كلمة مولاي اسماعيل بصير في الملتقى الدولي الثالث للتصوف المنظم من قبل جمعية الطريقة الدرقاوية الفاضلية أيام 18-19يناير 2017
كلمة مولاي اسماعيل بصير في الملتقى الدولي الثالث للتصوف المنظم من قبل جمعية الطريقة الدرقاوية الفاضلية أيام 18-19يناير 2017
ألقاها بالنيابة الدكتور عبد المغيث بصير
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أما بعد، فيا أيها الإخوة الصالحون السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بداية يسعدني ويشرفني أصالة عن نفسي ونيابة عن مريدي الطريقة الدرقاوية البصيرية، أن أشارك جمعية الطريقة الدرقاوية الفاضلية بالعيون ملتقاها الدولي الثالث للتصوف، وأشكرهم الشكر الجزيل على دعوتهم الكريمة لي، وكنت عازما أشد العزم على الحضور، لولا بعض الإكراهات القاهرة، خاصة وأن الموضوع الهام الذي سيتدارسه الملتقى شدني إليه وأعجبني كثيرا ويكتسي الصبغة الراهنية.
نعم أيتها السيدات والسادة، تأتي أهمية هذا الموضوع، لأن تعاليم ديننا الإسلامي توجهنا إلى ثقافة المواطنة، التي يأتي على رأسها حب الوطن، وحب الوطن من الأمور الفطرية التي جبل عليها الإنسان، فليس غريبا أبدا أن يحب الإنسان وطنه الذي نشأ على أرضه وشب على ثراه وترعرع بين جنباته، كما أنه ليس غريبا أن يشعر الإنسان بالحنين الصادق لوطنه عندما يغادره إلى مكان آخر، فما ذلك إلا دليل على قوة الارتباط وصدق الانتماء.
ولعل خير دليل على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه وقف يخاطب مكة المكرمة مودعا لها، وهي وطنه الذي أخرج منه، جاء عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة :”ما أطيبك من بلد وأحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك”.
أيها الإخوة الكرام، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو معلم البشرية يحب وطنه لما قال هذا الكلام الذي لو أدرك كل إنسان مسلم معناه، لرأيت الوطنية تتجلى في أجمل صورها وأصدق معانيها، ولأصبح الوطن لفظا تحبه القلوب وتهواه الأفئدة وتتحرك لذكره المشاعر.
وإذا كان الإنسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها ونشأ على ترابها وعاش من خيراتها فإن لهذه البيئة، بما فيها من كائنات ومكونات، عليه حقوقا وواجبات كثيرة، منها أن تفرح لما يُفْرحها وتَغْضب لما يغضبها وتهتم لاهتماماتها وتدعوا لها بالفرج والتيسير والنصر والتأييد.
هذا شيء والشيء الثاني، أن هذا الملتقى المنظم من قبل طريقة صوفية تنشط بالصحراء المغربية يكتسي أهميته، من كونه يتدارس موضوع : “المنهج الصوفي وبناء ثقافة المواطنة”، وهذا في نظري أمر هام جدا، خاصة في أيامنا هذه، حيث كثر التحريض على معاداة الوطن، وتخوين كل من يعبر عن وطنيته بصدق، وأصبحنا نعيش في مجتمع مواقفه من الوطنية متضاربة، ومجتمع يستحي من التعبير عن وطنيته، فالوطني الصادق لايستحي من التعبير عن وطنيته وإعلانها أمام الملأ، فلو صدقت وطنيتنا وكنا على قلب رجل واحد، لانتصرنا منذ وقت طويل، وانتهت مشاكلنا وجمع الله شملنا بأحبتنا، يقول عز وجل:” تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى”
وتأتي أهمية تدارس هذا الموضوع في الوقت الراهن، لأنه سيعمل على توعية وتحسيس الساكنة الصحراوية بأهمية التحقق بثقافة المواطنة الحقة، ولعلكم جميعا تتذكرون خطاب جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره بمناسبة الذكرى الرابعة والثلاثين لذكرى المسيرة الخضراء عندما قال: “وبروح المسؤولية، نؤكد أنه لم يعد هناك مجال للغموض أو الخداع، فإما أن يكون المواطن مغربيا، أو غير مغربي. وقد انتهى وقت ازدواجية المواقف، والتملص من الواجب، ودقت ساعة الوضوح وتحمل الأمانة، فإما أن يكون الشخص وطنيا أو خائنا، إذ لا توجد منزلة وسطى بين الوطنية والخيانة، ولا مجال للتمتع بحقوق المواطنة، والتنكر لها، بالتآمر مع أعداء الوطن”.
أقول لإخواني شيوخ الطرق الصوفية ومريديها وأحبابها الأعزاء الحاضرين لفعاليات هذا الملتقى الدولي: إنه أصبح لزاما علينا جميعا في أيامنا هذه، استنهاض همم بعضنا البعض، وبث روح المواطنة الصادقة في النفوس، لكي نستطيع مواجهة التحديات الكبيرة، وخاصة في هذا المنعطف التاريخي الهام الذي تعيشه بلادنا، والذي ستقبل عليه بحول الله، فإذا طرحنا هذا السؤال: هل تحب وطنك؟ فما منا من أحد إلا وسيجيب: نعم أحب بلادي ووطني، وأنا مستعد للتضحية من أجلها، ولكن إذا طرحنا سؤالا آخر: مادمت تحب وطنك، فماذا قدمت له؟ فماذا سيكون جوابك إذن؟
إن كل واحد منا كمواطن صالح يستطيع أن يقدم الكثير، والوطن أيها الإخوة والأخوات ينتظر منا الكثير، لأنه أعطانا الكثير، ونحن جميعا شركاء في المسؤولية نحوه، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قال صلى الله عليه وسلم.
فما أحوج بلادنا في المرحلة الراهنة للمواطنين الصالحين الذين ينهضون بها أحسن نهضة، فبأعمالنا الجادة وسلوكنا المنظم والملتزم، والمحافظة على المال العام والنظام العام، وحفظ الوقت والتعاون والتآزر فيما بيننا، وحمل هم الوطن واحتياجاته، والمساهمة في الإنتاج كل على قدر طاقته، والحضور الإيجابي الفعال، بهذا كله نعبر عن وطنيتنا الصادقة ويزدهر المجتمع ويعمر الوطن بالخير، وكل من سار على الدرب وصل.
ختاما، لقد أسهم سلفنا الصالح في بناء هذا الوطن بجهودهم الصادقة وغيرتهم النابعة من القلب، وواجبنا اليوم هو بناء الأجيال القادمة بناء نعول عليه في استكمال ومواصلة المسيرة التنموية لهذا البلد المعطاء، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
هذا واعلموا أن العمل الذي نؤديه لفائدة وطننا في هذه الدنيا هو خير مانذهب به إلى الدار الآخرة، وقبل أن أختم أجدد شكري لإخواني المنظمين وأسأل الله لهم التوفيق والنجاح والتألق في ملتقاهم هذا والحمد لله رب العالمين.