كلمة مولاي اسماعيل في الذكرى الرابعة والأربعين لانتفاضة بصيري بالعيون

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف خلقه، وعلى آله وصحبه خير قرنه، وسلم تسليما كثيرا عدد خلقه ورضى نفسه وزينة عرشه ومداد كلماته.

السيد الوزير المنتدب لدى وزير الداخلية المحترم؛
السيد والي صاحب الجلالة على جهة تادلة – أزيلال وعامل إقليم بني ملال المحترم؛
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال المحترم ؛
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم الفقيه بن صالح المحترم؛
السيد رئيس الجهة المحترم؛
السيد رئيس المجلس الإقليمي المحترم؛
السادة رؤساء المصالح الخارجية المرافقين للسيد الوالي والسادة العمال؛
السيد ممثل عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال الرباط التابعة لجامعة محمد الخامس ،والسيد رئيس شعبة القانون العام والوفد المرافق له ؛
السادة العلماء والأساتذة والأكاديميون المشاركون في أعمال هذه الندوة العلمية الدولية من داخل المغرب وخارجه؛
السادة رؤساء المجالس العلمية المحلية المحترمين؛
السادة شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية الذين أتونا من أقاليمنا الجنوبية الغالية.
السادة البرلمانيون والمنتخبون؛
أيها السادة والسيدات الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،

 

بداية، يشرفني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن كافة أهل البصير ومريدي الطريقة البصيرية ومقدميها وأساتذة مدرسة الزاوية وطلبتها ، أن أرحب بجمعكم العظيم في هذه الزاوية العامرة بالله ،وأقول لكم جميعا: مرحبا وأهلا وسهلا ،نزلتم أهلا ووطئتم سهلا ،ونحن الضيوف حقيق ،وأنتم رب المنزل كما يقال.
وأرحب بكل من أتانا ليشاركنا أعمال هذه الندوة العلمية الدولية التي ننظمها تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وبتنسيق وتعاون مع شعبة القانون العام بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال الرباط التابعة لجامعة محمد الخامس ،والتي تخلد للذكرى الرابعة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير الشهيرة بمدينة العيون ،واسمحوا لي باسمكم جميعا أن أرحب بشكل خاص بالسادة العلماء والأساتذة المبجلين الذين استجابوا لدعوتنا مشكورين وقدموا إلينا من دولة الغابون وساحل العاج ،و السينغال ،والسودان ،و بوركينافاسو ،وغينيا كوناكري ،و النيجر، واليمن ،و فلسطين ،وألمانيا ، وإيطاليا ،و فرنسا ،جزاهم الله عنا كل خير آمين ،وأرحب بأساتذة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال الرباط، وإن نسيت لا أنسى أن أقول مرحبا وألف مرحبا لإخواننا وأبناء عمومتنا من أهل الصحراء الذين وصلوا رحمهم وأبناء عمومتهم في هذه البلاد، وصلهم الله بكل خير.
أيها السيدات والسادة الحضور الكريم، ننظم اليوم هذه الندوة العلمية الدولية تحت شعار: “انتفاضة سيدي محمد بصير تكريس للقيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة “، والتي ستتدارس في برنامجها الحافل وخلال ثلاث جلسات ،خمسة محاور :

المحور الأول: المناضل سيدي محمد بصير وأولوية قضيته.
المحور الثاني: التدين المغربي: انتشاره وآثاره.
المحور الثالث: القيم الصوفية المغربية الصحراوية وامتداداتها بالقارة الإفريقية ودورها في الحفاظ على لحمة البلاد وتحقيق الاندماج .
المحور الرابع: القيم الصوفية ودورها في تحقيق الاندماج ومحاربة الفرقة والتشتت.
المحور الخامس : حول الدور المغربي لحل قضية الصحراء المغربية.

أيها الإخوة الكرام ،مداخلتي التي سأتقدم بها مفتتحا أعمال هذه الندوة المباركة موسومة بعنوان :” القيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة التي كرستها انتفاضة سيدي محمد بصير” .

أولا: عندما نقول القيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة ،فإننا نقصد بها تلكم القيم الإنسانية التي تميز واتصف بها الصحراويون منذ أن اعتنقوا الإسلام شرعة ومنهاجا، والتي منها التسامح والتآخي والتواصل والتكاتف والتضامن والشهامة والكرامة وصفاء السريرة والطيبوبة والمروءة والورع والنخوة والشجاعة والروح الشاعرة والقرب من الله والتوسط في النزاعات والتحكيم وإنصاف المظلومين ،و غيرها، فهذه القيم تميز بها تدين الصحراويين على مر العصور ،وهو في المجمل تدين يتسم بالاعتدال والوسطية ،و يمتح من قيم التربية والتزكية الروحية التي جعلت منهم أناسا منفتحين معطائين محبين للخير، وتاريخ الصحراويين زاخر والحمد لله بالطرق الصوفية التي وصل نفعها العالم كله ،كالطريقة المعينية التي كان صاحبها يلقن أوراد الطريقة الناصرية والقادرية والتيجانية وغيرها ،ورفيقه صاحب الطريقة البصيرية الدرقاوية التي انتشرت في الكثير من بلدان المعمور ،وقل أن تبصر رجلا صحراويا أو امرأة صحراوية لا تمسك بسبحة ،أو لا تترنم بذكر الله وبمديح رسول الله صلى الله عليه وسلم ،والشعر الحساني حافل بكل ذلك وأولياء الصحراء اشتهرت زواياهم وخلواتهم في كل موضع من الصحراء المغربية ،وبالتالي فالقيم الصوفية المغربية الصحراوية لا يكاد يخلو منها بيت من بيوتات أهل الصحراء ،والحمد لله على ذلك.

ثانيا: لماذا سنتدارس هذا الموضوع ؟ وأين تكمن أهميته؟
أقول: إن الحياة المعاصرة التي يحياها الإنسان الصحراوي اليوم ،علاوة على تأثرها بالاختراق العولمي لقيم البيئة الصحراوية ،والتي ساهمت إلى حد كبير في تغيير حاله ،نجد مخططات أعداء الوحدة الترابية الذين يسعون بكل ما أوتو من قوة إلى تغيير أخلاق الصحراويين وقيم أسلافهم ليصبح التنكر للقيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة هو ديدنهم وطبعهم الأصلي ،فكل عملهم وأملهم أضحى يتركز في غرس القيم النفعية والمادية فيها ،تلك القيم التي لا تنسجم مع أصالتنا وإسلامنا، وهكذا تفككت البِنَى الاجتماعية التقليدية كالأسرة ،وحصل نوع من المسخ الاجتماعي انعكس على وضعية المرأة ،وهذا ما تؤكده الكثير من الأحداث التي عرفتها الصحراء المغربية ،حيث أصبح يوجد فيهم الإنسان الذي غاب عنه البعد الروحي وافتقد السلوك الأخلاقي الطهراني الرهيف الناعم، إذ لم يعد له مذاق ووجود ،وأصبحت كل وسائل الهداية لا تجدي شيئا ،وأصبحت خطب الخطباء والسياسيين لا تؤثر، ومواعظ الوعاظ لا تؤطر، وكتب الكتاب لا تنور ،وحكم العلماء لا تغير ،و وصل الحد ببعضهم بتندوف أن قال متنكرا للقيم الإسلامية و قيم أسلافه: “الشعب الصحراوي سيظل مكافحا ومقاوما من أجل القيم التي ناضل ومات عليها مانديلا ” ،و لكنه نسي أن الصحراء كما قال أحد الحكماء: “لا تنبت العشب ولكنها تنبت المبادئ والقيم “، ونقول نحن اليوم في ظل إمارة أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله وبفضل مخططاته التنموية الرائدة: “إن الصحراء المغربية أصبحت تنبت العشب أيضا ،وأصبحت تصلح فيها الفلاحة التي تزرع في بقاع الأرض كلها ،وغدت تنافس في ذلك وتصدر للخارج أيضا ،وإن الصحراء المغربية أصبحت تخرج الرجال الأفذاذ المتشبثين بقيمهم وأصالتهم “.
ولعل السبب في هذا الاغتراب والتلاشي الذي أصبح يعيشه بعض المواطنين في الصحراء المغربية ،هو تفريطهم في البعد الأخلاقي والتربوي والروحي الذي كان عليه أسلافهم رحمة الله عليهم ،وسلموا زمامهم وأنفسهم للأعداء يتلاعبون بأخلاقهم وقيمهم كما شاؤوا .
أيها السيدات والسادة الحضور الكرام ،فكما أن الكثير من المسائل اليومية نحتاج للإجابة عليها لرأي الفقيه ،فإن الكثير من المسائل العقلية والروحية والنفسية والاجتماعية نحتاج فيها لتجربة المجرب وسالك هذا الطريق الصوفي المتشبع بالقيم الصوفية ،وإن كل ذلك يوجد في حمى التصوف ،قال تعالى: ” ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها “.
وفي هذا الإطار تأتي هذه الندوة العلمية الدولية التي تؤصل وتذكر بقيم الإخاء والمحبة والمودة التي عبر عنها إرث الأجداد والأسلاف بالصحراء المغربية ،و جاءت انتفاضة الفقيد سيدي محمد بصير لتكريسها عبر حركة تحررية روحية أخلاقية ،تعيد الاعتبار لهذه القيم ،التي تبقى الوسيلة الناجعة اليوم لمعالجة مشكل الصحراء المغربية المصطنع ،الذي لن يحله إلا أبناء الصحراء الأشاوس أنفسهم ،بما يمتلكونه من إرث حضاري إنساني يتغاضى عن أخطاء الماضي ويتجاوز الحساسيات السياسية الضيقة ،بفسح المجال إلى أبناء الصحراء ليؤسسوا المستقبل رهن أيديهم وطوع بنانهم.

ثالثا: أحب أن أقول: بأن صاحب الذكرى سيدي محمد بصير هو ابن هذه الزاوية التي نجتمع وإياكم فيها ،وهو نفسه الذي يدعي أبناء عمومتنا وإخواننا في تندوف زورا وبهتانا أنه رائدهم الأول في الانفصال عن الوطن ،ومعروف عن الزاوية البصيرية ومنذ أكثر من مائة عام ببني اعياط ،أنها تهتم بالعلم والسلوك والتربية وتتبيث القيم الإسلامية في قلوب أبنائها وتلامذتها ،وتاريخها خير شاهد على أنها كانت أداة وصل بين القبائل سواء بالصحراء أو بسوس أو بتادلة ودكالة وغيرها، تفض نزاعاتهم وتحل مشاكلهم وتحمي المظلومين منهم ،ولا أدل على هذا الكلام من أنك تلحظ هذه القيم والأخلاق الإسلامية تتمشى أمام ناظريك حالا لا مقالا ،وهذا كله أرخ له العلامة الشهير سيدي محمد المختار السوسي رحمه الله في كتابه المعسول ،وثقافة الزاوية هي التي تشبع بها سيدي محمد بصير صاحب الذكرى .

رابعا: قد تتساءلون عن القيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة التي كرستها انتفاضة سيدي محمد بصير ،أقول في الجواب: تتجلى أولى هذه القيم في الالتزام والتشبث بالقيم الإسلامية عموما ،وبذلك استطاع فقيدنا الغالي كسب قلوب الصحراويين ،فقد استطاع إقناعهم بالدخول في حركته عن طريق توظيفه لثقافة الزاوية التي شب عليها وترعرع بين أحضانها ،والتي تتلخص في معضمها في القيم الإسلامية التي تجمع ولا تفرق، وهو لم يكن متصنعا في ذلك بل كان ذلك هو وصفه الطبيعي ،فقد سعى جادا في تأسيس مدارس للغة العربية ،وإنشاء الكتاتيب القرآنية بقصد محاربة الأمية ومواجهة مسخ الهوية الصحراوية ومحاربة سياسة التجهيل وأساليب التنصير والتبشير التي كانت تنهجها السلطات الاستعمارية الإسبانية ،وكان يحرص أن يؤدي المنخرطون في حركته للقسم على المصحف وبطهارة تامة ،ويلتزم التزاما بقراءة الفاتحة في أول الاجتماع وآخره، ومن حين لآخر يطرق موضوع الجهاد في الإسلام في جميع خطبه لتشجيع الناس على مقاتلة العدو ،وعندما يرسل رسوله لتأدية عمل ما ،يقول له “بسم الله توكل على الله”، وحرص على أن يلتزم المنضوون في حركته بالأمانة والعدل، وذلك ما تؤكده عدة شواهد ،حيث أقام محاكمات عادلة لبعضهم في الهواء الطلق بالصحراء.
بهذا كله عمل الفقيد الغالي سيدي محمد بصير على تكريس القيم الإسلامية في صفوف أبناء عمومته من الصحراويين ،وعمل على توحيد جهودهم في خندق واحد ،وبهذا التفت حوله أفراد جميع القبائل الصحراوية من دون عصبية قبلية أو غير ذلك .
والملاحظ اليوم أيها الإخوة الكرام ،أنه عندما أغفلنا القيم الإسلامية الصحراوية ،وهذا الجانب الإيماني تجذرت فينا العصبية القبلية والطمع المادي والسعي وراء المصالح الشخصية والتفسخ الأخلاقي وغيرها من الأمراض التي يتعسر علاجها ،فالإنسان الصحراوي بفطرته المسلمة السليمة عموما له تفاعل مع كل ما هو إسلامي من شرع الله وشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما ضعف الوازع الإيماني وافتقدنا لمن يوقظه من الرجال الصالحين الموجودين في الصحراء ،سهل على الأعداء غزونا بأفكارهم التي تدعو إلى التفرقة والتجزئة وحق الشعوب في تقرير مصيرها ،مع أن هذه الأمة الواحدة لها مصير واحد ،وبهذا طال أمد حل هذا المشكل البسيط المعقد.
فإذا استطاع الرجال الصحراويون – وهم كثر بحمد الله -، وخاصة من الذين تتوفر فيهم المواصفات والكفاءات ليقودوا وينيروا الطريق ويبصروا الناس بالسبل الكفيلة لمقاومة مخططات أعداء الوحدة الترابية ،بأن يوقظوا لدى الصحراويين الإيمان بالله وكل ما يساهم في إنعاشه وازدهاره، بل وإنعاش كل القيم الإسلامية الأخرى سيجدد الإيمان لا محالة وتنتعش القيم الإسلامية وشعب الإيمان جميعها ،وعندها سيحل المشكل القائم.
فإذا قوي هذا الوازع الإيماني لدى الإنسان الصحراوي فإن الوحدة والتوحد والتعاون والانسجام وتوحيد الرؤى وحسن الجوار ونبذ نعرات العصبية القبلية والعداوة القبلية ،والاهتمام بصلة الأرحام وعدم هجر الأحبة والإخوان ،سيصبح شيئا طبيعيا يسري في عروقه ودمه، وهذه هي النتيجة التي نتمنى أن نصلها في يوم من الأيام.
وإنه عند البحث والتقصي والتفكر بإمعان في جذور هذا المشكل القائم بين أهل البلد الواحد ،تجد مرده إلى ضعف الوازع الإيماني في القلوب، وتغلغل الأفكار الشيطانية بين الناس ، وخاصة تلك التي تدعو إلى التفرقة والتشرذم والتشتت وعدم الانسجام وتوحيد الرؤى والتنكر للقيم الإسلامية، وكان جديرا بنا ونحن مسلمون أبناء وطن واحد وتاريخ واحد وجغرافية واحدة أن نضع اليد في اليد والقلب على القلب ونشمر على ساعد الجد وننافس القوى المتقدمة ،بدلا من المراوحة في المكان نفسه كحمار الرحى ،وتضييع الوقت فيما لا طائلة وراءه ،فهذا عصر الاتحاد والاتحاد قوة.
وعيب وعار كبير علينا وديننا الإسلامي الذي نحتكم إليه جميعا يدعونا إلى التوحد والتماسك والتعاون وجمع الكلمة وصلة الرحم ونبذ العصبية ،ونحن نسعى إلى خلاف ذلك ،انظروا إلى جيراننا في أوربا ،وهم ليسوا على دين الإسلام ،كيف تكتلوا وتوحدوا وأصبحوا قوة عظمى بين عشية وضحاها، إنه حري بنا التشبه بهم والاحتذاء حذوهم بدل الإصغاء إلى الشيطان والنفس الأمارة بالسوء وقد قيل:

و إن بدا لك علم عند منخفض فاجن الثمار وما عليك من خشب

لا أود في كلمتي هذه أن أستفز إخواننا الصحراويين سواء منهم الموجودين في تندوف أو ممن يدعون بانفصاليي الداخل أو من يتضامن معهم ،بل أريد أن أستفز عقولهم وضمائرهم رغبة مني في التنبيه على واقع غير سوي تعيشه شريحة من مجتمعنا الصحراوي ،وتشخيص الداء الذي بدأ ينخر في جسد هذا الجزء من وطننا الحبيب ،وذلك لاستئصاله من جذوره.
فيا أيها الصحراوي الوقت لم يعد يسمح ،و التماطل في معرفة البديل الأصلح، لا يدل إلا على الحمق والبلادة والقبح ،والركب أوشك على الانطلاق فأنهض وانفض عنك غبار التردد واستبدل الحيرة بالصرامة فاستجمع قواك بلا ندامة ،وكشر عن أنيابك ،وقل للمتربصين لا تغركم هذه الابتسامة ،وأعد إلى أذهان الوطن الأم قيم التسامح والتكاتف والشهامة والكرامة ،فتلك التي إن ضاعت رحمة الله علينا وعلى أبنائنا وعلى كل شيء إلى يوم القيامة.

خامسا وأخيرا: إن القيم الصوفية المغربية الصحراوية الأصيلة، ونظرا لرجاحتها ورصانتها ونفعها استطاعت بفضل الله أن تنتقل للكثير من البلدان الإفريقية، وتتأسس على هدى من الله، وهكذا وجدت الكثير من الطرق الصوفية المغربية ملاذها وموطئ قدم لها في هذه البلاد ،ولا عجب أن نجد من بينهم من يفتخر بانتسابه الروحي إلى الطرق الصوفية المغربية ،بل إن أكثرهم يعلن أن في عنقه بيعة لأمير المؤمنين بالمملكة المغربية ،وقد رأيتموهم مؤخرا كيف استقبلوا جلالة الملك محمد السادس نصره الله استقبال الأبطال الفاتحين ،وملئوا الطرقات زرافات ووحدانا وكأنه في المغرب ،بل العجيب الغريب أن نسمع ونتأكد بأن زيارة جلالته لبعض هذه البلاد كانت سببا في دخول الكثير منهم إلى رحاب الإسلام ،فهذا هو العمل العظيم الذي ينتظر منا جميعا بذل المزيد من الجهد في خدمته ،لأن هذه البلاد الإفريقية أصبحت في مواجهة يومية لخطر التنصير والتشيع والحركات الإرهابية الدخيلة على الإسلام ،وفي هذا المقام أقول لإخواننا في إفريقيا نحن معكم وبجانبكم إلى أن تتحقق أماني وأمال الشعوب الإفريقية جميعها ،ونبارك ونشد على أيدي خطى مولانا أمير المؤمنين في هذا الجانب ،وأنا أدعو من هذا المنبر أهل التصوف الصادقين بالانخراط الجاد في التجاوب مع هموم الناس وما يشغلهم في بلادنا وفي هذه البلاد ،وذلك بنشر القيم الصوفية في صفوفهم ووضع حد لمعاناتهم المختلفة .
ختاما إن كل هذه المحاور والأفكار التي وردت في كلمتي ،والتي مررت عليها مرور الكرام واختصرتها اختصارا ،هي التي سيتناولها السادة العلماء والأكاديميون ،والأساتذة المبجلون بالتحليل والمناقشة والبيان، أسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في مشاركاتهم ومجهوداتهم، كما أسأله عز وجل أن يبارك في عمر وأعمال راعي هذه الندوة العلمية الدولية مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، وأن يكلأه بعين عنايته، وأن يحفظ هذه البلاد وسائر بلاد المسلمين ،وأن يجازي عنا خيرا السيد والي جهة تادلا أزيلال والسادة عمال أقاليم أزيلال والفقيه بن صالح، وكل من ساهم من قريب أو بعيد من أجل تنظيم هذا الملتقى وإنجاحه، وأشكر عمادة كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بأكدال الرباط التابعة لجامعة محمد الخامس وشعبة القانون العام بها على تنسيقها وتعاونها مع الطريقة البصيرية، والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *