كلمة الشيخ مولاي إسماعيل بصير في الندوة الوطنية بمدينة العيون في موضوع: “إسهامات الرباطات والزوايا الصحراوية في تعزيز الوحدة المغربية”
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
السيد والي صاحب الجلالة على جهة العيون الساقية الحمراء وعامل عمالة العيون المحترم.
السادة رجال السلطة المحلية ورؤساء المصالح الخارجية
السادة شيوخ القبائل الصحراوية وأعيانها المحترمين
السادة شيوخ الطرق الصوفية ومريدوها المحترمين
السادة الباحثون والمهتمون
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أما بعد، فإنه من دواعي السرور والحبور أن تنظم مؤسسة المقاوم المغربي سيدي محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، التابعة للطريقة البصيرية بزاوية الشيخ سيدي إبراهيم البصير ببني اعياط إقليم أزيلال، ندوة علمية وطنية حول موضوع:”إسهامات الرباطات والزوايا الصحراوية في تعزيز الوحدة المغربية“.وأمسية دينية على هامش الندوة في هذه المدينة الغراء.
بداية أقول: إن هذه الندوة نسق لتنظيمها مجموعة من الفضلاء من الدكاترة والأساتذة والباحثين أعضاء المجلس الأكاديمي المنتمين لمختلف القبائل الصحراوية، والذين انضموا قبل سنة تقريبا للعمل مع مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، وهذا بالنسبة لنا فخر وأي فخر أن يعمل إلى جنبنا أبناء عمومتنا الأفاضل الكرام، فإلى هؤلاء أقول إن المؤسسة منكم وإليكم، وماهي إلا بضاعتكم ردت إليكم، فالمجاهد محمد بصير بدأ عمله العلمي والجهادي والسياسي في هذه الربوع الطيبة من وطننا الحبيب، وهاهي مؤسسته تعود إلى حيث بدأ منذ أول وهلة، لتستكمل عملها التأطيري النافع مع الشباب الباحثين والدارسين وعموم إخواننا وأبناء عمومتنا في الصحراء المغربية. وبابها سيبقى مفتوحا أمام كل باحث يأنس من نفسه القدرة على تقديم النفع للمجتمع الصحراوي ووطننا المغرب برمته.
وأصدقكم القول: إنه ماكان لهذه المؤسسة أن ترى النور وتؤدي دورها على أكمل وجه لولا عناية مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره لقضية الكشف عن مصير الاختفاء القسري الذي تعرض له المناضل محمد بصير منذ سنة 1970م عندما رفع راية المقاومة أمام المستعمر الإسباني، وسعى إلى استكمال وحدة المغرب الترابية.
وما ذلكم ببدع على جلالة الملك نصره الله، الذي شهدت بلادنا في عهده تحولات مباركة لم تعد خافية على العيان وأصبح يدركها الخاص والعام، في كثير من مجالات حقوق الإنسان، وحقوق التعبير، والحريات… وغيرها كثير من الأمور التي عززت الديموقراطية في بلادنا.
أيتها السيدات أيها السادة،
إن تنظيم هذه الندوة حول هذا الموضوع المهم، ترمي من خلاله المؤسسة إيضاح الدور والعمل الكبير الذي قامت به الرباطات والزوايا الصوفية في بناء تاريخ المغرب ككل، حيث إنها لم تكن تفصل جنوبا عن شمال، عملت في الجنوب كما عملت في الشمال منذ أن ابتدأ عملها في تاريخ متقدم بعيد يرجع إلى قرون، قبل أن يظهر لدعاة الانفصال وجود، ولأطروحتهم الانفصالية المزعومة التي فتنوا بها المسلمين والمسلمات في هذه البلاد قبل ستة وأربعين عاما فقط.
وهذا الأمر لايقتصر على الزوايا الصوفية فقط، بل إنه يعم غالبية القبائل الصحراوية في جنوب مغربنا، والتي بفضل الله يوجد لها وجود وذكر طيب جميل في شمال المغرب، فكما تجد الركيبي والعروسي والتكني والسباعي والأزركي والآيتوسي والمعيني والدليمي وغيرهم في جنوب المغرب، تجدهم بفضل الله وكرمه في الشمال. بل حتى إخواننا الذين ناصبونا العداء ويريدون كسر بيضة وحدتنا لا يستطيعون إنكار أن غالبية آباء وأجداد قياداتهم وزعمائهم دفنوا في تراب الشمال المغربي، وكفى في هذا إرغاما لمن جحد اتصال ووحدة الشمال بالجنوب.
فهذا الوطن وطن واحد، فهو كان ولايزال تحت السيادة المغربية، بل إن المتفحص للتاريخ من القديم إلى الآن، لايجد على الإطلاق في كتب التاريخ العربية والإسلامية أو الأجنبية ما يسمى بـ” الجمهورية الصحراوية” أو “الشعب الصحراوي” لا تاريخيا، ولا سياسيا، فمن أين جاء هؤلاء بحقهم في تقرير المصير الذي يطالبون به ويحومون حوله ولم يحيدوا عنه عنادا واستكبارا؟. أضف إلى ذلك أن وحدة الأسرة الإنسانية والقضاء على عوامل التشرذم والتفرق فيها، من أهم الأهداف التي جاء الإسلام لتحقيقها على صعيد الحياة الدنيوية، والقرآن الكريم مليء بالآيات التي تنهى عن التفرق والشقاق، وتوصي بالوحدة والاتفاق والائتلاف، وتهيب بكل الناس أن لا يكونوا كالجماعات والأقوام الذين خلوا من قبلهم، إذ أعرضوا عن السبيل العريض الذي يوحدهم ويجمع شملهم، واستعاضوا عنها بسبل متعرجة شتى، تفرقوا في متاهاتها، حيث أسلمتهم بدورها إلى أودية الضياع، قال تعالى:”واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”، وقال:”ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ماجاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم”.
أيتها السيدات أيها السادة،
إن آباءنا وأجدادنا قرروا مصيرهم منذ زمن بعيد، فقد كانوا ولازالوا تحت السيادة المغربية، والصحراء ساهمت كغيرها من المناطق المغربية في صنع تاريخ هذا البلد المجيد، والشواهد والأدلة على توجههم الوحدوي هي حقائق لايمكن لأحد أن يقفز عليها.
إذن، فقد آن الأوان فداء لوحدة هذه الأمة وجمع شملها، أن نسعى سعينا وجهد استطاعتنا على سد الثغرات المصطنعة بيننا، وأن نمد المزيد من جسور التآلف والتضامن والتعاون فيما بيننا، وأن نكف عن بعث المزيد من أسباب الشقاق وإيقاظ عوامل الفتنة لأتفه الأسباب.
وهذه الندوة لبنة في هذا المسار، تسعى إلى التذكير بالتاريخ المشترك لأهل المغرب شمالا وجنوبا، وكيف ساهم الجميع في بناء وحدة هذا الوطن، لاسيما أهل الرباطات والزوايا الذين ظلوا أوفياء لهذا البلد، وضحوا بالغالي والنفيس في سبيل لم شمل أسرة الوطن والدفاع عن حياضه حتى ينعم أهله بالأمن والسكينة والاستقرار، عن طريق أدوارهم الطلائعية في تثبيت الأمن الروحي الذي يكاد يوازي الأدوار المتألقة للأمن الاجتماعي، هذا علما أن الأمن الروحي والأمن الاجتماعي لا يتم دور أحدهما إلا بالآخر.
وقبل أن أختم أتقدم بالشكر الجزيل والثناء الحسن للسيد والي صاحب الجلالة على جهة العيون الساقية الحمراء على مؤازرته ودعمه وحضوره الفعلي وحفاوة استقباله، سائلا المولى عز وجل أن يجعله عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين، كما أشكر الحضور الكرام من أبناء عمومتنا الصحراويين دون استثناء والأساتذة الباحثين والمهتمين على حضورهم متمنيا لأشغال هذه اللقاءات الثقافية النجاح، وللمواطنين في هذه الربوع جمع الشمل والفلاح والحمد لله رب العالمي