كلمة الشيخ مولاي إسماعيل الترحيبية والتقديمية للندوة العلمية الدولية للاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970
كلمة الشيخ مولاي إسماعيل الترحيبية والتقديمية للندوة العلمية الدولية للاحتفال بالذكرى التاسعة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970م، تحت شعار: “مرور قرنين على وفاة الشيخ مولاي العربي الدرقاوي” يومي 13 ـ 14 شوال 1440هـ الموافق ل 17 ـ 18 يونيو 2019م بمق الزاوية البصيرية ببني عياط إقليم أزيلال ومدينتي أزيلال والفقيه بن صالح
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل أن يحمده حامد، وصلى الله على قمة الاصطفاء ومسك الختام سيدنا محمد، سيد الأنام الملهم لجميع المحامد، وأثني بالسلام عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين وآل كل وصحب كل وسلم تسليما كثيرا عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
السيد والي صاحب الجلالة على جهة بني ملال خنيفرة وعامل إقليم بني ملال المحترم
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلالالمحترم
السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم الفقيه بن صالحالمحترم
السادة رؤساء المصالح الخارجية المرافقين للسيد الوالي وللسيدين العاملين كل باسمه وصفته ورتبته
السيد رئيس جهة بني ملال خنيفرة المحترم
السيد والي أمن جهة بني ملال خنيفرة المحترم
السيد القائد الجهوي للدرك الملكي
السيد الكاتب العام لعمالة إقليم أزيلالالمحترم
السادة شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية وكل من لبى دعوتنا من سكان أقاليمنا الجنوبية الغالية
السادة رؤساء وأعضاء المجالس العلمية المحترمون
السادة العلماء وشيوخ الطرق الصوفية والدكاترة والأكاديميون والأساتذة المشاركون في أعمال هذه الندوة العلمية من داخل المغرب وخارجه
السادة البرلمانيون والمنتخبون
السادة مقدمو ومريدووأحباب فروعالطريقة البصيرية داخل المغرب وخارجه
السادة أعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام
السادة أطر وأعوان مدارس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق
السادة رجال الإعلام والصحافة
أيتها السيدات أيها السادة الحضور الكرام
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
بداية، يشرفني ويسعدني أصالة عن نفسي ونيابة عن أهل البصير ومريدي الطريقة البصيرية ومقدميها وأساتذة مجموعة مدراس الشيخ سيدي إبراهيم البصير للتعليم العتيق وطلبتها، وأعضاء مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام، أن أرحب بجمعكم المبارك في هذه الزاوية العامرة بالله، وأرحب بكل من أتانا ليشاركنا أعمال هذه الندوة العلمية الدولية التي ننظمها تحت الرعاية السامية لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ونصره، والتي تخلد للذكرى التاسعة والأربعين لانتفاضة سيدي محمد بصير الشهيرة بمدينة العيون، واسمحوا لي باسمكم جميعا أن أرحب بشكل خاص بالسادة العلماء والأساتذة المبجلين الذين استجابوا لدعوتنا مشكورين، وقدموا إلينا من دولة الجزائر، تونس، موريتانيا، مصر، بوركينافاسو، السنغال، ساحل العاج، مالي، السودان، جنوب إفريقيا، كينيا، نيجريا،لبنان،سوريا، الأردن، فلسطين، العراق، تركيا، بريطانيا، الولايات المتحدة الأمريكية،سويسرا، فرنسا، إسبانيا، وباكستان،جزاهم الله عنا كل خير آمين، وإن نسيت لا أنسى أن أقول مرحبا، وألف مرحبا لاحد لها ولا حصر، لإخواننا وأبناء عمومتنا من أهل الصحراء المغربية، الذين وصلوا رحمهم وأبناء عمومتهم في قلب جبال الأطلس المتوسط قلب المغرب، وصلهم الله بكل خير.
أيتها السيدات، أيها السادة الحضور الكرام،
أقول بداية، إننا نجتمع اليوم لتخليد ذكرى انتفاضة المجاهد العظيم سيدي محمد بصير ضد الاستعمار الإسباني عام 1970 بمدينة العيون المغربية، وهي نفسها ذكرى الاختفاء القسري الذي تعرض له منذ أكثر من تسعة وأربعين عاما، حركته وانتفاضته التي قلبت الموازين في الصحراء المغربية، حيث ومنذ ذلك اليوم بدأ المستعمر الإسباني يشعر بأنه غير مرغوب فيه من قبل ساكنة الصحراء، وبدأ يفكر في الرحيل بعدما كان ينوي أن يجعلها مقاطعة تابعة له جنوب المغرب، تماما كما فعل في شماله باحتلال مدينتي سبتة ومليلية السليبتين، -عجل الله بردهما إلى حضيرة الوطن-
وفي ما يخص جديد قضية الاختفاء القسري الذي تعرض له هذا المقاوم والمناضل الفذ سيدي محمد بصيرأقول: إننا نتابع هذا الملف بجدية بالغة مع جناب المحامي “فرنسوا دولوش” الذي يحضر معنا في هذه الندوة، وخلال هذه السنة اشتغلنا بمعيته في تجميع ملف الدفاع وخصوصا الوثائق والشهادات، وقريبا بحول الله تعالى سيكون له اللقاء الأول مع الإسبانيين، ونحييه بالمناسبة ونشكره على جهوده وجديته المتفانية في معالجة ومتابعة هذا الملف للدفاع عن قضية المجاهد محمد بصير المعقدة العادلة، وكل مايتصل بها من ملفات وقضايا شائكة، ونتمنى له كامل التوفيق والنجاح وتحقيق أجمل النتائج في أقرب الآجال.
ولا أخفيكم أن الذي يشجعنا ويقوينا للمضي قدما إلى آخر نفس في هذا الملف، هو هذه الرعاية السامية والعناية المتواصلة لصاحب الجلالة الملك المفدى محمد السادس نصره الله، لذكرى الفقيد محمد بصير ولقضيته، وبهذه المناسبة نشكر صاحب الجلالة الملك محمد السادس الشكر الجزيل المقرون بالاعتراف بالجميل، سائلين المولى عز وجل أن يسدد خطاه في كل محفل ومقام. وأن يعجل الله على يديه حل مشكلة الصحراء المفتعلة، وجمع شملنا بإخواننا وأبناء عمومتنا بتندوف.
هذا شيء، والشيء الثاني الذي أحب التذكير به بالمناسبة هو أن المجاهد المفقود محمد بصير، هو ابن هذه الزاوية البصيرية، بها ولد وفيها نشأ وترعرع، وهو الذي قاد الانتفاضة عام 1970م بالعيون ضد الاستعمار الإسباني، ولم يكن يوما ما انفصاليا أو زعيما روحيا للانفصال كما يدعي زورا وبهتانا وبدون دليل يذكر، إخواننا وأبناء عمومتنا في الضفة الأخرى بتندوف، الذينلازالوا يروجون اليوم أطروحة الانفصال باسمه
فإلى هؤلاء نقول لهم وسنظل نقول لهم: انتهوا عن ضلالكم وعودوا إلى رشدكم، فالزاوية البصيرية التي شاء لها الله تعالى أن تؤسس من قبل مؤسسها الشيخ سيدي إبراهيم البصير الصحراوي الرقيبي في قلب جبال الأطلس الشامخة، فيها أكبر إشارة وأعظم دلالة على أن هذا الوطن وطن واحد، فهو كان ولايزال تحت السيادة المغربية،ونستغرب اليوم وفي أيامنا هذه أن تظلوا تطالبون باسم الصحراويين المغاربة بالحق في تقرير المصير للانفصال عن هذا الوطن،فمن أين جئتم بهذا الحق وما أجدركم أن تطالبوا بالعكس؟ ومن وكلكم للمطالبة بذلك؟،إن آباءنا وأجدادنا قرروا مصيرهم منذ زمن بعيد غابر في التاريخ، فقد كانوا ولازالوا تحت السيادة المغربية، والصحراء ساهمت كغيرها من المناطق المغربية في صنع تاريخ هذا البلد المجيد.
لقد قطعنا أشواطا ليست بالسهلة في درب الوحدة، ولن نسمح لأحد كيفما كان نوعه وجنسه، أن يوقظ أسباب الشقاق والانفصال وعوامل الفتنة بين شمال المملكة وجنوبها، فقد آن الأوان أن يسعى كل مواطن سعيه وجهد استطاعته على سد الثغرات المصطنعة بيننا وبين إخواننا في الضفة الأخرى، وأن نمد المزيد من جسور التآلف والتضامن والتعاون فيما بيننا نحو المستقبل.
أيتها السيدات أيها السادة الأفاضل، وتخليدا للذكرى التاسعة والأربعين لانتفاضة المجاهد سيدي محمد بصير التاريخية بالعيون عام 1970م، فإن مؤسسة محمد بصير للأبحاث والدراسات والإعلام الذراع الأكاديمي للزاوية البصيرية ببني اعياط إقليم أزيلال، ارتأت تنظيمها بشعار:” مرور قرنين على وفاة الشيخ مولاي العربي الدرقاوي”، وذلك لأن الزاوية التي أسسها الشيخ سيدي إبراهيم البصير والد المجاهد محمد بصير رحمهما الله ذات مشرب صوفي يمتح من الطريقة الدرقاوية، وهي الزاوية التي ترعرع فيها ودرس بها صاحب الذكرى تعليمه الأولي إلى أن حفظ القرآن الكريم، وبقيت علاقته وصلته قوية بالزاوية وبخلفاء والده كالشيخ سيدي عبد الله بصير والشيخ محمد الحبيب بصير والشيخ سيدي محمد المصطفى بصير رحمهم الله تعالى، كما يظهر ذلك جليا في العديد من رسائلهالخطية التي نحتفظ بها بأرشيف الزاوية.
وبذلكم فإن هدفنا الأول من تنظيم هذه الندوة بهذا الشعار، هو إعادة الاعتبار للطريقة الدرقاوية ولشيخها مولاي العربي على الأدوار الطلائعية التي قاما بها في جميع المجالات، واعترافا ببعض الجميل على ما أسداه هذا الشيخ وطريقته للأمة المغربية والإسلامية عموما. وذلك من خلال تقديم وتقييم وتقويم جهود هذا الشيخ. وأيضا إبراز أن المجاهد الفقيد محمد بصير رجل صوفي درقاوي، علاوة على تبيينأن جميع الطرق الصوفية ذات المشرب الدرقاوي في جميع أنحاء العالم الإسلامي والغربي يعود سندها إلى هذا الطود الشامخ رحمات الله عليه.
وعلاقة بموضوع الندوة العلمية الدولية دعوني أتساءل:فمن يكون إذن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي؟ وماهي بداياته وأطوار حياته؟ وعلى يد من تتلمذ؟ وكيف صار علما على هذه الطريقة وامتدادا للشاذلية برمتها؟ وكيف كانت علاقته بأمراء المؤمنين في عصره؟ وغير ذلك
أقول في الجواب، هو الشيخ مولاي العربي بن أحمد الدرقاوي (ت 1239هـ- 1834م) من جملة أرباب هذا الفن الذين ولجوا مسلك التصوف السني العملي الأخلاقي، وأحد رجالات التصوف الشاذلي في القرن 13هـ/ 19م، الذين أسسوا طريقتهم على تلازم العلم والعمل، والجمع بين علم الظاهر وعلم الباطن (التخلق والتحقق)، وعلى تنقية التصوف مما علق به من أدران الزيغ والبدع، فضلا عن كونه يمثل أحد رموز اعتدال التصوف المغربي ووسطيته وتوازنه من خلال دفاعه عن مقولة: «من تفقه ولم يتصوف فقد تفسق، ومن تصوف ولم يتفقه فقد تزندق، ومن جمع بينهما فقد تحقق».
وهذا الشيخ هو أبو حامد، وقيل: أبو عبد الله العربي بن أحمد، الشهير بمولاي العربي الدرقاوي، و”الدرقاوي” لقب صار علما على هذا الشيخ، بعد جده السادس عشر الذي كان أول من حمل هذا اللقب، لأنه كان قد اتخذ درقة عظيمة يلبسها في الحرب فصارت لقبا له، يتصل نسبه بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وسيدتنا الطاهرة العفيفة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها بنت سيد الأولين والآخرين محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه. فهو بهذا شريف حسني.
كان مبتدأ أمر جده محمد بن يوسف أبي درقة بالجزائر، قبل أن يستصحبه السلطان يعقوب المنصور الموحدي معه إلى المغرب، وكان يستفتح به في الجهاد، وقبره شهير بتامسنا ببلاد الشاوية قرب وادي أم الربيع. وقد أنجب عدة أبناء تفرقوا في الأرض فكانت منهم قبائل في عدة مناطق، منها بني زروال التي بزغ فيها نجم شيخنا المحتفى به مولاي العربي الدرقاوي.
ولد الشيخ مولاي العربي الدرقاوي بقرية بني عبد الله مشيخة بومعان فخذةتبودة قبيلة بني زروال بمكان يسمى كدية العدس، وكانت ولادته سنة 1150هـ، وقيل سنة 1159هـ. نشأ في بيت من أشهر البيوت وأعرقها في الشرف والعلم والسيادة والنسب والحسب، وتربى في صيانة وعفاف وحياء ومروءة، وسار أيام الصبا أحسن سيرة، بين قراءة، وزيارة، وصلاة، ومسكنة، وقناعة، وعفة، لا يعرف إلا الأخيار ولا يتعلق قلبه ويغبط إلا أحوال المقربين الأبرار، حتى إنه لا يقدر على مقاربة الفواحش، وكان الذي تولى تربيته هو شقيقه الفقيه أبو الحسن علي بن أحمد.وكان ذلك في مسجد قرية بني عبد الله حيث تلقن مولاي العربي الدرقاوي أولى حروف الهجاء، كتابة وقراءة على يد شقيقه هذا، إلى أن حفظ القرآن الكريم بالروايات السبع في عمر مبكرة بسبب ما وهبه الله من قوة في ذكائه وملكة عقله، وتفوق في الحفظ والفهم.انتقل بعد ذلك إلى حاضرة فاس، إلى أن تخرج منها عالماً فاضلاً، وأصبح يقدم للمحاضرات والدروس والمناظرات العلمية.
بعد تبحره في علوم الظاهر، تلقى علوم التصوف وآدابه عن الشيخ العارف الكبير سيدي علي الجمل العمراني، وهو عمدته في الطريق، لقيه بمدينة فاس بزاويته بالرميلة سنة 1182هـ، فسلم له إرادته وأخذ عنه الطريقة،ثم صحبه وفني في محبته ولازمه متجردا بزاويته سنتين كاملتين، ففتح الله تعالى عليه الفتح الأكبر في مدة وجيزة، وبهذا تكون طريقته قد تشيدت بالعِلْمين الظاهر والباطن من سائر أطرافها، وقرنت بصفات الكمال شريعة وحقيقة من سائر أكنافها.وهو ما أهله لرئاسة الطريقة بعد وفاة شيخهالمذكور.
انتقل إلى قبيلته بني زروال بعد أن أذن له شيخه في تربية وإرشاد الخلق، فأسس زاويته الأولى ببوبريح بفرقة بومعان عام 1185هـ/ 1771م، ثم زاوية أخرى بالمكان المسمى حيط ليلا، وهما معا بجبال الزبيب بقبيلة بني زروال. فكانتا هما منطلق الطريقة الدرقاوية، ومنهما بدأ سعيه الحثيث لنشرها، فتخرج منهما شيوخ ورجال كثر، كان لهم الفضل الكبير في انتشار مبادئ الطريقة داخل المغرب وخارجه.
لما توفي العارف بالله الشيخ علي الجمل استقل بالمشيخة، وهذب طريقة شيخه، وانحاش الناس للأخذ عنه من أقصى المغرب، وما من قطر إلا وفيه أتباعه، وأكثرهم أهل العلم وحملة القرآن والذرية النبوية. فأصبحت الطريقة بفضله من أشهر الطرق المغربية وأكثرها انتشارا، حتى قيل إنه استطاع تجميع أكثر من أربعين ألف من الأتباع في ظرف وجيز، ولا شك أن ذلك يرجع إلى علمه الغزير، وإلى نقاء مشربه الصوفي الذي كان يمتح من الكتاب والسنة وآداب الطريق كما أرساها شيوخ وعلماء هذه الفن المتحققين وعلى رأسهم إمام الطائفة الجنيد البغدادي.
وبالمناسبة اسمحوا لي بالتوقف عند أمر مهم يعده العديد من الباحثين من الإشكاليات التي طافت بساحة الشيخ مولاي العربي الدرقاوي رحمة الله عليه، والأمر ليس كذلك،فالمتتبع لمصادر التاريخ المغربي وبخاصة كتب تاريخ التصوف ورجاله، يجد أن شيوخ الطريقة الدرقاوية رحمة الله عليهم كانوا من المتمسكين بالهوية الوطنية، كانت تربطهم بأمراء المؤمنين أقوى الروابط، حيث سعوا في خدمتهم وحثوا الناس على الولاء لهم ومحاربة الأجنبي الذي يبغي السيطرة على البلاد والعباد.
يقول الأستاذ إبراهيم حركات متحدتا عن الطريقة الدرقاوية: “ومن كبار شيوخهم العربي الدرقاوي، معاصر مولاي سليمان ومولاي عبد الرحمن، وله دور بارز في إثارة أتباع حركته بالجزائر ضد الاحتلال الفرنسي، ابتلي في قيادة الثورة ضد مولاي سليمان لصالح الأمير يزيد، وفيما عدا هذا الحادث الذي سجن من أجله الشيخ العربي مدة تجاوزت العامين، التزم الدرقاويون نوعا من المرونة اتجاه السلطة، لكنهم بالمقابل هيأوا الأطلس المتوسط لمعارضة التدخل الأجنبي[1].
وبعض الناس هداهم الله يتخذون من قصة سجن الشيخ مولاي العربي الدرقاوي من قبل السلطان مولاي سليمان ذريعة للتقول على الطريقة الدرقاوية أنها كانت ضد السلطة، وهذا مالم يحصل بتاتا، فسبب سجنه واضح وهو موالاته للأمير مولاي يزيد ضد مولاي سليمان، وهذا الأمر لم يقم به الشيخ مولاي العربي وحده، وإنما كان هذا شأن أهل فاس وأهل جبل العلم وأهل تطوان وطنجة والعرائش وأصيلا قاطبة، ومعلوم أن المغرب في هذا التاريخ لم يكن يعرف الاستقرار التام، بسبب الصراع على السلطة، ومن أراد التفصيل في هذه النقطة فليرجع للاستقصا للناصري عند كلامه على بيعة أمير المؤمنين يزيد بن محمد رحمه الله[2] .
ولكي تعرف العلاقة المميزة التي كانت تربط الشيخ مولاي العربي بأمراء المؤمنين في عصر، اصغ السمع لما يقوله المؤرخ محمد البشير الفاسي، يقول: وكان له ـ أي الشيخ مولاي العربي الدرقاوي ـ اهتمام كبير بالسعي في مصالح المسلمين وإخماد نار الفتنة بينهم، وجمع كلمتهم على طاعة أئمتهم، فقد قام بأعمال جليلة في هذا السبيل أيام سلطنة السلطان المقدس مولاي سليمان بن سيدي محمد بن عبد الله العلوي، إذ كثيرا ماكلفه بأمور هامة كسفره لوهران سنة ألف ومائتين وعشرين هجرية عند أميرها مولاي عبد القادر بن الشريف،وقد وقفت علىرسائل من السلطان المذكور للمترجم تدل على ماله من الأيادي البيضاء في جمع الكلمة وإخماد نار الفتنة، وها أنا أنقلها تتميما للفائدة”.انتهى كلام محمد البشير الفاسي.ولولا خوف الإطالة لقرأت لكم هذه الرسالة.
ختاما أقول: وفضلا عن تصوفه الجنيدي، كان الشيخ مولاي العربي الدرقاوي يفصح باستمرار عن عقيدته الأشعرية، وعن مذهبه المالكي، والتزامه بالبيعة الشرعية لولاة الأمر المجمع على بيعتهم، وتلكم هي الثوابت الدينية للأمة المغربية، التي تشكل وحدتها العقيدية والمذهبية والسلوكية والسياسية، وهذا يبعث فينا التساؤل عن حاجتنا اليوم إلى إحياء هذا النموذج الديني المتفرد، لاسيما أن الشيخ وطريقته شكلا طفرة نوعية في تاريخ التصوف المغربي، بل اعتبره البعض أحد كبار المجددين في تاريخ التصوف المغربي.
ختاما أشكر الشكر الجزيل، كل من السيد والي ولاية بني ملال خنيفرة، وعامل إقليم بني ملال، والسيد عامل صاحب الجلالة على إقليم أزيلال وعامل صاحب الجلالة على إقليم الفقيه بن صالح، على تنسيقهم ومتابعتهم لأمر هذا اللقاء وحرصهم على نجاحه، وعلى دعمهم الدائم لأنشطة الزاوية، وأسأل الله للجميع التوفيق والسداد والعون والحفظ، وأن يجعلهم عند حسن ظن مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله، الذي نسأل الله تعالى أن يكلأه بعين عنايته ويوفقه لما فيه خير وسعادة وفلاحالمغرب والمغاربة، والحمد لله رب العالمين.
[1] ابراهيم حركات ، التيارات السياسية والفكرية بالمغرب خلال قرنين ونصف قبل الحماية ج3ص59، دار الرشاد الحديثة، بتصرف.
[2] الناصري، الإستقصا في تاريخ المغرب الأقصى ،ج3ص76،109،150 ،بتصرف،الدار البيضاء، دار الكتاب،ط1/1997.