كل سلامى من الناس عليه صدقة (5) إماطة الأذى عن الطريق
كل سلامى من الناس عليه صدقة (5) إماطة الأذى عن الطريق
الأستاذ مولاي يوسف بصير
الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ونشكره على أن هدانا سبله، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب على كل سلامى من الناس صدقة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، القائل: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمع الماضية تكلمنا عن أنواع الأعمال التي يمكن لأي واحد منا القيام بها، في كل يوم، وتحسب له بها صدقة، لأنها بمكانة الشكر لله عن رصانة الفكر بالعدل بين المتخاصمين، وزكاة عن صحة البدن، وقوة البنية الجسدية، بإعانة وإغاثة من هو محتاج للعون، وزكاة عن الأخلاق المكتسبة حيث لا تنطق إلا بالكلام الحلو الطيب، الذي ترتاح النفوس لسماعه، فيذكرها بالله وبعظيم صنعه، وزكاة عن الحياة حينما تسمع نداء الصلاة فتهتز نفسك وتسعى جوارحك للوقوف بين يدي الله في بيته، فتعمره بالصلاة والذكر والتلاوة، واليوم نتكلم عن الجملة الأخيرة التي ختتم بها النبي ﷺ هذا الحديث الصحيح المتفق عليه والذي رواه الشيخان البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، … وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، وإماطة الأذى إزالته عن طريق الناس، وقد عده النبي ﷺ من علامات كمال الإيمان حيث قال: “الإيمان بضع وسبعون شعبة، أعلاها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”، واعلم أخي المؤمن أن الأذى قد يكون حسيا كالشوك والحجارة وكسر الزجاج، وما يرمي به الرجال والنساء والأطفال والسفهاء من الأزبال على المارة وفي طريقهم، من قشور الفواكه كالموز والليمون والبطيخ الذي ربما زلقت به رجل عاجز أو ضرير أو طفل فانكسرت، أو ضرب بوجهه الأرض فانخدشت، وقد يفرح السفيه ومن لا حياء له بمثل ذلك المنظر المؤثر فيصفق له أو يضحك ويظهر الشماتة بأخيه، فيجمع عليه بين تعب الجسم والروح بدلا من أن يأخذ بيده ويواسيه ويضمد له جراحه ويمسح عنه التراب إذا علق به، ومما ينبغي إماطته عن الطريق أيضا ما يلقى من أوراق لبعض الكتب وقصاصات بعض الصحف والمجلات التي تضم بعض سور القرآن الكريم وآياته في الشوارع والأزقة حيث يتعرض كلام الله أحيانا إلى أن يداس بالأقدام. وما علم فاعله أنه بذلك يخزى ويهان. وقد يكون الأذى في الطريق معنويا كعدم رد السلام الواجب، والكف عن غض البصر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن أبى إلا أن يجلس في الطرقات المنهي عن الجلوس فيها. لقوله ﷺ: إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله ما لنا عنها بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها، فقال ﷺ: “فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه”، قالوا: وما حق الطريق؟، قال: “غض البصر، وكف الأذى ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”، وليعلم الذين لا يغضون أبصارهم عن الحرام وتتبع عورات الناس بأنهم يصابون في الدنيا بالعمى وتمتلئ عيونهم يوم القيامة من نار جهنم. فالنظرة الأولى لك، والثانية عليك. قال الله تعالى: “قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، إن الله خبير بما يصنعون”، وقال ﷺ، فيما يرويه عن ربه عز وجل: “النظرة سهم من سهام إبليس مسموم، من تركها مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه”. ومن الأذى الذي ينبغي أن يكفه الناس عن الطريق، أيضا أذى القول، من الكلام الساقط، والسب والقذف بالكلام القبيح جهارا، والتعوذ على التلفظ بالجمل المخلة بالحياء، على مرآى ومسمع من الناس دون اعتبار لأعمارهم ولأجناسهم، وهذا لعمري من السلوك الذي ينم عن بعدنا عن تعاليم ديننا، وعن الذوق الإسلامي الرفيع الذي يحث على اختيار العبارات ومراعات أسماع الناس، ومن إماطة الأذى عن الطريق أيضا الحرص على سلامة المواطنين بعدم إزعاجهم في طرقاتهم بأصوات منبه السيارات والسرعة في السياقة داخل الدروب والأزقة للسائقين، حتى لا نعرض الأبرياء للأعطاب التي قد تكون مميتة إذا لم نتوخى الحيطة والحذر. جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، ها أنتم ترون أن الصدقات في الإسلام ليست حكرا فقط على من يملكون الأموال، بل كل واحد منا مهما كان مستواه المادي أو المعنوي، يستطيع أن يكسب الأجور العظام من بذله مما أعطاه الله تعالى إذا أخلص لله تعالى فيه، بشرط أن يكون ما يبذله نافعا لخلق الله، إذ كما تعلمون أن أحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، وحتى إذا لم يستطع الإنسان أن يبذل مما أنعم الله عليه من مال وصحة بدنية، وقوة جسمية، وكلمة نافذة، ووساطة في خير ممدودة، فليكف أذاه عن الناس، ولا تمتد يده بسوء إليهم، ففي كفه عن أذية الناس صدقة عن نفسه. ف”المسلم من سلم الناس من لسانه ويده”. الدعاء