قصة نبي الله آدم وزوجته مع إبليس اللعين
قصة نبي الله آدم وزوجته مع إبليس اللعين
فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله!، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، إن الناظر بتمعن لأحوالنا بعمق، وكيف نعيش الحياة الدنيا، ونحن نمني النفس أن نعيش فيها أطول مدة ممكنة، ولا نحدث أنفسنا بالموت وبالدار الآخرة، ولا نكره أن نكون فيها من الخالدين، ومن الأغنياء الميسورين، الذين يملكون أكبر عدد من الممتلكات، ممكنين من كل المتع الدنيوية، لاهثين وراء المصالح، عاكفين على المعاصي والآثام، نخرق التوبة في كل وقت وحين، منشغلين بالتفاهات طول أيامنا، غافلين عن الهدف الأساسي الذي من أجله خلقنا، ألا وهو اتباع الهدي المحمدي وعبادة الله تعالى.
وإذا تأملتم في أهم المواقف الأولى التي قصها علينا الحق سبحانه وتعالى في قصة أبينا آدم وزوجه عليهما الصلاة والسلام، وإبليس اللعين في الجنة، نجد بأن العديد منا لازال لم يستوعب الدرس فيما يتعلق بالمهمة التي أناطها بنا خالقنا سبحانه وتعالى في هذه الدنيا، ولم نعمل لأجل الظفر بالخلود في الجنة وبرضوانه عز وجل، فاتخذنا العدو اللدود الذي حذرنا منه الخالق صديقا ورفيقا، وعمرنا قلوبنا بحب الدنيا الفانية، وأوقاتنا بالملهيات المنسية، وشهوات النفس المغرية، ونسينا قصة أبينا آدم مع إبليس، والتي لازالت تتكرر في حياة العديد منا للأسف الشديد، فكيف ذلك؟
تأملوا عباد الله في قوله تعالى: “وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا، إلا إبليس أبى، فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى، إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى، وإنك لا تظمأ فيها ولا تضحى، فوسوس إليه الشيطان، قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى، فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة، وعصى آدم ربه فغوى، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى، قال اهبطا منها جميعا، بعضكم لبعض عدو، فإما ياتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى”.
تأملوا عباد الله، فبعد أن أسكن الله سبحانه وتعالى آدم وزوجه في الجنة، وأخبرهما بما هو حلال وما هو حرام، بدأ الشيطان مهمة عداوته لآدم وذريته، فأوقعهما في الزلة رغم تحذير الله تعالى له وإخباره بأنه عدو لهما، ورغم شهوده الموقف الذي عصى فيه إبليس أمر الله تعالى ولم يسجد له كما أمر، ورغم معرفته مدى تكبر إبليس عليه في قوله: “أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ”، وقوله: “أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً؟”، فكل هذه المواقف كانت كافية لتنبيه آدم إلى أن إبليس لن يأتي له بخير أبدا، فلا يقبل منه نصيحة ولا كلاما، ويحتاط أشد الاحتياط، ولكن إذا نزل القدر عمي البصر.
دققوا عباد الله في وسوسة إبليس الكاذبة لآدم عندما قال لآدم وزوجه: “هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى؟”، وأعاد عليهما المحاولة مرة أخرى فقال لهما: “مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ”، بمعنى أن من يأكل من هذه الشجرة يصبح ملكا، ويصبح خالدا لا يموت أبدا.
وفي هذا المقام ينبغي أن نعلم عباد الله، بأن وسوسة الشيطان تتم بكلام كاذب لتزيين المعصية، والشيطان لا يهمه أي معصية ارتكبنا، وإنما يريدنا عاصين على أي وجه، وذلكم خلاف النفس البشرية التي عندما توسوس لنا بالمعصية، فإنها تصر على فعل معصية بذاتها. وبالمناسبة فإنه فات على سيدنا آدم أنه لو كان كلام إبليس صحيحا، لأكل من الشجرة وضمن الخلود لنفسه، ولم يطلب من الحق سبحانه وتعالى أن يمهله إلى يوم الدين لإغواء الإنسانية. أسأل الله تعالى أن يوفقنا للعظة والاعتبار أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى صحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، سؤال آخر يتبادر إلى الدهن، فما الذي أسقط آدم في المعصية إذن؟ إنها الغفلة أو النسيان، يقول الله تعالى: “وَلَقَدْ عَهِدْنَآ إِلَى ءَادَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً”، وهل النسيان معصية؟، نعم النسيان كان معصية في الأمم السابقة، لذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة وغيره:” إن اللهَ تعالى وضع عن أُمَّتي الخطأَ والنسيانَ وما اسْتُكرِهوا عليه”.
ثم قال تعالى في مجريات هذه القصة: “قَالَ اهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ”، فهذا الهبوط عباد الله هو بداية نزولنا إلى الأرض لنباشر مهمتنا في الدنيا، لأن كل البشرية كانت في ظهر آدم، ومادام الحق سبحانه وتعالى قال: “وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ”، فحياتنا إذن حياة مؤقتة محدودة، ومتاعها محدود، وأن العداوة فيها قائمة بين الشيطان والإنسان، وبين شياطين الإنس والمؤمنين، هذه العداوة التي ينبغي أن تنبهنا وتعطينا مناعة ألا نخطئ ولا نغفل عن خالقنا، وأن إبليس عدو لنا، لا يريد لنا الخير أبدا، وأنه كاذب في كل ما يعدنا به، وبهذا يحذرنا الله من أن نتخذ من الحياة الدنيا هدفاً، لأن متاعها قليل مهما كثر، وأمدها قصير مهما طال.
بعد ذلك تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، لأنه لم يصر على المعصية، ولم يرد الأمر على الآمر، ولكن إبليس رد الأمر على الآمر في مواقف كثيرة كما علمتم، فكان جزاؤه الطرد الأبدي من رحمة الله تعالى.
ختاما عباد الله، إياكم أن يغويكم إبليس وجنده فتحدثكم أنفسكم بالخلود في دار الدنيا وتنسوا الموت والدار الآخرة، ولا تقنعوا بالكفاف وما يغني عن الناس، فقد قال تعالى في ختام القصة: ” فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ”، وقال أيضا:” فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى”، لذلكم فمن تفطن لوساوس إبليس واتبع الهدي المحمدي، فلن يخاف ولن يحزن ولن يضل ولن يشقى سواء في دار الدنيا أم في الدار الآخرة، ومن أعرض عن طاعة الله فإن له معيشة ضنكا في دار الدنيا وفي الدار الآخرة، والحمد لله رب العالمين