فضل عملية العلم والتعلم وواجب الجميع في إنجاحها
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فياعباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”إقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم، علم الإنسان مالم يعلم”، هذه أول آية أوحى الله تعالى بها إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، واستنبط منها العلماء الدعوة إلى العلم والتعليم والقراءة والكتابة، ولشرف القراءة والكتابة أقسم الله بها حيث قال:”ن والقلم وما يسطرون”، فأقسم سبحانه وتعالى بالقلم والكتابة وأدواتها والملائكة الذين يكتبون، كل ذلك تعظيما لشأن الكتابة التي هي أداة العلم.
أيها الإخوة الكرام، إن من أهم المواضيع التي ينبغي أن نذكر بها ونتذاكر حولها بمناسبة حلول أيام الدخول المدرسي الجديد هي فضل عملية العلم والتعلم وواجب الجميع في إنجاح هذه العملية، وذلك لنذكر كل واحد منا بواجباته، بدءا من التلميذ والتلميذة والوالد والوالدة والمدرس والمدرسة والمربي والمربية والمشرفات والمشرفين على المدارس والمؤسسات التعليمية، ليساهم كل واحد في تعليم وتكوين وتربية الأجيال الصاعدة تربية صالحة لبناء مجتمع صالح، تربية تجمع بين الإيمان والعلم والدين، وتنشئتهم تنشئة توازن بين الروح والمادة، وتتيح الانخراط بإيجابية في الحياة المجتمعية والوصول بالتالي إلى إسعاد الأسر والمجتمع برمته، وذلكم لكون فلذات الأكباد أعظم رأسمال يملكه كل أب وأم، وهم عماد الأمة وسبيل نهضتها كما تعلمون.
أيها الإخوة الكرام، إن الإسلام الذي هدانا الله بفضله إليه، لندين له به –سبحانه- هو دين العقل، دين المعرفة، دين العلم بمفهومه الشمولي العام، والعلم مقدم على العمل كما جاء في قوله تعالى:” فاعلم أنه لا إله إلا الله”، وما ذلك إلا لأن الذي يعمل بلا علم كالماشي في الظلام لايدري أين يضع قدميه؟
أيها الإخوة الكرام إن ديننا الإسلامي الحنيف جعل العلم غاية يجب أن تنشد، وهدفا ينبغي أن يقصد، لأنه دليل وقائد إلى الإيمان ومعرفة الصحيح من الخطأ في الاعتقادات والحلال من الحرام في المعاملات والتصرفات، فمن وفق إلى طلبه فقد فاز فوزا عظيما، لأنه حياة للقلوب الميتة، وتحرير للنفوس من أغلال الجهل ومصباح للبصائر في الظلم، ومرقاة إلى منازل الأبرار، وصيانة لحامله العامل به من النقائص والأضرار، لذلكم قيل:” العلم يحرسك وأنت تحرس المال، وهو يدفع عنك وأنت تدفع عن المال”، وقال الخليفة عبد الملك بن مروان لبنيه:” يابني تعلموا العلم، فإن كنتم سادة فقتم، وإن كنتم وسطا سدتم، وإن كنتم سوقة عشتم”، وقال وهب بن منبه:” يتشعب من العلم الشرف وإن كان صاحبه دنيئا، والعز وإن كان مهينا، والقرب وإن كان قصيا، والغنى وإن كان فقيرا، والنبل وإن كان حقيرا”.
إن من واجبنا جميعا آباء وأمهاتا أن ندرك أفضال وفوائد عملية العلم والتعلم واكتساب المعرفة على الفرد والأسرة والمجتمع والأمة بأسرها، فنهرع ونسرع إلى تسجيل أبنائنا وبناتنا للالتحاق بمدارسهم في إبانها وحينها، ونتعهدهم في هذه الفترة الأولى في كل يوم وفي كل وقت حتى يتعودوا على المثابرة والجد والاجتهاد، فكل امرئ على ماعودته يتعود، والكثير من الآباء يظنون بأن مسؤوليتهم تنتهي بتسجيل ابنهم أو ابنتهم وإيصالهم إلى باب المدرسة أو المعهد أو الكلية، بل إن ذلك لايعد إلا بداية لمسؤوليات جديدة وعمل جديد متواصل، فلابد من متابعتهم ومراقبتهم بلطف، حتى لا يضيعوا أوقاتهم فيما لا فائدة من ورائه، وحتى لا تنتشلهم رفقة السوء فنتحسر ونندم على عدم قيامنا بمسؤوليتنا في الوقت الذي يجب، فالطبع للطبع يسرق كما يقال.
كما ينبغي حث التلاميذ والطلاب بحكمة على الانصراف إلى النهل من العلوم النافعة التي تعود عليهم وعلى بلادهم بالخير والنماء، ومتابعهم بالتزام في كل ذلك، ولنحرص أن يتحلى أبناؤنا التلاميذ والطلاب بالخصال المهمة التي يحتاجونها في تحصيلهم للعلم، وتتمثل في مجموعها في الصبر وعلو الهمة والجلد والمثابرة والبذل والتقوى، وأن نطلعهم على نتف واقعية من صبر ومعاناة سلفنا الصالح في تحصيل العلم والمعرفة وكثرة شيوخهم ونسخهم لكتب العلم وقوة حافظتهم للعمل على شحذ هممهم، وأن نذكرهم على الداوام بواجب احترام وتقدير هيئة التعليم والتكوين، الذين هيأتهم سنة الحياة الكونية ليأخذ المتقدم منهم بيد المتأخر، والمتعلم بيد الجاهل، والكبير بيد الصغير، والأستاذ بيد التلميذ، وفي هذا المقام تجدر الإشارة إلى ضرورة تضافر جهود الجميع لمواجهة ظواهر اجتماعية سلبية مؤرقة غير مسبوقة ظهرت في مجتمعنا وفي بعض مؤسساتنا التعلمية، كالعنف المدرسي بكافة أشكاله وأنواعه، والاعتداء الجنسي على التلاميذ، والشذوذ وتعاطي المخدرات وغيرها، فالمفروض في المؤسسة التعليمية أن تكون قدوة في كل شيء، المفروض فيها أن تعمل على تقديم العلاج لكل داء، لا أن تكون هي سبب الداء. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما فيا عباد الله، يقول الله سبحانه وتعالى:”يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات”،
أيها الإخوة الكرام، إن العلم خير يجب ألا يقنع مسلم بقليله، وأن لا يشبع من كثيره، سئل عبد الله بن المبارك رحمه الله إلى متى تطلب العلم؟ فأجاب: حتى الممات – إن شاء الله – لعل الكلمة التي تنفعني لم أكتبها بعد”، وإن أفضل ما يطلب في هذه الدنيا هو العلم، قال سبحانه: “وقل ربي زدني علما”، والعلم إرث الأنبياء، فالأنبياء عليهم السلام لم يورثوا درهما ولا دينارا، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ بالعلم أخذ بحظ وافر من إرث الأنبياء، فنحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، فإذا كان الواحد منا من أهل العلم فهو من ورثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا فضل عظيم، لا يزهد فيه إلا محروم، ولشرف العلم والتعلم جعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء أسرى بدر تعليم كل أسير عشرة من الصحابة القراءة والكتابة، كما أمر الشفاء بأن تعلم بعض أزواجه الطاهرات، وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالعقوبة من لا يتعلم ولا يعلم الناس ولا يعظهم ولا يتعظ، فقال:” ما بال أقوام لا يفقهون جيرانهم ولا يعظوهم ولا ينهونهم، وما بال أقوام لا يتعلمون من جيرانهم ولا يتفقهون ولا يتعظون، والله ليعلمن قوم جيرانهم ويفقهونهم ويعظونهم ويأمرونهم وينهونهم، وليتعلمن قوم من جيرانهم ويتفقهون أو لأعاجلنهم العقوبة“.
ختاما إن مهمتنا تتجلى في العمل على تربية جيل قادر على الانخراط بإيجابية في الحياة المجتمعية، جيل مؤمن يشعر برقابة الله قبل رقابة الناس، جيل من أمثال الفتاة بائعة الحليب، التي أمرتها أمها بزيادة الماء فيه، وقالت لها: إن أمير المؤمنين لايراك، فأجابت الفتاة المؤمنة، إذا كان أمير المؤمنين لايراني فإن الله يراني، نريد جيلا مؤمنا من الشباب يخاف الله، من أمثال راعي الغنم، الذي طلب منه عمر بن الخطاب أن يبيعه شاة، فقال الراعي، إنها ليست لي، إنما أنا عبد مملوك، فأراد عمر أن يجربه وقال له: خذ ثمنها وقل لسيدك أكلها الذئب، فقال له الراعي- وهو لا يعرفه- ياهذا وأين الله؟ إذا قلت لسيدي الأصغر هذا، فماذا أقول لسيدي الأكبر؟ فسأل عمر عن سيده واشتراه منه وأعتقه وقال له: أعتقتك هذه الكلمة في الدنيا من الرق، وأرجو أن تعتقك في الآخرة من النار، والحمد لله رب العالمين.