كلمة مولاي إسماعيل بصير، رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام في الذكرى الثالثة والخمسين لانتفاضة المناضل سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون

كلمة مولاي إسماعيل بصير، رئيس مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام في الذكرى الثالثة والخمسين لانتفاضة المناضل سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.

السيد والي صاحب الجلالة على جهة بني ملال خنيفرة المحترم.

السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال المحترم.

السيد رئيس الجهة المحترم.

السادة رؤساء المصالح الخارجية المرافقين للسيد الوالي وللسيد العامل كل باسمه وصفته ورتبته.

السادة القادمون من الأقاليم الصحراوية الجنوبية الغالية.

السادة رؤساء وأعضاء المجالس العلمية المحترمون

السادة العلماء وشيوخ الطرق الصوفية والدكاترة والأكاديميون والأساتذة المشاركون في أعمال هذه الندوة العلمية من داخل المغرب وخارجه

السيد رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان المحترم

السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية والسادة الأساتذة المحترمون

السادة البرلمانيون والمنتخبون.

السادة مقدمو ومريدو وأحباب فروع الطريقة البصيرية.

السادة أعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بإقليمي أزيلال والعيون.

السادة أطر وأعوان مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق.

السادة رجال الإعلام والصحافة.

أيتها السيدات أيها السادة الحاضرون الكرام.

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

بداية، يشرفني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن أهل البصير ومريدي الطريقة البصيرية ومقدميها وأساتذة مدراس الشيخ سيدي إبراهيم البصير الخاصة للتعليم العتيق وطلبتها، وأعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بكل فروعها، أن أرحب بجمعكم المبارك في هذه الزاوية العامرة بالله، وأرحب بكل من أتانا ليشاركنا أعمال هذه الندوة العلمية الدولية التي ننظمها تحت الرعاية السامية لمولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، والتي تخلد للذكرى الثالثة والخمسين لانتفاضة سيدي محمد بصير الشهيرة بمدينة العيون.

  واسمحوا لي باسمكم جميعا أن أرحب بشكل خاص بالسادة العلماء والأساتذة المبجلين والأكاديميين الذين استجابوا لدعوتنا ووافقوا مشكورين على المشاركة في أعمال هذه الندوة عن قرب وعن بعد، وأخص بالذكر ضيوفنا من دول السنغال،تونس، مصر، جزر القمر ، باكستان، بريطانيا، سوريا، الولايات المتحدة الأمريكية،إيطاليا، بلجيكا، جنوب إفريقيا، النيجر، فلسطين، العراق، وتركيا  جزاهم الله عنا كل خير آمين، وإن نسيت لا أنسى أن أقول مرحبا، وألف مرحبا لاحد لها ولا حصر، لإخواننا وأبناء عمومتنا من أهل الصحراء المغربية، الذين وصلوا رحمهم وأبناء عمومتهم في قلب جبال الأطلس المتوسط قلب المغرب، وصلهم الله بكل خير.

أيتها السيدات، أيها السادة الحاضرون الكرام،

 نجتمع بكم اليوم لتخليد ذكرى انتفاضة المجاهد المغربي سيدي محمد بصير، زعيم انتفاضة العيون يوم 17 يونيه 1970م ضد الاستعمار الإسباني، وهي نفسها ذكرى اختفائه القسري.

تأتي هذه الذكرى اليوم وقد اعترفت بفضل الله ومنته، وبفضل السياسة الحكيمة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، العديد من كبريات الدول من شمال العالم وجنوبه وشرقه وغربه بمغربية الصحراء، هذه الدول العظيمة التي لم تلبس الحق بالباطل ولم تكتم الحق وهي تعلم.

أيتها السيدات أيها السادة، إنه كلما حلت هذه الذكرى كلما أيقظت في قلوب آل البصير آلام فراق واحد من أبطالها وأبطال الوطن طوال هذه المدة، وكأنه اختفى بالأمس القريب، ونتأسف كون الدولة الإسبانية ولحد الساعة لم تعترف بمسؤوليتها عن الاختفاء القسري، رغم أننا نطالبها بالحل الودي دون تبعات أخرى، ونتأسفمرة أخرى كون شرذمةالبوليزاريو لازالت تستغل اسم المناضل محمد بصير أبشع استغلالدون وجه حق لمدة خمسين عاما، وذلك لأن إعلان دويلتهم المزعومة كان بعد اختفائه بثلاث سنوات، فسهل عليهم أن يلصقوا به ما أرادوا من تلفيق وتزوير، فلولا هذه الرعاية السامية المتواصلة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره لذكرى المجاهد سيدي محمد بصير ولقضيته لما جبر الضرر المعنوي الذي نشعر به جراء كل ذلك.

أيتها السيدات أيها السادة،وإن كان أعضاء فرع مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام بمدينة العيون نظموا-مشكورين- أنشطة إشعاعية مهمة احتفاء بالذكرى في يومها، وذلك بتنظيم مائدة مستديرة حول الفقيد، وبرمجة لقاء خاص حوله مع قناة العيون الجهوية، فإننا نجتمع بكم اليوم في الملتقى الفكري الكبير الذي عودتكم المؤسسة تنظيمه كل عام لمناقشة موضوع راهني مهم نافع، يهم الفرد والمجتمع والوطن والأمة جمعاء، ويثير إشكاليات عديدة، لتكون محورا للنقاش بين السادة العلماء والشيوخ والأكاديميين المشاركين.

وبذلكم ارتأينا أن ننظمها هذه السنة تحت شعار: ” التشريع الرباني وقضايا المرأة في ضوء التحديات المعاصرة “. وذلك لأننا في العام الماضي طرقنا موضوع: “أهل التصوف والإشكاليات المعاصرة للطفولة والشباب “، وبقي إذن أن نتمم الكلام بمناقشة موضوع المرأة باعتبارها أساس الأسرة ولبنتها الأولى، وأقوى وأهم حصن يقي المجتمع عادية أي سوء قد يطوف بها أو يتسرب إليها، خاصة أنها المصدر الأول لتربية الأطفال.

 وتأكد عندنا المضي قدما في هذا الموضوع، لما وجدنا مولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادسخص المرأة المغربية بالحيز الكبير من خطاب العرش للعام الماضي، وأمر جلالتهبضرورة النهوض بوضعية المرأة والأسرة، وشدد علىمشاركتها الكاملة في كل المجالات، وفسح آفاق الارتقاء أمامها، وإعطائها المكانة التي تستحقها، وكامل حقوقها القانونية والشرعية، وشدد جلالته على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات مدونة الأسرة، وتجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنودالتي تم الانحراف بها عن أهدافها في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية،كما قال جلالة الملك حفظه الله.

وزاد من أهمية التذاكر حول هذا الموضوع، لما رأينا اللغط كثر في هذه الأيام من قبل فئة قليلة في المجتمع، تتضمن بعض الكتاب والباحثين من الحقوقيين والمؤثرين المغرضين وغيرهم، الذين يسعون بكل ما أوتوا لإلزام الفئة العظمى من المجتمع بوجهة نظرهم في مسائل بعينها لتقنينها في المدونة الجديدة، باسم الانتصار للمرأة والدفاع عنها بانتقاد أحكام التشريع الرباني، والترويج بأنه بخس حقوق المرأة ولم ينصفها فيما قرر لها من حقوق وألزمها به من واجبات، ويؤازرهم في ذلك أعداء الدينالذين يراهنون على موضوع المرأة لفرض التربية المطلوبة، وإحلالها محل التربية الإسلامية بقصد بلوغ أهدافهم المسمومة المرسومة في مختلف المجتمعات الإسلامية، وكأن هؤلاء سيكونون ألطف وأرحم وأعطف على المرأة من خالقها أرحم الراحمين، وصدق الله العظيم إذ يقول: “يا أيها الذين أمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”.

أقول لهؤلاء في البداءة: بأن المملكة المغربية الشريفة بلد مسلم، وأن دين الإسلام هو دين الدولة الرسمي بحكم الدستور، وأن مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله قال في خطاباته المؤطرة لتعديل مدونة الأسرة سنة 2004م وسنة 2022م:” بصفتي أميرا للمؤمنين لا أحل حراما ولا أحرم حلالا”، وفي هذه الجملة المختصرة ما فيها من حمولة مرجعية، فبدل أن يقوم هؤلاء باتهام التشريع الرباني بالتعسف والظلم في حق المرأة، كان عليهم اتهام أنفسهم بالجهل وسوء الإدراك.

وهكذا أيتها السيدات والسادة،لا أظن أحدا من العقلاء يستطيع إنكار التحديات الكبرى التي أصبح يطرحها هذا الموضوع في مجتمعنا بل في العالم كله، بدءا من الاختلالات التي يعرفها موضوع تربية النشء،والذي تشرف عليه المرأة في المقام الأول، حيث غدت العديد من النساء تتبرم منه في أيام الناس هذه، ومؤسسة الزواج ذات القدسية التي أصبح يتقلص شأنها بين الشباب، حيث أصبحت رابطة الصداقة بين الذكر والأنثى هي البديل في الجيل الجديد، وهو ما أصبح يصطلح عليه بالعلاقات الرضائية التي يطالب البعض برفع التجريم عنها،بل إن العلاقة بين الذكر والذكر والأنثى بالأنثى هي التي أصبحت بديلا، وهي التي أصبح يروج لها للأسف الشديد.

كل هذا وغيره كثير جعل المجتمع يتحول إلى ساحة للقطاء وأطفال الملاجئ والخيريات الذين ارتفعت نسبتهم، كما ارتفعتنسبة العنوسة، وتزايدعدد حالات الطلاق، حيث وصلت إحصائياتها إلى حوالي ثمانمائة حالة طلاق كل يوم في مجتمعنا، وانتشر الزواج السري أو ما يعرف بزواج الفاتحة، وظهر ما يعرف بظاهرة الأمهات العازبات، مما كان سببا في ضياع الكثير من حقوق النساء، أضف إلى ذلك بروز  الجرائم الجنسية الكثيرة كالعنف والخطف والاغتصابات والأمراض بل والعاهات والانتحارات وغيرها من المآسي المرعبة التي أصبحنا نسمع عنها في هذا الجانب، والتي اجتاحت مجتمعنا،وستؤدي حتما إلى انهيار ودمار وتفكك الأسرة، وبالتالي إلى كل أشكالالفساد الاجتماعي.

لكل هذه الأسباب أصبح واجبا على الجميع وكل من لديه غيرة على التشريع الرباني، وبخاصة أهل العلم ومن في حكمهم تناول قضايا المرأة بالإيضاح والبيان والمناقشة المنطقية المبنية على الإقناع بالأدلة والبراهين، حتى تزول كل الإشكالات التي يطرحها الموضوع، بدأ من مسألة المساواة بين الذكر والأنثى التي ركز عليها المتهافتون والمنتقدون للتشريع الرباني، كونه ظلم المرأة وفضل عليها الذكر في مسائل عدة، كالقوامة التي يطالبون أن تصبح بيد المرأة أيضا، والميراث الذي يطالبون فيه بالتساوي في كل شيء وإلغاء نظام التعصيب، والصلاحيات التي أعطيت للرجل عند نشوز زوجه ولم تعط للمرأة، واتهام الشارع الحكيم بالتحيز إلى الرجل في علاقة ما بينه وبين المرأة في ظل الحياة الزوجية حيث وضع شرعة الطلاق بيده، وأن التشريع الرباني كبل المرأة بأثقال الحجاب، وأنه قلل من شأنها في العديد من النصوص، وأنه أعطى الرجل حق التعدد ولم يعطه للمرأة، وأنه لم يساوي بينهما في الشهادة وغيرها. مما ينم عن جهل واضح فاضح بأحكام التشريع الرباني وتفصيلاته.

وهكذا أصبح لزاما أن ننتبه، وأن نستفيق ونعمل بجدلتساير أحكام الأسرة هذا التطور الحاصل في المجتمع لمجابهة مختلف المخاطر المحدقة، بدءا بسن الإلزام في مسألة تعليم وتكوين البنات، وتكوين المقبلين على الزواج بشكل عام في مجال الإرشاد الأسري وإصلاح ذات البين، ومأسسة الوساطة الأسرية، وفرض اللجوء إليهاقبل البت في حالات الطلاق، والإكثار من حصص التوعية والتحسيس في كل هذه الجوانب وغيرها من الجوانب ذات الصلة.

وقبل أن أختم، لابد أن أنوه بالعناية الشاملة والموصولة لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس – نصره الله وأيده –  بكل القضايا المتعلقة بالمرأة،  إيمانا من جلالته بأن العناية بالمرأة جزء لا يتجزأ من التنمية الشاملة لبناء مجتمع ديمقراطي حديث، وأنها تعتبر أقوى وأهم حصن يقي المجتمع من أي سوء قد يتسرب إليه، ابتداء من إشراف جلالته الفعلي على  إصلاح مدونة الأحوال الشخصية، التي كرست الاستثناء المغربي، حيث جمعت بين تعاليم التشريع الرباني وحقوق الإنسان، وحققت للمرأة المغربية مكتسبات مهمة ارتقت بصورتها ومكانتها إقليميا ودوليا، مرورا بإشراكها في مشروع إعادة هيكلة الحقل الديني بالمغرب، وما كان له من مكاسب عديدة للمجتمع والوطن، علاوة على العمل على تعزيز الحقوق والخدمات الاجتماعية والاقتصادية للمرأة، من خلال إنشاء وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، وما تلاه من استفادة المرأة من قانون الحماية الاجتماعية، كل ذلك وغيره كثير عمل على تقوية مؤسسة الأسرة وتماسكها، وبوأ مولانا أمير المؤمنين بحق تصدر كل المبادرات الداعمة لحقوق النساء بالمغرب.

 حسبي في هذه الكلمة الافتتاحية لأعمال هذه الندوة العلمية الدولية أنني أشرت لأغلبية قضايا المرأة والتحديات المتصلة بها ذات الصبغة الراهنية، وأملي كبير في السادة العلماء والأكاديميين المشاركين أن يتناولوها بما تستحق من المناقشة والتحليل والبيان ليظهر إذن أن التشريع الرباني كان ولايزال هو الحفي بالمرأة، الراعي لحقها، الحارس لكرامتها، المحافظ على أنوثتها.

ختاما أيتها السيدات أيها السادة نغتنم فرصة احتفال المغاربة بذكرى عيد العرش المجيد لهذه السنة لنرفع إلى مقام مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس أخلص عبارات الطاعة والولاء وأصدق مشاعر المحبة والإخلاص والوفاء متمنين لجلالته دوام الحفظ والنصر والتأييد،

ولا أنسى أن أتقدم بالشكر الجزيل المقرون بالاعتراف بالجميل للسيد والي ولاية بني ملال خنيفرة، وعامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال على تنسيقهما ومتابعتهما لأمر هذا اللقاء وحرصهما على نجاحه، وعلى دعمهما الدائم لأنشطة المؤسسة، وأسأل الله لهما التوفيق والسداد والعون،وأن يجعلهما عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله،وأشكر أعضاء المجلس الأكاديمي للمؤسسة وأعضاء فرع المؤسسة بالعيون بشكل خاص على ما يقومون به من أنشطة مختلفة لتنشيط الحياة العلمية والثقافية والعمل لأجل نفع الساكنة بمدينة العيون، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *