيقة، فالذي يسخر بالناس هو الذي يذم صفاتهم وأفعالهم ذمًّا يخرجها عن درجة الاعتبار، والسخرية تنافي ما يوجبه الحق، وهي ظلم قبيح من الإنسان لأخيه الإنسان، وعدوان على كرامته، وإيذاء لنفسه وقلبه.
عباد الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى:” وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لايُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا”، قال: الصغيرة التبسم، والكبيرة الضحك بحالة الاستهزاء.
وقد يسأل البعض، كيف وصل أبناء جلدتنا ومجتمعنا إلى درجة الحضيض من الأخلاق؟، أقول في الجواب: أسباب ذلك كثيرة أذكر من أهمها تخلي الجميع آباء وأمهاتا ومربين عن مسؤولية التربية والتوجيه والمتابعة، فأصبحنا نلاحظ في أبنائنا تكبرا على الخلق، وبعدا عن الصدق في الأقوال والأفعال، ونراهم يغمطون الناس في حقوقهم، ورغبتهم الجامحة في تحطيم مكانة الآخرين، وتمضيتهم الوقت في التسلية والضحك على حساب آلام الغير، نرى ونرى ونرى… نرى كل ذلك ولا نتدخل بتوجيههم إلى الصواب والأخلاق الحسنة. وهكذا مع مرور الأيام تقررت تلك الطبائع في سلوكياتهم، فوصلوا إلى ما وصلوا إليه من السلوكيات غير المهذبة.
عباد الله، ولقد سجل القرآن الكريم عاقبة الساخرين والمستهزئين من المؤمنين، وأخبر بانعكاس الوضعية يوم القيامة بصورة يصبح الساخرون موضع سخرية واستهزاء من طرف عباده المستضعفين في هذه الدنيا، قال الحق سبحانه:” إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّواْ بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ وَإِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُواْ فَكِهِينَ”. وعن أم هانئ رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت قلت: يا رسول الله، أرأيت قول الله تبارك وتعالى:” وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ”، ما كان ذلك المنكر الذي كانوا يأتونه؟ قال:كانوا يسخرون بأهل الطريق، ويخذفونه بالحصباء”، بمعنى يرمونهم بالحجارة تماما كما يفعل بعض أطفالنا اليوم الذين يلعبون في الأزقة والشوارع ويرمون المارة بالحجارة وأشباه ذلك ويختبئون، أو الذين يرنون على أجراس المنازل ويهربون.
اسمعوا إلى هذا الحديث العظيم، كان ابن مسعود رضي الله عنه يجتني سواكًا من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مم تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده، لهما أثقل في الميزان من أحد”.أسأل الله تبارك وتعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق فإنه لايهدينا لأحسنها إلا هو، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، أَبصر مرة سيدنا عمر رضي الله عنه شيخًا كبيرًا من أهل الذمة يسأل الناس، فقال: مالك؟ قال: ليس لي مال وإن الجزية تؤخذ مني، وفي رواية: قال: من أي أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية والحاجة والسن، فأخذ سيدنا عمر رضي الله عنه بيده، وذهب به إلى منزله وأعطاه مما وجده، ثم أرسل به إلى خازن بيت المال، وقال له: انظر هذا وضرباءه، فوالله ما أنصفناه إن أكلنا شبيبته ثم نَخذُله عند الهَرَم – أو نأخذ منه الجزية عند كِبَره.
نعم عباد الله هذا يهودي من أهل الذمة هكذا عامله سيدنا عمر رضي الله عنه، فما بالكم بالإنسان المسلم؟ أخوك المسلم حقه عليك عظيم، فعليك أن تحترمه وأن توقره و أن تكرمه بما استطعت، ولا يحل لك أن تحتقره أو تسخر منه أو تستهزأ به، قال أبو موسى الأشعري: “لو رأيت رجلًا يرضع شاة في الطريق فسخرت منه، خفت أن لا أموت حتى أرضعها”، وقال يحيي بن معاذ: “ليكن حظ المؤمن منك ثلاثًا: إن لم تنفعه فلا تضره، وإن لم تفرحه فلا تغمه، وإن لم تمدحه فلا تذمه”، ومما تعلمناه من مشايخنا رحمة الله عليهم قولهم:” أوصيك لاتحتقر أحدا فإن الله ما احتقره حين خلقه”. فلا تحتقر شخصا ولو رأيته يعصي الله بأكبر الكبائر، فإنك لاتدري من سيكون يوم القيامة أقرب إلى الله أنت أم هو؟.
وأختم بهذه القصة الواقعية التي سمعتها من أحد مشايخي الذين أثق بعلمهم، وذلك أن شابا كان خارجا في جولة مع أحد أصدقائه في السيارة، فأبصرت عيناه كلبا نائما بجنب الطريق، ورجلاه ممتدة شيئا ما على الطريق، فقال لصديقه ضاحكا مستهزئا: انظر سأدعس الأرجل الممتدة على الطريق بعجلة السيارة دون أن أضرب الكلب، وبعد ذلك بأسبوع واحد، وبينما كان هذا الشاب يمشي بسيارته في الطريق نفسها والمكان نفسه، حصل له عطب في عجلة السيارة، فنزل لتغيير العجلة، فلم تثبت رافعة السيارة، وسقطت المركبة على العجلة، والعجلة على يديه فكسرتهما، وعندما وصل للمستشفى اضطر الطبيب إلى قطعهما معا”، فانظروا رعاكم إلى عاقبة الاستهزاء بحيوان، مخلوق من مخلوقات الله، فما بالكم بمن يسخر ويستهزأ بأخيه المسلم؟ فمن يفعل ذلك فلينتظر الرد الإلهي. والحمد لله رب العالمين.