فضل إحياء ليلة القدر المباركة

فضل إحياء ليلة القدر المباركة

فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله،ها هي ذي العشر الأواخر من رمضان قد أوشكت على النهاية، وهي أفضل ما في هذا الشهر المبارك، إذ فيها ليلة القدر التي قال عز وجل فيها: “إن أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر”،فلنتأمل في هذا الوصف الرباني لهذه الليلة وتأملوا في قوله: “وما أدراك ما ليلة القدر”، هل تصورتم عظمتها وأهميتها؟، فلقد صح عن المصطفى ﷺ فيما رواه الشيخان أنه ﷺ قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه”، وفي رواية: “غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”.

عباد الله، روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ،أنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول: إن رسول الله ﷺ أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك، فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خير من ألف شهر”،وهذه الليلة شرفت كونها نزل فيها القرآن الكريم، وهو كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر،على رسول ذي قدر، وأمة ذات قدر، فأكثروا من الطاعات فيها لأن للطاعات فيها قدرا عظيما، واعلموا أن من أحياها إيمانا واحتسابا صار ذا قدر.

وثبت في الحديث الصحيح أنه ﷺ قال: “خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان –أي تخاصم وتشاجر- فرفعت، وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة”،وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة بن الصامت قال: أخبرنا رسول الله ﷺ عن ليلة القدر فقال: “التمسوها في ليلة الواحد والعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أواخر رمضان، من قامها احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”، أي غفرت له ذنوبه كلها.

ومن الناس من يتصورون أن ليلة القدر محصورة ومخبوءة في ليلة السابع والعشرين، وهي رقية من رقى الشيطان، هذا الهاجس استقر في أذهان كثير من الناس لكي يعرضوا عن الإقبال على الله عز وجل في الليالي الأخرى ظنا منهم بأن ليلة القدر محصورة في ليلة السابع والعشرين، إذن فلا داعي إلى أن نحتفي بها في ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين أو الخامس والعشرين أو التاسع والعشرين، واعلموا أن الله تعالى أخفاها عنا لحكمة أن نجتهد في كل هذه الليالي لعلنا ندرك فضلها، فكل الليالي ليلة القدر فاجتهد أيها المسلم.

عباد الله، إن هذه الليلة ليلة شريفة عظيمة القدر والبركة عند الله فعظموها، فيها يقدر الله ما يكون في السنة كلها، قال الله تعالى: “فيها يفرق كل أمر حكيم”، فاسألوا الله تعالى أن يسوق إلينا وإليكم الخيرات ويصرف عنا وعنكم المضرات في العام كله، وأن يقدر علينا وعليكم مقادير الخير وأن يلطف بنا وبكم في كل ذلك، وفي هذه الليلة المباركة تتنزل الملائكة والروح سيدنا جبريل عليه السلام بكل أمر، قال ﷺ فيما رواه الطبراني عن أبي هريرة: “إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى”.فاحترموا وجود الملائكة بينكم واستشعروا بركة ذلك واستغرقوا في الدعاء والالتجاء إلى الله، فقد كان النبي ﷺ وهو سيد البشر إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل وأيقظ أهله وشد المئزر- أي اعتزل النساء واشتد في العبادة- وعن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت إن علمت، أي ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني”.
وقيام هذه الليلة عباد الله، أقله يتم بشهود صلاة العشاء مع الجماعة وحضور صلاة التراويح كاملة في المساجد، وأتمه أن يجافي أحدنا نفسه عن مضجعه في تلك الليلة، وأن يقبل إلى مولاه وخالقه سبحانه وتعالى، مستغفرا إياه نادما يطرق باب الصفح الإلهي أن يصفح مولاه عن ذنوبه كلها.أسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لإدراك أفضال ليلة القدر، أمين،أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه
أما بعد، فيا عباد الله، إن الأمور بخواتمها كما يقال، ولا يجب أن يكون إقبالنا على الله تعالى في خط تنازلي، في أول الشهر استبشرنا بقدوم هذا الشهر وهرعنا نعمر المساجد ونسارع في الخير، حتى إذا جاءت العشر الأواخر منه، وهي اللب وهي المقصود، مللنا وسأمنا من العبادة والطاعة والإقبال على الله تعالى، ارجعوا واعلموا أن الأعمال بخواتمها، واحرصوا أن تكون هذه الأيام المتبقية أحسن من الأول. أخرج الإمام البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال رسول الله ﷺ: “أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن نبي قبلي: وذكر منها: فإذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعا، فقال رجل من القوم: هي ليلة القدر؟، فقال لا، ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم أعطوا أجورهم”، فالمفروض في هذه الأيام أن نزداد حبا لله تعالى، وأن نزداد إقبالا عليه، وبالجملة أن نصطلح معه ونتوب إليه، ونكثر من أعمال الخير، وأن نصلي ونكثر من الركوع والسجود ونوافل الطاعات، ونقرأ القرآن ونتدبره ونحسن إلى أهله، ونزور الأقارب وننفق على الفقراء والأرامل والمساكين، ونطعم الجياع ونكسو العريانين ونكثر الذكر مع الذاكرين، فكل هذه أعمال خيرة وعبادات حسنة وطاعات قيمة يمكن أن نحيي بها هذه العشر الأواخر من رمضان لعلنا ندرك فضل ليلة القدر.
ختاما عباد الله، فلننتهز هذه الفرصة التي أقبلت علينا، ولنتعرض لنفحاتها، ولنحذر أن تلوثوها بالشرور والمساوئ والأحقاد والضغائن، فكل من يتخاصم ويتشاجر ويظلم غيره، ويستولي على حقوقهم فهو بعيد عن إدراك فضل هذه الليلة، فاحرصوا على مسامحة بعضكم والاعتذار والعفو عن بعضكم البعض.نسأل المولى عز وجل أن يجعلنا من الذين شاء أن يدركوا فضل هذه الليلة المباركة وأن يكتبنا عنده من العتقاء من النار، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء لمولانا أمير المؤمنين ولكافة المسلمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *