كلمة السيد مصطفى الكتيري
المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير
مداخلة بعنوان : “سيدي محمد بصير: مثال الوطني الملتزم والمناظل الوحدوي”
بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
السيد رئيس جامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال
السيد مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة تادلا أزيلال
السادة شيخ وأبناء زاوية آل بصير
السادة الأشراف والعلماء ومريدو الطرق الصوفية
السيد رئيس المجلس العلمي
السادة رئيس المجلس الوطني لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.
أيها الحضور الكرام
تنتابني مشاعر غامرة وعميقة بالاعتزاز، وأنا أتواجد معكم في هذا الفضاء الخاشع والمهيب والمفعم بأزيج الإيمان وعبق الوطنية، برورا برجالات المغرب الخالدين وتعريفا بنضالاتهم ومواقفهم وسير حياتهم الجهادية، وإنها لالتفاتة محمودة ومكرمة مبرورة لزاوية آل سيدي إبراهيم بصير، وهي تنظم بتعاون مع الأكاديمية الجهوية لجهة تادلة أزيلال هذا الملتقى الفكري والوطني تحت الرعاية الملكية السامية عرفانا بالأدوار الرائدة للغائب الحاضر الوطني الفذ سليل هذه الزاوية العريقة قلعة الصلاح والهداية ومنار العلم والوطنية والذود عن مقومات المغرب الأصيلة ومقدساته الغالية.
نحن اليوم بهذه الربوع المجاهدة، وفي غمرة احتفالات الشعب المغربي بالذكرى 55 لليوم الوطني للمقاومة التي تحل في 18 يونيو، لنستحضر حدثا تاريخيا حاسما في مسار ملحمة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية ألا وهو انتفاظة 17 يونيو 1970 في ذكراها 39، ونستحضر في الآن ذاته شخصية تاريخية وازنة جديرة بأن تسلط على أعمالها الجليلة الأضواء الكاشفة عرفانا وإجلالا، ألا إنه الفقيد الغالي سيدي محمد بصير من خلال هذه الندوة العلمية القيمة التي يطيب لي أن أساهم في أشغالها بمداخلة تحت عنوان: “سيدي محمد بصير: مثال الوطني الملتزم والمناضل الوحدوي” أملا في أن أفي هذا العلم حقه ويحالفني التوفيق في الإلمام بكل صفحات سجله النضالي الطافح بأجل المكارم وأروع الملاحم.
لقد جسدت هذه الذكرى التاريخية محطة نضالية ضد الوجود الاسباني، بكل ما ترمز إليه من معاني الوطنية والتشبت بالوحدة الترابية للمملكة. وكان في طليعة رواد هذه الحركة المناضل محمد بصير، الذي انغمر بإيمان وعزيمة في مسار الكفاح البطولي، مستلهما في ذلك الميثاق النضالي لثورة الملك والشعب وبيعة الرضى والرضوان للعرش العلوي المجاهد رمز عزة الأمة وضامن وحدتها وعنوان سيادتها.
وإن احتفاءنا اليوم بهذه المحطة المضيئة، وبما تحمله من معاني الوحدة والتضامن والالتحام، ليمثل وقفة ذات دلالات وأبعاد عميقة لتأكيد التراث النضالي لهذا الرجل والخط السياسي الوحدوي الذي وهب حياته من أجله وكرسها في سبيله بغاية استعادة ربوع الصحراء المغربية إلى حظيرة الوطن.
وفي ذلك وضع حد للمغالطات والأباطيل التي يروجها خصوم وحدتنا الترابية محاولين النيل من وطنية هذا المناضل الوحدوي سليل الزاوية الصوفية المعروفة بتمسك أبنائها بالمقدسات الدينية والثوابت الوطنية وتحليهم بالمثل العليا والمبادئ الوطنية ومكارم الأخلاق.
ومن واجب البرور ونحن في المندوبية السامية لقدماء المحاربين وأعضاء جيش التحرير وفي إطار اللجنة العلمية الاستشارية المنضوية بها، أولينا هذا العلم سيدي محمد بصير وواجب الذاكرة مكانة متميزة ضمن أعلام الكفاح الوطني والحركة التحريرية والحركة الوحدوية في موسوعة الإعلام التي صدرت منها بعض الأجزاء من سلسلة من 20 مجلدا.
مسار النشأة والتكوين :
أجل، ينحدر هذا المناضل الفذ من صلب عائلة عريقة في وطنيتها شهيرة بمواقفها وإشعاع صلحائها وعلمائها ومجاهديها، أسهم أجل إسهام في ترسيخ مبادئ النضال ضد المستعمر الإسباني، وتعميق روح الوحدة والتشبع بقيم المواطنة الإيجابية والملتزمة والمسؤولة بحكم تنشئته وتكوينه واتساع مداركه بفضل ما اكتسبه من حصيلة علمية وثقافية عبر مساره الدراسي بالمغرب وبالمشرق العربي وبفضل تفتحه على المنتديات الفكرية وتفاعله مع الحياة السياسية وانغماره في الحركية المجتمعية.
رأى النور سنة 1942 بزاوية والده سيدي إبراهيم بن سيدي مبارك البصير المؤذني الرقيبـي الدرقاوي الشاذلي الحسني العامرة بالله منذ تأسيسها سنة 1920 ببنـي عياط إقليم أزيلال، وتلقى المبادئ الأولى بحفظ القرآن الكريم بمدرسة زاوية والده على يد فقهاء أجلاء أمثال سيدي لحسن أبريم الباعمراني السوسي وسيدي محمد البوعلاوي، التحق بالتعليم الرسمي سنة 1959 بعد أن سجل نفسه بالمرحلة الابتدائية بالمدرسة الإسلامية بحي التقدم بالرباط، حيث تابع دراسته بها إلى أن حصل على الشهادة الابتدائية، ثم انتقل إلى مراكش ليتابع دراسته الثانوية رفقة أخيه مصطفى بصير بجامعة ابن يوسف، هذه المنارة الوطنية التي التأم برحابها كثير من الماهدين من رواد الحركة الوطنية والنهضة الثقافية وصفوة المقاومين وأعضاء جيش التحرير المشاهير، وأحرز في سنة 1963 على شهادة البكالوريا التي حفزته إلى الانتقال إلى المشرق العربي.
وهكذا أتيح له أن يتلقى بمصر سنة 1965 العلوم الشرعية والأدبية والقانونية والسياسية والصحافية، وينتقل سنة 1966 إلى سوريا ولبنان ليلقي دروس التخصص، ويعود إلى وطنه المغرب أواخر نفس السنة للاستقرار بمدينة الدار البيضاء وإقامة مشروعه بالحي المحمدي قلب هذه الحاضرة النابض، والتي تعج بنشاط هام لما احتشد فيها من طاقات وقدرات، حيث أقدم على إنشاء مجلتي “الشموع” ثم “الأساس” وكان ينشر فيهما مقالات حول الثقافة المغربية الصحراوية وتاريخ الصحراء انطلاقاً من حبه للصحافة وإيمانه بالفكر والحرية وأثر الرأي في الإشعاع المعرفي والتواصل وخدمة قضايا الوطن.
الإنغمار في ملحمة الكفاح الوطني من أجل استكمال الإستقلال وتحقيق الوحدة الترابية :
يمكن القول بأن سيدي محمد البصير شكل امتدادا لصيغ الكفاح الموصول الذي لم يفتر أبداً، ذلكم الكفاح البطولي الذي يطفح به سجل الأمجاد البطولية التي خلدها أبناء القبائل الصحراوية بالتحام وثيق مع العرش العلوي المنيف من أجل الحرية واستكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية.
ففي سياق الظرفية التاريخية التي ميزت أواخر الستينات، شرع ابتداء من هذه المرحلة بالتفكير في التوجه إلى الصحراء المغربية وزيارتها والالتحاق بأهله وذويه ممن كان لهم استقرار بالسمارة والعيون أو المتنقلين بين الواحات، وهكذا رافق أخاه مولاي علي لصلة الرحم بأقاربه ومعارفه، وما إن علمت سلطات الاستعمار الاسباني بحلوله بالصحراء حتى هبت لمضايقته بسبب ما هو معروف عنه من نشاط ديني وفكري ووطني وتجند لبث الوعي ونشره وإذكاء التعبئة على نطاق واسع وبشكل فعال ومؤثر، ولا غرو في ذلك وهو سليل آل بصير المشتهرين بروحهم الوطنية وتفانيهم في التمسك بهويتهم المغربية الأصيلة وتعلقهم بأهداب العرش العلوي المجاهد.
لقد كان حلوله بالصحراء عبر مدينة طنطان، ومنها إلى مدينة السمارة التي أعطى تواجده بـها دفعة واضحة في إذكاء جذوة الكفاح، إلى حد اتهام السلطات الاستعمارية الاسبانية له بعد وصوله إلى مدينة السمارة سنة 1968 بالعمالة للمغرب، فعمدت سجنه بمعية أخيه الأكبر مولاي علي لبصير، وحتى بعد الإفراج عنهما وإطلاق سراحهما بقي سيدي محمد بصير رهن المتابعات والمضايقات المستمرة، ورغم كل ذلك فقد تسنى له أن يبلور عمله بإنجاز رائد تمثل في تأسيس تنظيم سياسي ذي توجه وطني أصيل أطلق عليه تسمية “حركة تحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب” وعرفت أيضا بالحركة الطليعية لتحرير الصحراء، والحركة الوطنية لتحرير الصحراء، حيث انضم إليه العديد من أبناء الصحراء المغربية من مختلف الفئات، وفي طلائعهم الشباب المؤمن بقضيته الوطنية العادلة المتحمس للنضال والإسهام في تحرير الصحراء ونير الاستعمار الاسباني وطفق في حشد الوسائل وتوفير الإمكانيات وتوطيد التواصل بالمناضلين بكل أرجاء الصحراء السليبة.
انتفاضة 17 يونيو 1970 بالعيون:
بانتقال الشهيد محمد بصير من مدينة السمارة إلى مدينة العيون تزايد إشعاع نشاطه، وصادف هذا الانتقال عزم السلطات الاسبانية على تنظيم ندوة صحفية وإقامة مهرجان دعائي ضخم بمدينة العيون يوم 17 يونيو 1970، بهدف الترويج للسياسة الاستعمارية ومحاولة كسب التأييد الشعبي لبقاء الصحراء المغربية مندمجة مع الدولة الاسبانية، وهو الأمر الذي تجند سيدي محمد بصير صحبة رفاقه على إفشاله إذ عملوا على استقدام كل المناضلين إلى العيون، وتعبأت الجماهير من أجل إقامة تجمع مضاد، فضلا عن قيام الحركة يوم 16 من نفس الشهر بمسيرة منظمة على متن السيارات حاملة لافتات وشعارات مناهضة للوجود الاستعماري الاسباني بالصحراء المغربية.
وصباح يوم 17 يونيو 1970 انطلقت حشود المتظاهرين في مسيرة سلمية مجسدة لأبهى مواقف الغيرة الوطنية والذود عن المقدسات الغالية والرفض لكل أشكال المساومات والمزايدات وصور الترغيب والترهيب، مقاطعين ما دعت إليه السلطات الإسبانية، فجاءت الشرطة المحلية وطوقت الجماهير المناهضة، ثم جاء إلى مقر تجمع المنظمة الحاكم العام الجينرال بيريز ديليما تيخيرو، الذي ذهب وولى غاضبا بعد حوار دام زهاء ساعة ولم يسفر عن نتيجة، وهكذا هاجمت الشرطة المتظاهرين ولم تتورع عن إطلاق الرصاص عليهم فاحتدمت المواجهة وصمدت الجماهير في مواجهة قوات الشرطة ورشقتها بالحجارة، مما أرغم هذه القوات على الانسحاب، ومعها مصاب جريح وعديد من المعتقلين، لتخلفها قوة عسكرية من الجيش حاصرت المتظاهرين وأطلقت الرصاص عليهم، فسقط في ساحة الشرف شهيدان هما محمد سالم ولد إبراهيم ولد لعبيد و إبراهيم ولد المحجوب ولد محمد عالي ولد بلخير، و إصابة ما يناهز العشرين من المنتفضين ونهج كل أساليب العنف و التنكيل لتفريق المتظاهرين.
و يروي رفيق الفقيد في الانتفاضة سيدي أحمد رحال من خلال شهادته التي قدمها في ندوة السنة المنصرمة بمناسبة الذكرى 38 لأحداث 17 يونيو 1970، أن السلطات انطلقت في البحث عن الزعيم سيدي محمد بصير، وألقوا القبض عليه قبل غروب الشمس ذلك اليوم بمنزل زوجة ابن عمه السيد موسى ولد سيدي لوشاعة المسماة “خديجتو البوعيطاوية” فحملوه إلى ثكنة الشرطة مع المئات الذين خضعوا للتعذيب، وبعد البحث تم إطلاق البعض والإبقاء على البعض للمزيد من التحقيق والتعذيب، دام التحقيق أزيد من عشرين يوما، حملوا بعدها إلى السجن الأكحل، وفي نهاية يوليوز أفرغوا السجن من الجميع إلا ثلاثة وهم: الزعيم بصير وابن عمه محمد محمود وأحمد رحال، واستمرت هذه الوضعية المزرية إلى عاشر غشت الموالي فحملوا محمد محمود إلى ثكنة الشرطة وبقي أحمد رحال ومحمد بصير إلى صبيحة يوم الجمعة الرابع عشر من غشت، ويضيف راوي هذه الشهادة مفيدا بأنه سمع قرابة الساعة الرابعة صباحا جلجلة الأبواب الحديدية فنظر من نافذة صغيرة من باب الزنزانة، فإذا بالحارس أخذ بمنكب الزعيم بصير وهو مقيد اليدين مرتديا دراعة خضراء ولثامه متدلي على منكبه الأيمن، ولم يسمع عنه أحد خبرا أو يره بعد تلك اللحظة الأليمة.
وجدير بالذكر أنه بعد مضي خمسة عشر يوما على اعتقاله انقطع خبر وجوده بسجن العيون في الوقت الذي كانت إحدى قريباته تزوره وتزوده بما يحتاج إليه، ولإبعاد التهم عن الحكومة الإسبانية بادرت هذه الأخيرة إلى إشاعة خبر فراره من السجن، عاملة على توزيع صوره في الشوارع وتعليقها على الجدران، ومنذ ذاك لم يعرف مصيره لدى العائلة رغم كل المحاولات المبذولة، وزاد هذا الفقدان فداحة أراجيف الخصوم وأعداء الوحدة الترابية لترويج الأكاذيب والمغالطات عن هذا الوطني الملتزم والمناضل الوحدوي الذي تشهد أعماله بسمو مواقفه الرائدة، فاختلقوا له موطنا ومنشأ وفكرا ونسبوا إليه ما شاء لهم خيالهم من مواقف وغايات يفندها الواقع ويكذبها التاريخ، فنضاله وكفاحه نضال لا تشوبه شائبة بشهادة من جايلوه وعايشوه، خالص لوجه الله والوطن والعرش.
تثبيت الوحدة الترابية وصيانتها ملحمة مستمرة:
كلنا نعلم مدى المقاومة الضارية التي خاض غمارها أبناء الصحراء الأشاوش في ملاحم العرش والشعب المجيدة، ومن ذلك مشاركتهم الجليلة في معارك جيش التحرير انطلاقا من سنة 1956، وشاركوا قبلها في 20 غشت 1953 حين نفي الملك محمد بن يوسف عن وطنه.
كان الناس كلهم في هذه الفترة يشاركون في المقومة المسلحة شمال المغرب حيث كانوا يأتون من عمق الأقاليم الصحراوية من الساقية الحمراء وواد الذهب ومن تندوف ليشاركوا بكل ما لديهم من قوة وعتاد، وكانوا يجسدون بمواقفهم النضالية تلاحمهم وتضحياتهم وصمودهم ووقوفهم في وجه مناورات ومؤامرات الاستعمار الاسباني ومخططاته، متمسكين دوما بمغربيتهم وولائهم للعرش العلوي المنيف.
لقد انطلقت عمليات جيش التحرير بالجنوب المغربي سنة 1956 لتخليص الصحراء المغربية من نير الاحتلال الاسباني، وقد أعلنها بطل التحرير صيحة مدوية في خطابه التاريخي بمحاميد الغزلان في 25 يناير 1958 وهو يستقبل وفود أبناء قبائل الصحراء مثلما استقبل وفودها وأعيانها وممثلي قبائلها وشيوخها غداة عودة جلالته من المنفى، مؤكدا مواقف المغرب الثابتة وتعبئته لاسترجاع منطقة طرفاية إلى حظيرة الوطن.
ومن المعلوم أن الإسبان لم يكونوا قادرين على تجاوز كيلومترات معدودة خارج العيون والعركوب أو الداخلة، لأن جيش التحرير، وحسب شهادة قاداته، كان قد أحكم السيطرة بفضل شهامة وشجاعة أبناء الصحراء، الذين شكلوا الدعائم القوية لملحمة استكمال الاستقلال وتحقيق الوحدة الترابية التي تواصلت على عهد الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني على الواجهة النضالية والديبلوماسية والشعبية وتكللت باسترجاع أقاليمنا الجنوبية سنة 1975 بفضل كفاح العرش والشعب وبفضل المسيرة الخضراء المظفرة، والتي مثلت حدثا وطنيا عظيما بارتفاع العلم الوطني في سماء العيون يوم 28 فبراير 1976، وتعزيز استكمال الوحدة الترابية للوطن بالتحاق إقليم وادي الذهب في 14 غشت من سنة 1979 بحظيرة الوطن.
وفي هذه المنظومة المتألقة جسدت انتفاضة 17 يونيو 1970 مثالا في البطولة والاستماتة، ولا غرو في ذلك وأبطالها أبناء وأحفاد الوطنيين والمقاومين وأعضاء جيش التحرير الذين أبلوا البلاء الحسن في ملاحم ثورة الملك والشعب في سبيل الدفاع عن مقدسات الدين والوطن والذود عن وحدته ومقوماته.
حضرات السيدات والسادة الأفاضل،
نقف اليوم إجلالا لأحد رموز الكفاح في شخص الفقيد سيدي محمد بصير، الذي يعد مثالا للمغربي المتشبع بالقيم الإسلامية والروح الوطنية والمبادئ القومية والإنسانية، قائد أحداث مدينة العيون ضد الاستعمار الاسباني، باعتبارها محطة في مسار النضال الوطني الموحد من طنجة إلى الكويرة، استحضارا لصفحات من سجل تاريخنا وتسليط الأضواء عليها وتوثيق وقائعها وحقائقها، وإن مثل هذه الوقفات لمن شأنها تجسيد وترسيخ رسالة صيانة الذاكرة الوطنية، وإشاعتها في أوساط الأجيال المتعاقبة، لتظل ناطقة بفضيلة الوفاء وشاهدة على البرور لكل المخلصين المدافعين عن حوزة الوطن وحرماته ومقدساته ترابه.
وستبقى تضحيات الوطني والمناضل سيدي محمد بصير ومواقفه مفخرة ورصيدا تاريخيا تغترف منه الناشئة قيم الوحدة وروح والدفاع عن المقدسات الدينية والوطنية والانخراط الفاعل لإعلان صروح المغرب الجديد، بقيادة رائد النهضة المغربية الحديثة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله.
وإننا ونحن نخلد هذه الذكرى لنعبر عن اعتزازنا بالروح الوحدوية التي يجسدها المغاربة أجمعون من طنجة إلى الكويرة وبرصيد تاريخنا الوطني الطافح بجليل الأعمال والمكلل بعظيم التضحيات والنضال الموصول دفاعا عن المقدسات الدينية والوطنية، مغتنمين هذه المناسبة للإعراب مجددا ومع كافة فئات المجتمع المغربي من طنجة إلى الكويرة عن كامل استعدادنا وتجندنا تحت القيادة الحكيمة لأمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله صونا للوحدة الترابية وإسهاما في الأوراش الكبرى التي يرتادها وطننا الموحد وتعزيزا للمشروع المجتمعي الديمقراطي الحداثي، وتحقيقا للنهضة التنموية الشاملة وتأكيدا على دور المغرب الوازن في ترسيخ القيم الإنسانية ونشر مبادئ التسامح والاعتدال والتعايش والتساكن بين الأمم والشعوب على أساس احترام سيادته الوطنية وحرمة أراضيه ووحدته الترابية.
وإننا في هذا المقام لنعبر عن إشادتنا بالمواقف العظيمة لصاحب الجلالة واعتزازنا بالخطوات التي يخطوها عناية وتكريما لأبناء الصحراء المغربية وجهود جلالته من أجل إسعاد رعاياه بكل أرجاء الوطن الحبيب وحيثما كانوا.
إن حقوقنا المشروعة على وحدة ترابنا المقدس ثابتة، ولن تنال من هذه الحقيقة المصالح الضيقة والحسابات المغرضة، وإن تحقيق المأمول من مستقبل المنطقة المغاربية رهين باحترام سيادة ووحدة أقطارها وإشاعة أجواء التضامن والتعاون وتقوية أواصر المودة والإخاء وحسن الجوار وإزالة كل أسباب الخلاف والتفرقة التي تعوق انطلاقتها الوحدوية المنشودة. كما أكد ويؤكد على ذلك صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله و نصره.
وإن المغرب، كما كان دائما، ما فتئ يبدي حسن نواياه ويقدم دعوته الصادقة ويجسد إرادته المؤمنة بالحوار الإيجابي والتفاوض الجاد والمسؤول لإنهاء النزاع المفتعل حول صحرائه المغربية، وإيجاد الحل السياسي التوافقي النهائي، في نطاق الحق والشرعية والمشروعية ودعم المنتظم الدولي، بما يخول لأقاليمنا الجنوبية حكما ذاتيا، في ظل سيادته الوطنية ووحدته الترابية التي لا مساومة فيها.
وإنها لمناسبة لتجديد النداء لكل المغرر بهم من أبناء الصحراء المغربية للعودة إلى وطنهم الغفور الرحيم، ومناشدة كل المحافل الدولية والهيئات الحقوقية والإنسانية وشرفاء وأحرار العالم للعمل والتدخل من أجل الإفراج عن المحتجزين المغاربة بمخيمات تندوف ليعودوا إلى أحضان وطنهم ويساهموا في ملاحم بنائه وتقدمه.
وإننا ونحن نخلد هذه الذكرى لنتوخى إبراز قيم الروح الوطنية التي تنطق بها ملاحم المغرب دفاعا عن مقدساته الدينية والوطنية وإذكاء لشعور المواطنة والتعبئة واستلهاما لهذه القيم في المسيرات الخالدة للمغرب، معلنين تجندنا التام تحت القيادة الحكيمة لرائد الأمة صاحب الجلالة الملك محمد السادس المنصور بالله إعلاء لصروح المغرب الجديد وصيانة لوحدته من طنجة إلى الكويرة، مشيدين بسياسة جلالته ومباركين توجه المغرب السليم ونهجه القويم لإيجاد حل في إطار التوافق وبإشراف أممي ينهي ادعاءات خصوم وأعداء الوحدة الترابية.
رحم الله شهداء الاستقلال والوحدة وفي مقدمتهم أب الوطنية والمقاومة بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس، ورفيقه في الكفاح والمنى الملك الموحد جلالة المغفور له الحسن الثاني، وحفظ بما حفظ به الذكر الحكيم باني المغرب الحديث صاحب الجلالة الملك محمد السادس ونصره نصرا عزيزا مؤزرا وأبقاه ذخرا للبلاد وملاذا للعباد، وأعانه بمدده حتى يحقق كل ما ينشده لشعبه من غايات سامية ومقاصد نبيلة.