كلمة الدكتور الحسن مهراوي*
بسم اله الرحمان الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين “سيدنا محمد”
• السيد الكاتب العام
• السادة زملائي في المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية المحترمين الحاضرين معنا في هذه الندوة.
• السادة شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية المحترمين الحاضرين في هذه الندوة.
• أفراد عائلة أهل البصير الشرفاء.
• السادة مريدو هذه الزاوية الشرفاء.
• تلامذة هذه الزاوية.
• سكان قرية بني اعياط.
• السادة الزوار القادمين من كل مكان.
• إخوتي أخواتي.
أود أن أبدأ تدخلي هذا بالشكر الجزيل والدعاء الصالح للمشرفين على هذه الندوة العلمية التي حظيت بالرعاية الملكية، والتي اختير لها كعنوان “سيدي محمد بصير، ابن الأطلس: الصوفي المجاهد والصحراوي الموحد” على استدعائكم لي للمشاركة بمداخلة تحت عنوان: “سيدي محمد بصير إعجابه وتفاعله مع القومية العربية الوحدوية”
وقبل الدخول في صميم المداخلة، أرجو من الله العلي القدير وفي هذا المكان الطاهر أن تكون هذه الندوة العلمية إن شاء الله ندوة حقيقة وإنصاف ومصالحة: ندوة حقيقة تعرف فيها كل الحقائق عن سيدي محمد بصير فيظهر الحق ويزهق الباطل.
وندوة إنصاف لعائلة أهل البصير التي عانت الأمرين، وندوة مصالحة أرجو الله فيها أن يحل مشكل الصحراء ويجمع شمل العائلات، وأن يحفظ هذه البلاد موحدة تحت قيادة مولانا صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده وحفظه.
فعائلة أهل البصير لا زالت لم تخرج من حداد هذه الفاجعة التي ألمت بها منذ 17 يونيو 1970، فهي لحد الساعة التي أخاطبكم فيها لا تعرف شيئا عن ظروف اختفاء وقتل ابنها، ومن ارتكب هذا العمل الشنيع ولا مكان قبره.
فهي لم تسترجع حتى الآن حقها المسلوب في معرفة هذه الحقائق، فهذا الاختطاف والقتل يعد إجراما وانتهاكا سافرا وفظيعا لحقوق الإنسان.
فإلى متى ستظل هذه العائلة لوحدها تدافع عن هذا الحق؟ أليس حري بنا جميعا وكل من موقعه أن نناشد المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الإنسان لكسر الصمت وكشف الحقيقة؟
فأرجو أن تسرع الشهادات التي ستأتي من بعد كلمتي بالجديد للتعجيل بمقاضاة المسؤولين عن هذه الجريمة.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فاهتمامي بالشأن الصحراوي دفعني لقراءة الكثير عن سيدي محمد بصير وخصوصا ما هو موجود على صفحات أكثر من موقع في الشبكة العنكبوتية (internet)، معلومات كتبها بدون دليل خصوم وأعداء وحدتنا الترابية وسخروا لها المال الكثير. إذ من خلالها وفي غياب أي تكذيب يكون محمد بصير قد ولد في طانطان سنة 1944 وليس في هذه الزاوية سنة 1942، وأنه هو الصحراوي المثقف الانفصالي الذي أعطى انطلاق جبهة البوليساريو، وليس الصوفي المجاهد والصحراوي الموحد الذي تثبته وتأكده عائلة أهل بصير.
وقد تم هذا الاستغلال السياسي لهذا الشخص بدون مراعاة مشاعر العائلة التي هاهي تنفي جملة وتفصيلا كل هذه الافتراءات وبهذا يكون حق العائلة قد انتهك مرة أخرى ولطخت سمعتها وجرم ابنها.
وها هي من خلال هذه الندوة تفتح أبواب بيوتها وتدلي بأرشيفها لتعطينا الدليل القاطع والبرهان الناصع عن تاريخها وتاريخ ابنها السليب وتستنجد بنا بصفة غير مباشرة من خلال هذه الندوة لنصرتها لمقاضاة كل الذين سولت لهم أنفسهم استغلال اسمها وابنها استغلالا سخيفا وكاذبا، باللجوء إلى كل ما من شأنه أن ينهي هذا الاستغلال السخيف وينصف العائلة ويعاقب الجناة.
إخوتي، أخواتي اسمحوا لي بالرجوع إلى صلب المداخلة التي من أجلها وجهت إلي الدعوة ألا وهي “سيدي محمد بصير تفاعله وإعجابه بالقومية العربية الوحدوية”.
وحتى يتمكن الشباب الحاضرين معنا من فهم هذه المداخلة، اسمحوا لي أن أذكر بماهية القومية العربية: فهي مذهب سياسي نادى بتقوية الشعور القومي العربي الوحدوي من المحيط إلى الخليج وله عدة عوامل:
I) العوامل الطبيعية ومنها:
وحدة الأرض العربية، إذ لا توجد فيها حواجز طبيعية تعيق التنقل والتواصل الاجتماعي بين سكان الوطن العربي وحدوده الخارجية هي حدود طبيعية حفظت له طابعيه الحضاري والثقافي.
II) العوامل البشرية ومنها:
العامل التاريخي، يتمثل في أن العالم العربي تعرض لنفس الأحداث التاريخية.
III) العامل الديني:
إذ أن الدين الإسلامي هو دين الأغلبية، وهو تاريخ وحضارة وحياة علمية عاش تحت رايته المسلمون والمسيحيون العرب.
IV) العامل اللغوي:
اللغة العربية، هي السائدة في جميع الأقطار العربية، وهي السبب في خلق التواصل الاجتماعي والتقارب السياسي وتوحيد الفكر العربي.
V) التراث الحضاري:
ويتمثل في مجموعة من الانجازات العلمية والثقافية التي حققها العرب عبر تاريخهم الطويل مما جعل لهم هوية ثقافية مميزة تجمعهم تحت راية واحدة.
ويرى المؤيدون لفكرة القومية العربية الوحدوية والمجاهدون والمدافعون من أجل نصرتها وتحقيقها أمثال الزعيم العربي الراحل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، الذي دعم هذا المذهب وروج له إعلاميا وسياسيا أننا أمة واحدة ذات رسالة خالدة، وأن حالة الدولة القطرية حالة مؤقتة في الوجدان الشعبي وأن التجزئة هي صنيعة “سايس بيكو” أي الاستعمار وبالتالي فإن الجماهير ترفض التجزئة وتصبو دائما إلى الوحدة وأن الدولة القطرية لاسند جماهيري شعبي لها وأن ما يمثلها هو فقط العلم والنشيد، لأن الإنسان العربي يرفض هذه التجزئة ويعتبرها حالة غير طبيعية لهذه الأمة.
ويرى المؤيدون للقومية العربية والمدافعون عنها أمثال جمال عبد الناصر والمعجبون بهم أن فيها نهضة بالأمة العربية وفرصة لتقوية الانتماء العربي وعاملا مهما من عوامل سد ثغرات التفرقة والشتات وعاملا من عوامل انصهار الجنس الواحد داخل إيديولوجية فكرية موحدة تتصدر صنع القرارات وتوجه مسار الأمة.
وبهذا التعريف يمكن أن نصنف العرب إلى من هو وحدوي يسعى لهذه الوحدة العربية ويرحب بها وهو معجب بمن يدافع عنها، كالرئيس جمال عبد الناصر، ومن هو قطري يسعى إلى بناء الأقطار العربية كل على حدة، ومن الطبيعي أن لا تروق له الفكرة ولا المروجين لها.
فمن أي صنف كان يا ترى السيد محمد بصير؟
الطالب العربي الذي عاش في القاهرة أثناء حكم جمال عبد الناصر؟
وللجواب عن هذا السؤال لنستمع إلى نص إحدى رسائل الشهيد محمد بصير وهو يعبر عن ذلك بخط يمينه لأحب الناس إليه أخوه السيد المصطفى بصير الذي كان يكبره بسنتين:
وفيما يلي نص الرسالة:
بسم الله الرحمان الرحيم
إلى الأخ العزيز السيد بصير مصطفى
تحية عاطرة وأشواق قلبية
وبعد: عزيزي يسرني أن أكتب لك كتابي هذا بعد أن انتظرت طويلا كتابك العزيز بفارغ الصبر، فلم يصلني لحد الساعة، سؤالي: ما هو السر الذي جعلك لم تكتب لي…؟
وأحيطك علما أنني زعلان من عدم كتابتك لي، وخصوصا وأن المدة التي رسلت لك فيها مدة طويلة، هل لم يصلك أم ماذا…؟ أخي يصرني في هذه المناسبة أن أؤكد لك مرة ثانية أنني صريح معك في كل شيئ سواء يتعلق بي أو بك إلى أبعد الحدود بحيث أخذت على نفسي أن أخبرك بكل عمل قمت به حتى يتمكن إلينا أن نعيش مع بعض رغم بعد المسافة بيننا، ولكن الواجب من جهتي أقوم به، أما من جهتك فأنت المسؤول.
شقيقي العزيز يسعدني أن أتحدث لك في كتابي هذا عن الجو الذي أعيش فيه هذه الأيام، إنني والحق يقال، إنني أعيش في هذه الأيام في أتم السعادة والهناء رغم الحالة المادية السيئة إلى أقصى حد، اللهم إلا ما كان من بعض الفترات تَحُلُّ ثم أجابهها بمقاومتي وبعزيمتي فتنجلي، والسر في إسعادي هو البيئة التي أعيش فيها، بحيث الدراسة مستمرة وفي جو ممتاز، والنشاطات الثقافية في كل ساعة ومكان، وأكبر من هذا أن العمارة التي أسكنها وفي الجناح بالذات، جمعني الله وحَظِّي مع طلاب جامعيين همهم الوحيد هو الدراسة والبحث والتنقيب، ولا تجد في جلساتنا أثناء الأكل أوالشرب أحاديث فارغة، بل كلها في الثقافة والأخبار الثقافية والاجتماعية، والذي زاد في الطين بلة، أن هؤلاء الطلاب كل واحد ينتمي إلى كلية من الكليات، وكم أتمنى لو كنت بجانبنا كما يتمنون هم لما أتحدث لهم عنك، في كل يوم يسألوني هل أتاك كتاب من الأخ مصطفى أم لا فأقول بالطبع لا.
هذا من ناحية أما من أخرى فيا سلام يا أخي أن كل إنسان يعيش في هذه الأيام الأخيرة في القاهرة يشعر أنه يعيش في بلد حرة طليقة، وبلغت من التقدم وخصوصا في المسائل الاجتماعية والسياسية الرقم القياسي تصور أن الرئيس جمال عبد الناصر لما بعث بمذكرة إلى مجلس الأمة يذكره فيها بأن المدة التي هو فيها رئيسا ل ج ع م قد انتهت وينبغي له أن يرشح الرئيس الجديد، فما كاد الشعب يستمع إلى تلك المذكرة الخالدة والمثيرة في آن واحد حتى خرج عن بكرة أبيه قاصدا مكاتب البريد ومجلس الأمة يرسل البرقيات ويعبر بفهم على أن الرئيس الجديد هو جمال، ويطلب بلهفة قوية على أن لا رئيس سواه، ولما قرب موعد الترشيح وكاد هذا اليوم أن يصل حتى امتلأت القاهرة بالمواطنين لمبايعة الرئيس بأنفسهم زيادة وتأكيدا على ناخبيهم في مجلس الأمة فخرج القانونيون والعلماء والدكاترة والطلاب والنساء والعمال حاملين لافتات المبايعة يجوبون شوارع القاهرة ما بين مجلس الأمة ومنزل الرئيس، وأتى اليوم المشهود الذي سيعلن فيه رئيس المجلس عن رغبة الشعب، ويبلغه للرئيس فازدحم المواطنون سواء المصريون أو الأجنبيون في كل مكان يسمعون أو يشاهدون إعلان هذه الرغبة، والقلوب كلها مملوءة حبا وفرحا وابتهاجا بسماعه، ومكث الكل ينتظر ومجلس الأمة يأخذ قراراته طيلة اليوم، وأخيرا أذيعت الرغبة التي كان كل واحد سواء في مصر أو خارجها إلا الأعداء يرغبها.
وبعد لحظة بين المد والجزر، وبعد أن ذهب رئيس مجلس الأمة ليبلغ الرئيس برغبة الشعب والثقة التي وضعها فيه أتى أن ذلك البطل المظفر صحبة رئيس مجلس الأمة لكي يلتقي بشعبه الباسل وبممثليه، ويعلن إليهم وإلى الرأي العالمي عن قبوله لكي يحمل عالم هذه الدولة العظيمة، موضحاً إلى الكل في خطاب عظيم ومثير نابع من قلب بطل من أبطال هذا العصر أنه إن كان هذا الترشيح للفخر والتكرم فإنه لا يرضاه وإن كان للتجنيد والعمل و … و …. الخ فإنه مسرور به.
كتبت لك كل هذه الأشياء لا لشيء، وإنما الشعور الذي أشعره هو الذي تركني أكتب لك، وكيف ولا يكتب الشخص ويخبر أن لم يكتب عن هذا. وخلاصة القول ما أحلى بلاد الحرية، وما أجمل العيش بها وخصوصاً البلاد التي بها هذا البطل العربي الفذ، فلا أكثر من أن يشاهد الشخص هذا المنظر الذي سردته لك ويعيش بكل جوارحه معه. وفي الختام استمع إلى هذه الكلمات ذات المعاني الدقيقة بلحن جميل ومن فم صوت خلاب، وفي جو كله حماس:
وتمضي المواكب بالقادمين من كل لون وكل مكان
فمن عصر سيناء إلى عصر عمر ومن عصر عمر إلى عصر جمال
وكيف تحقق ما كان وهماً ومن ذا الذي يا ترى حققه
وكيف تجرد من أسره سجين الزمان ومن أطلقه
لقد شيد بالأمس أهرامه بأيد مسخرة موثوقة
وهاهو يبني بحرية دعائم يبث آماله الرجاء ويوحي الثقة المشرعة
يد صنيع عجيب البناء يبث الرضاء ويوحي الثقة
فأرساه أبنائهُ حُرَّةً وحرية آرائِهِ المطلقة
وليس لهم سيد أو مسود فكل سواء بلا تفرقة
وصاح من الشعب صوت طليق قوي أبي عميق عريق
يقول أنا الشعب والمعجزات أنا الشعب لا شيء قد أعجزه
كل الذي قاله قاله قد أنجزه
بقوميتي واشتراكيتي بنبض العروبة في أمتي
أنا الشعب أنا الشعب لا أعرف المستحيلا
ولا ارتقي بالحدود بديلا
بلاد بلاد مفتوحة كالسماء
تضم الصديق وحتى الدخيل
أنا الشعب أنا الشعب شعب العلا والنضال
أحب السلام وأخوض القتال
ومن الحقيقة ومن الخيال
وعندى الجمال وعندى… وعندى جمال
يا سلام يا أخي لو رأيت هذه المناظر وسمعت إلى هذه الكلمات من فم أم كلثوم وهي ترددها بشعور قوي وبحماس منقطع النظير، لا يمكن أن تعرف النوم أو التعب أو …؟
وأخيرا أطلب من ربنا أن لا يحرمك من …؟، وأرجو أن تبلغ سلامي الحار إلى جميع أفراد الأسرة دون استثناء، وبالأكثر على والدتي إذا كانت معكم، وأملي ألا تأخر علي كتابك.
والسلام عليك
القاهرة 20-1-1965
وبهذا إخوتي، أخواتي يكون السليب محمد بصير قد أبان عن إعجابه بجمال عبد الناصر وبالقومية العربية الوحدوية وهدم كل ما لفق له من تهم انفصالية.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
* عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية