لجارك عليك حقوق
الدكتور عبد الهادي السبيوي
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي أمرنا بالبرّ والصلة ونهانا عن العقوق، وجعل حقّ المسلم على المسلم من آكد الحقوق، وجعل للجار حقًّا على جاره وإن كان من أهل الكفر والفسوق.
أحمده تعالى أن سلك بنا مسالك الأبرار، ودعانا إلى إحكام الصلة بالأهل والجوار، ووعد الصادقين الطائعين النجاة في الدنيا والفوز بالنعيم في دار القرار.
ونشكره تبارك وبه الوثوق، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له هو الخالق وكل شيء سواه مخلوق، شهادة تزيدنا من الله قربًا، وتنمي ما اشتملت عليه جوانحنا إخلاصًا إليه وحبًّا. ما زالت حليفة القلب واللسان، خاتمة قولنا في الدنيا ويوم الفزع ويوم عرضنا على الملك الديان، فتجمعنا بحبيبنا ومن سبقونا في أعلى جنان.
ونشهد أنّ سيدنا محمدًا عبده ورسوله الصادق المصدوق، نبيّ دعا لربه ليلاً ونهارًا، وبلّغ رسالته سرًّا وجهارًا، فكان أفضل الخلق جارًا، وأرجاهم لله وقارًا. اللهم فصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد الناطق بأفضل منطوق، صلاة لا ينقطع لها مدد، ولا يحصر لها حدّ ولا عدد، وعلى آله وصحبه المؤدين للحقوق، وعلى التابعين لهم بإحسان من سابق ومسبوق.
أمّا بعد:
أحبتي في الله : اتّقوا الله واعلموا أنّ حقّ الجار على جاره مؤكد بالآيات والأحاديث، وما زال جبريل يوصي محمدًا -صلى الله عليه وسلم- بالجار حتى ظنّ أنّه سيشركه في المواريث والجار معناه القريب في المسكن ويحمل الجوار عدة صور منها جار المسكن وجار السوق وجار المزرعة وجار العمل ونحو ذلك.
والجار في الإسلام بمعنى عام هو لفظ يطلق على كل شخص يكون قريبا ومجاورا لمسكنك، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أن حد الجوار هو أربعون دارا من كل جانب، فمن هذا الحديث يتم الاستنتاج أن الجار هو من يسكن بقربك وحتى أربعون دارا من كل جانب من جوانب بيتك وعلى هذا الرأي استقر الشافعي والحنبلي، وذهب بعض العلماء إلى أقل من ذلك وأضيق فقالو أن الجار هو الشخص الملاصق لمسكنك من كل جانب، وذهب بعض العلماء أيضا برأي ثالث وهو أنهم قالو أن الجار هو من يصلي معك في المسجد ذاته، ومنهم من قال أن العرف في كل زمان ومكان هو الذي يضبط قضية الجوار، ولا شك أن أولى الناس من الذين يطلق عليهم لقب الجار هو الجار الذي يكون ملاصقا لبيتك وقريبا منك أكثر.
وللجوار أهمية عظيمه في الدين احبتي في الله وذلك لأنه أولا: وصية الله عز وجل ورسولِه، فقد أمر الله بالإحسان إلى الجار في نسق عشرة أوامر في كتابه، فقال تَعَالَى: وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا.
فالإسلام يأمر بحسن الجوار والمجاورة ولو مع الكفار، وشرّ الناس من تركه الناس اتقاء شرّه، وتباعد عنه من يعرفه تجنبًا لضرّه، وأخبث الجيران من يتتبّع العثرات، ويتطلّع إلى العورات في سرّه وجهره، وليس بمأمون على دين ولا نفس ولا أهل ولا مال؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت”. وقال -عليه الصلاة والسلام-: “المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه”. قالوا: وما بوائقه؟! قال: “شرّه”.
وقد ربّى الإسلام المؤمنين على أمر جوهري: هو كفّ الأذية بأن لا تتخذ من معرفتك لأحوال جارك سبيلاً لطعنه من خلف، وللاعتداء عليه، ومن عوراته بابًا تنفّذ منه أغراضك؛ فقد أخرج البخاري عن أبي شريح أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن”، قيل: ومن يا رسول الله؟! قال: الذي لا يأمن جاره بوائقه”.
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أعرف الناس برّبه، وأكثرهم تعظيمًا لمولاه وتقديرًا لخالقه، يقسم بالله ثلاثة أيمان متتالية، يقسم بأنه غير مسلم وغير مؤمن، بأنه بعيد عن جماعة المؤمنين، وبأنه سيحشر في النار مع المكذبين الضالين، ويحلف دون أن يبيّن هذا الذي خسر دنياه وأخراه، ويجيب عندما سأله الصحابة عن هذا الهالك: ذلك الذي لا يأمنه جاره، ذلك الذي يخافه جاره يخاف المهالك التي يتسبّب له فيها. نعوذ بالله من غضب الله، أي خزي أكبر من هذا، أكبر من أذية الجار والصديق وابن الحيّ والقريب وابن الأهل وابن الأحباب.
وأذية الجار أنواع: منها الحديث بما يجري في بيته، وكشف أسراره للناس، أو تسرقه أو تسمعه ما يكره.
فمن العار على المسلم أن ببيت شبعانًا بعاني التخمة، وجاره طاوٍ جوعان، وعار عليه أن يلبس الجديد ويبخل بما أبلى من ثيابه على ذوي الخصاصة من جيرانه، وعار عليه أن يتمتّع بالطيّبات من مشموم ومطعوم وجيرانه يشتهون العظام وكسر الطعام، وهو يعلم قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا نساء المسلمات: لا تحقرنّ جارة لجارتها ولو فرسن شاة”. وأنّه قال لأبي ذرّ -رضي الله عنه-: “يا أبا ذرّ: إذا طبخت مرقة فأكثر ماءها، وتعهّد جيرانك”.
كيف يليق بك اخي في الله أن تقيم في بيتك الأفراح، وفي البيت الذي بإزائك مآتم الموت والأتراح؟!
إنّ من حقّ جارك عليك أن تسلّم عليه إذا لقيته، وأن تعوده إذا مرض، وتشيّعه إذا مات، وتكون لأولاده بعد وفاته كما كان لهم في حياته، وأن تقف إلى جانبه في السرّاء والضرّاء والشدّة والرّخاء، وفي المثل السّائر: “من فاته نفع إخوانه، فلا يفوتنّه نفع جيرانه”.وقال -صلى الله عليه وسلم-: “خير الأصحاب عند الله تعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله تعالى خيرهم لجاره”.
أخي في الله اعلم رعاك الله أن لجارك عليك حقوق لا يجب أن تستهين بها لذا أوصيك بِجارِك اتق اللهَ فيه وراع حقوقه.اجتنب ما يؤذيه من قَولٍ أَو فعل .. وعامِله بِما تحبُّ أَن يُعاملَك جارُكَ بِهِ والأجمل من كل هذا أن تصْبِر عَلَى أَذاه. وتحضرني اللحظة قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع جاره اليهعودي الذي كان
يحاول ان يؤذي الرسول (صلى الله عليه وسلم)
ولكن لا يستطيع خوفا من بطش أصحاب النبي فماذا كان يفعل؟؟
كان هذا اليهودي في الليل والناس جميعا نيام ،كان يأخذ الشوك والقاذورات ويرمي بها عند بيت النبي ولما يستيقظ رسولنا الكريم فيجد هذه القاذورات كان يضحك (صلى الله عليه وسلم) ويعرف أن الفاعل جاره اليهودي فكان نبينا الكريم يزيح القاذورات عن منزله ولم يمل اليهودي عن عادته حتى جاءته حمى خبيثة فظل ملازما الفراش يعتصر ألما من الحمى حتى كادت توشك بخلاصه وبينما كان اليهودي بداره سمع صوت الرسول صلى الله عليه وسلم يضرب الباب يستأذن في الدخول فأذن له اليهودي فدخل صلوات الله عليه وسلامه وسلم على جاره اليهودي وتمنى له الشفاء ، فسأل اليهودي الرسول(صلى الله عليه وسلم) وماأدراك يامحمد اني مريض؟؟ فضحك الرسول (صلى الله عليه وسلم)وقال له:( عادتك التي انقطعت) يقصد نبينا الكريم القاذروت والاشواك التي يرميها اليهودي أمام بابه فبكى اليهودي بكاء حارا
من طيب أخلاق الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم). فنطق الشهادتين ودخل في دين الاسلام.
ومن قصص الصبر على أذى الجيران اذكركم بقصة سهل بن عبد الله التستري رحمه الله ذلك أنه كان له جار ذمّي، وكان قد انبثق من كنيفه إلى بيت في دار سهل بثق، فكان سهل يضع كلّ يوم الجفنة تحت ذلك البثق، فيجتمع ما يسقط فيه من كنيف المجوسي، ويطرحه بالليل حيث لا يراه أحد، فمكث رحمه الله على هذه الحال زمانًا طويلاً إلى أن حضرت سهلاً الوفاة، فاستدعى جاره المجوسي، وقال له: ادخل ذلك البيت، وانظر ما فيه، فدخل، فرأى ذلك البثق والقذر يسقط منه في الجفنة، فقال: ما هذا الذي أرى؟ قال سهل: هذا منذ زمان طويل يسقط من دارك إلى هذا البيت، وأنا أتلقّاه بالنهار، وألقيه بالليل، ولولا أنه حضرني أجلي وأنا أخاف أن لا تتّسع أخلاق غيري لذلك وإلا لم أخبرك، فافعل ما ترى، فقال المجوسي: أيها الشيخ، أنت تعاملني بهذه المعاملة منذ زمان طويل وأنا مقيم على كفري؟! مدّ يدك فأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ثم مات سهل رحمه الله.
هكذا يصنع الإسلام النماذج الرائدة في الدعوة إلى الله علماء في جانب العلم وجانب العمل فرحمهم الله وجعلنا لهم بالأثر.
أحبتي في الله
كثيرة هي العادات والسلوكيات السلبية التي تؤذي جيراننا ونحن لا نأبه بذلك وخصوصا سكان العمارات حيث الشقق متلاصقة مع بعضها والسلالم ( الدروج) مشتركة والأسطح مشتركة فتجد بعض الجيران هداهم الله لا يتورعون في رمي الأزبال أو أعقاب السجائر في السلالم ( الدروج) ومنهم من لا ينهى حتى أطفاله عن الركض أو إثارة الضجيج وإيذاء الجيران وحين تشتكي إليه يجيبك أنهم مجرد أطفال ، ومن النسوة من تلجأ إلى استعمال الآلات الكهربائية المحدثة للضجيج أو دق التوابل في (المهراز ) في أوقات متأخرة من الليل دون اعتبار لراحة الجيران . ومنهم من يرفع صوت التلفاز أو الموسيقى معبرا عن انتشاءه واستمتاعه ضاربا عرض الحائط راحة جاره وإذا اترت انتبابه رد عليك أنها حرية شخصية ونسي أو تناسى أن حريته تنتهي حين تمس حرية الآخرين .
احبتي في الله : اعلموا أن الجوار أمانة، وإن أول ما يرفع من هذه الأمة الأمانة، وآخر ما يبقى فيهم الصلاة، ولا خير فيمن لا أمانة له وإن أقام الصلاة وإن آتى الزكاة، فالخائن مبغوض عند الله وملائكته والناس أجمعين، متهاون بدينه ودنياه، قبيح المعاشرة، سيئ المعاملة، منزوع البركة في بيعه وشرائه، حلاّف مهين، مستخفّ باليمين، يقول في كل شيء: لا والله، وبلى والله: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [المنافقون: 22]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ أمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفّة في طعمة”. فاعتبروا يا أهل الإيمان.
ولقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتنفق وتتصدق ، ولكنها تؤذى جيرانها بلسانها , فقال النبي صلى الله عليه وسلم \” لا خير فيها هي من أهل النار \” قالوا : وفلانة تصلى المكتوبة ، وتتصدق بأثواب ، ولا تؤذى أحدا ؟ فقال رسول الله هي من أهل الجنة \”. البخاري
أحبّتي في الله: بعض الناس لا يبالي بغيره إذا تحققت راحته، ولا يهمه أن يكون عباد الله كلهم ساخطين عليه وأن تدنّس ساحته، ما دام ينال قصده ويصل إلى مراده ويتمتّع بشهواته ولو كان في ذلك هلاك غيره؛ لذلك تراه بغيضًا في إخوانه، ممقوتًا في جيرانه، وخفيفًا في ميزانه، وسخيفًا عند من يعرفه من أهل زمانه؛ يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إنّ الله قسّم بينكم أخلاقكم كما قسّم بينكم أرزاقكم، وإن الله تعالى يعطي الدنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدين إلاّ من أحب، فمن أعطاه الدين فقد أحبّه، والذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتى يأمن جاره بوائقه”.
يا أيها الذين آمنوا: استمعوا لكلام الله، فإن آياته تزيد المؤمنين إيمانًا وتظلّهم سحائبه رحمة وخيرًا وإيمانًا. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ) [النساء: 366]، صدق الله العظيم.
أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولوالدي ولوالديكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي العظيم
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل الأمانة حملاً ثقيلاً، ودعا الجار للقيام بها لأنه كان ظلومًا جهولاً، ومدح القائمين بأماناتهم والموفين بعهد الله، فأثنى عليهم ثناءً جميلاً، وذمّ المخلّين بها الذين يشترون بعهد الله وبآياته ثمنًا قليلاً. (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ) [الأنعام: 33].
نحمده تعالى ونسأله العفو والعافية وبرّه وإحسانه، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، أمرنا بحسن الجوار، ودعانا الى الاحسان الى الجار .
اما بعد ، احبتي في الله
إن الإحسان إلى الجار يكون بالقول والعمل، والإحسان خلق كريم، يهيئ القلوب للخير، ويورث الطمأنينة، ومتى شعر الجار بسلام من جاره، وأن جاره يحسن إليه، اطمأنّ قلبه، وانشرح صدره وارتاحت نفسُه.
واعلموا حفظكم الله أن الإحسان إلى الجار له فضائلُ عديدةٌ، فلقد أخبر -صلى الله عليه وسلم- أنَّ حسنَ الجوارِ علامةُ الإسلام، رُوى عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “كُنْ وَرِعًا تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحَسِنْ جِوَارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسْلِمًا”.
ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه علامة الإيمان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُحْسِنْ إِلَى جَارِهِ”.
ومن فضائل الإحسان إلى الجار أنه سبب لمحبة الله ورسوله، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “إن أحببتم محبة الله ورسوله؛ فأدوا إذا ائتمنتم، واصدُقوا إذا حدثتم، وأحسنوا جوار مَن جاوركم”.
ومن فضائل الإحسان إلى الجار أن الإحسان سبب لعمارة الديار، وطول الأعمار، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ أُعْطِىَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِىَ حَظَّهُ في الآخِرَةِ”، ويقول: “وَصِلَةُ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرَانِ الدِّيَارَ، وَيَزِيدَانِ فِي الأَعْمَارِ”.
ومن فضائل حسن الجوار أنه سبب لدخول الجنة، سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمل يُدخل الجنة فقال: “كن محسنا”، قال: متى أكون محسنا؟ قال: “إن أثنى عليك جيرانك فأنت محسن”.
والإحسان إلى الجار ليس مُتَّبَعاً معيَّناً، ولاشيئاً خاصاً، ولكنه عامٌّ، من الأقوال الطيبة، والأفعال الحسنة.
ومن ذلكم أن الهدية للجار مشروعة، إذ إن أصل الهدية أنها شُرعت لإزالة الشحناء والعداوة، وتقوية أواصر الحب بين أفراد المجتمع، كما قال صلى الله عليه وسلم : “تَهَادَوْا تَحَابُّوا”، ولهذا ادفع بالهدية للجار، وتعهد ذلك، وإن قَلَّتْ، فلو كانت في النظر قليلة، فإنها تؤدي عملا طيبا.
ومن صور الإحسان إلى الجار التطبيقية التعاون والتنازل عن بعض الحقوق لأجل الجار، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “لاَ يَمْنَعَنَّ جَارٌ جارَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَةً عَلَى جِدَارِهِ”. ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: “مَا لِى أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ؟ وَاللَّهِ! لأَرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ”.
هذه أخلاق الإسلام: انها دعوةٌ للفضائلِ والأخلاقِ القيِّمة. ليكون المجتمع مجتمعاً مترابطا متماسكا، لَبِنَات بعضُها فوق بعض، من صلةِ رحم، وإكرام جار، وأخلاقٍ فاضلة.هذا هو المجتمع المسلم الذي أراده الله لنا، فلنكن على ثقةٍ بديننا، وتمسُّكٍ بأخلاق إسلامنا، ولْنُمَثِّل الإسلام في الأقوال والأعمال.
فلوْ نَظَرْنا إِلى عاداتِ السلف الصالح مِنَ الاِمْتِثالِ لما أَوْصَى بِهِ حَبِيبُنا محمَّدٌ عليْهِ الصّلاةُ والسّلامُ لَعَلِمْنا أَنَّنا اليوم مُقَصِّرونَ في مراعاة حقوق الجارِ ، فَالكثِير مِنّا اليَوْمَ لا يُحسن إِلى جارِه بل من الناس من لا يعْرِفُ حتى مَنْ هُوَ جارُهُ الَّذِي يُجاوِرُهُ مِنْ سِنِينَ أَوْ لا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ حتى أَوْ لا يُكَلِّمُه. َفتَدارَكْ نَفْسَكَ أَخِي في الله وأَصْلِحْ ما بَيْنَكَ وبَيْنَ جارِك فَخيرُ الجِيرانِ عِندَ اللهِ خَيرْهم لجاره .
أحبتي في الله ، اتقوا الله وصلوا وسلموا على سيد رسله وخاتم أنبيائه والشافع المشفع عند الله يوم نلقاه، المنزل عليه إرشادًا وتعليمًا وتشريفًا له وتعظيمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 566]، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الذين هم فيما عند الله راغبون، ومما لديه راهبون.
اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك العليا ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا واجعلهما الوارث منا ونحن عبيدك الضعفاء، فاقصف من يظلمنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللهم انصر من نصر الدين واخذل كل من خذل المسلمين اللهم انظر إلينا بعين رحمتك وادم علينا سوابغ نعمتك.
اللهم عرفنا نعمك بدوامها ولا تعرفنا نعمك بزوالها اللهم اختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا واجعل إليك اعتمادنا ومآبنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا واجعل الجنة هي دارنا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، . اللهم اسقنا سقيا نافعة واسعة تزيد بها في شكرنا، وتوسع فيها على فقرائنا وتحيي بها أرضنا، أنت الحي فلا تموت وأنت القيوم فلا تنام بك نصول ونجول وعليك التكلان.
اللهم وفق ملك البلاد أمير المؤمنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .
اللهم امدده من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .اللهم ، خذ بيده، و احرسه بعينيك الّتي لا تنام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام. واحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.
.اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن كافة الصحابة من المهاجرين والأنصار وعن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الستة الباقين من العشرة الكرام البررة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة،اللهم انفعنا بمحبتهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم، يا خير مسؤول ويا خير مأمول..
عباد الله:اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.