كلمة السيد سيدي أحمد رحال*


الزاوية البصيرية إشعاع علمي وجهاد وطني

بسم الله الرحمن الرحيم، وبه الحول والقوة والتأخير والتقديم، وصلى الله وسلم على نبيه الكريم.

سيدي الشيخ مولاي إسماعيل شيخ زاوية آل البصير الفاضلة.

أيها الحضور الكريم بكل مكوناته،
إنه لمن نعم الله التي تستحق الحمد والشكر الكثير،أن تتوفر لشخص ضعيف مثلي فرصة الوقوف في هذا المكان الذي أحياه الله بميزة قل نظيرها في عصرنا الحالي، وأمام هذا الجمع الموقر الذي جمع خيرة من أهل الفضل، ولا سيما إذا كانت المناسبة تضم إلى جانب ما تقدم ذكره، ذكرى غياب رجل أراد الاستعمار الغاشم قتله، فأبى أن يموت معنويا وسيضل خالدا ما بقي  الليل والنهار بإذن الله. أجل شيخنا الجليل أيها الحضور الكريم:

إن الحديث عن زاوية أهل بصير الشرفاء العلماء الصالحين، قلت: إن الحديث عن زاوية بهذا الحجم بالنسبة لمثلي شيء بعيد المنال، لكن ما دام العزاء هو ليس يلام المرء في مبلغ الجهد، وتطبيقا للحديث القائل: إذا دعيت فاستجب.
ولقد تفضل الشرفاء الكرام بدعوتنا لهذه المناسبة، فأصبح لزاما علينا تلبية هذه الدعوة وبذل قصارى الجهد في المشاركة بهذه المداخلة المتواضعة جدا تحت العنوان أعلاه.
نعم لقد أثبت التاريخ وكل القرائن الموجودة أن قبيلة الرقيبات الشرفاء هي العمود الفقري للقبائل الصحراوية، خاصة في الإشعاع العلمي والجهاد في سبيل الله عبر التاريخ، وحيث أن الشرفاء الموذنين هم بطن من هذه القبيلة الفاضلة، فلا غرو أن يبرز من أقطاب هذا الفخذ قمرا اسمه سيدي الفقير كيسوم المعروف بالقاسم، الذي أنجب أقمارا بعضهم من بعض إلى أن وصلوا إلى الشيخين الجليلين سيدي محمد بصير وسيدي ابراهيم البصير،حيث ظل كل واحد منهما ومن موقعه ينشر العلم وثقافة السلم والجهاد في سبيل الله.

فسيدي محمد رحمه الله ظل قبلة للوافدين من جميع أنحاء الصحراء وشمال موريتانيا لقراءة العلم عليه والاسترشاد بتوجيهاته النيرة، ولقد انتفع على يده خلق كثير وترك ذلك من بعده لأبنائه رحمه الله، أما شيخ الطريقة البصيرية الشيخ سيدي ابراهيم البصير دفين ابني اعياط مؤسس الزوايا في العديد من أقاليم المملكة المغربية الشريفة، والذي بلغ صيته من أقصى شمال المغرب إلى العديد من الأقطاب الإفريقية.
وخير دليل على ما قلت هي هذه الزاوية الفاضلة التي تخرج منها العديد من أفواج العلماء والحفظة، وما دام العلم هو الذي ينير الطريق إلى الجهاد وكل الأعمال الفاضلة فلا غرابة أن يخرج من صلب هذه العائلة الشريفة ومن قلب هذه الزاوية بالذات سليل الأكارم الفقيد محمد بن سيدي ابراهيم البصيري، هذا الرجل الذي أرى شخصيا أنه كنز ثمين اختفى قبل أن يتم اختباره، هذا الشاب الذي خرج من دار أبيه حافظا عالما عارفا إلا أن الله سبحانه وتعالى حباه بفكر يسع ما في زوايا كثيرة وجامعات ومعاهد عدة، فذهب أولا إلى الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية، وحيث لم يكتفي بما في الأزهر توجه إلى عاصمة العلم والمعرفة بأرض الشام، فعاد من دمشق حاملا من العلم والمعرفة ما أظن أن باستطاعة غيره حمله، وعند رجوعه إلى وطنه الأصل وأهله حاملا العجب العجاب.

نعم رجع في زمن تسود فيه شعارات القومية العربية والوحدة الشمولية والفكر التحرري ضد الرجعية، وبعد استراحته بمنشأ ه الأصلي حاول أن يبرز القليل من معرفته عبر جريدته التي أنشأها واختار لها اسم الشموع، ولعل هذا الاسم كان يحمل أكثر من معنى، وحينها ربما شعر بأن هناك من هو بحاجة ماسة إليه بالصحراء الخاضعة حينئذ للاستعمار الاسباني.

وقبل أن أحاول تتبع خطواته إلى حيث أراد الله له، لابد من إعطاء نظرة قليلة عما هيأه الله له قبل مجيئه إلى هناك، فمن المعلوم أن أهل الصحراء أناس مسلمون بالفطرة مجاهدون بالطبيعة، واجهوا الاستعمار قبل بسط سيطرته عليها، فكانت آخر منطقة يبسط عليها نفوذه بفضل مقاومة أهلها، هاته المقاومة التي بقيت شرارتها حية طوال أربع وثلاثين سنة الفاصلة بين بسط سيطرة الاستعمار على الصحراء ومجيء الفقيد سيدي محمد ولد سيدي ابراهيم بصيري إليها، وحيث أن مخلفات أحداث جيش التحرير في الخمسينيات من القرن الماضي وأحداث سنة 1966 بالصحراء تركت المنطقة تعيش أجواءا أقرب ما يقال عنها النار تحت رماد غير كثيف، فجاء سيدي محمد بصيري ودخل الصحراء بطريقته الخاصة سنة 1968، وفور دخوله إليها قامت قيامة المستعمر وأعوانه الذين اتهموه بأنه جاء مبعوثا سريا من طرف السلطات المغربية لغرض ما يخدم مصلحة الشعب بالمنطقة، وبعد صراع يطول شرحه استطاع أن يسكت كل لسان يتكلم ضده، فاستقر بمدينة السمارة حيث يوجد العديد من آل بصير وعلى رأسها حينئذ الشيخ الجليل سيدي لشاعة بن سيدي محمد البصير، فأصبح الفقيد بصيري محجا لكل طالب معرفة مهما كان نوعها فكان له حديث خلاب ومعاملة خضع لها الكبير والصغير، وخلال هذه الفترة وهذا التدريس الغير المعلن باسمه كان ينتقي من بين الوافدين عليه من يراه أهلا للسر والمناقشة الخاصة، فكان له ذلك، ولعله وجد ضالته في البداية أكثر من بعض المجندين في الجيش الاسباني والشرطة المحلية، إلى جانب بعض المثقفين المدنيين طبعا، فقضى قرابة سنة كاملة وهو يوجه ويكون ويؤطر في الشباب الغاضب على الاستعمار.

نتيجة ما تقدم ذكره، وبعد أن أرسى قعيدة لعله اطمئن إليها ولو نسبيا، أسس بمعية مجموعة من رفاقه الشباب العسكريين والمدنيين منظمته الطلائعية التي اختار لها اسم: منظمة الطلائع لتحرير الصحراء، فسن لها قانونا داخليا محكما وأعد لها منهجا طويل المدى، وطفق يزيل الرماد عن نار متأججة ضد الاستعمار، وعين أناسا تواقون للحرية كما نشأو ونشأ آبائهم، فانخرط في هذا التنظيم السري المحكم خلق لا أملك رقمه، ولكنه كثير بالنسبة لظروف المنطقة، وجهل أهلها بالعمل التنظيم السري، ورغم العيون الكثيرة التي يبثها الاستعمار هنا وهناك واصل التنظيم طريقه إلى أن تلاحقت أحداث سياسية تتعلق بالمنطقة، أصر خلالها المستعمر الاسباني على خلق مهرجان إعلامي عام، يهدف من خلاله إلى إقناع العالم بأن إسبانيا باقية في الصحراء بطلب من سكانها، فعزم التنظيم بقيادة أمينه العام محمد سيدي إبراهيم البصير على إفشال هذا المخطط الخبيث، وبتخطيط محكم أشرف عليه الفقيد نفسه ثم إفشال المهرجان المذكور عن طريق انتفاضة الزملة التاريخية الشهيرة يوم 17 يونيو 1970، فكان الفقيد على رأس الذين القي عليهم القبض من طرف السلطات الإسبانية في هذه المناسبة، ولا زال في ذمة الله وتحت مسؤولية الدولة الإسبانية التي اعتقلته أمام الجميع، وها نحن اليوم وبعد تسعة وثلاثون سنة أصبحت فيها إسبانيا من الدول الرائدة في الدفاع عن حقوق الإنسان، لا زلنا نبحث عن مصير الأمين العام لمنظمة الطلائع لتحرير الصحراء محمد سيدي إبراهيم البصيري، فأين الحقوقيين الإسبان؟ وأين فضيلة القاضي الإسباني كارثون الذي أصبح يطارد كل شبح يشار إليه بانتهاك حقوق الإنسان؟ وأين الحقوقيين ومنظمات الدفاع عن حقوق الإنسان المغربية؟ وأين الضمير الإنساني بصفة عامة؟ فلا أظن أن المسؤولية المحملة لفرنسا في شأن المهدي بن بركة أقل مستوى من نظيرتها التي يجب أن تحمل لإسبانيا بشأن محمد سيدي إبراهيم البصيري.

 


والسلام عليكم ورحمة الله
*الإمضاء : أسير هواه والفقير إلى مولاه
سيد أحمد مبارك رحال

أحد أعضاء حركة سيدي  محمد بصير

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *