فضل إحياء ليلة القدر المباركة

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال ولعظيم سلطانك، سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، و أشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله ، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.أما بعد فيا عباد الله،
يقول الحق سبحانه في كتابه الكريم: (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر  تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر)، وصدق ذالكم العبد الصالح الزاهد الورع الذي قال: “وكل من رأيته أو لقيته فالخضر اعتقد وكل الليالي ليلة القدر فاجتهد”. نعم أيها الإخوة الكرام وكل الليالي ليلة القدر فاجتهد، هكذا ينبغي أن يكون حالنا في رمضان وفي غير رمضان مع الله تعالى، لأنه خلقنا لعبادته، ولم يخلقنا لشيء آخر، قال الله تعالى: (وما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون)، فليالينا كلها يجب أن تكون عبادة و طاعة لله عز وجل، وكلها ينبغي أن تكون عندنا بمثابة ليلة القدر وخاصة في أيام هذا الشهر المبارك التي يجب أن نعبر فيها عن اصطلاحنا مع الله، وعن إقبالنا عليه، وعن سيرنا إليه، والرحلة إلى الله مستمرة، الرحلة إلى الله لا تنقطع، قال تعالى: (واعبد ربك حتى ياتيك اليقين). وما اليقين أيها الإخوة الكرام غير الموت، سر إلى الله أيها المسلم، وضع منهاج الرحلة بينك وبين الله عز وجل، ولا تمل، وليكن شعارك قوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب).ها هي ذي العشر الأواخر قد أوشكت على النهاية، وهي أفضل ما في هذا الشهر المبارك، إذ فيها ليلة القدر التي قال عز وجل: (ليلة القدر خير من ألف شهر)، فالمفروض في هذه الأيام أن نزداد حبا لله، وأن نزداد إقبالا عليه، وبالجملة أن نصطلح معه ونتوب إليه، ونكثر من أعمال الخير في هذه الأيام، وأن نصلي ونكثر من الركوع والسجود ونوافل الطاعات، ونقرأ القرآن ونتدبره ونحسن إلى أهله، ونزور الأقارب وننفق على الفقراء والأرامل والمساكين، ونطعم الجياع ونكسو العريانين ونكثر الذكر مع الذاكرين، فكل هذه أيها الإخوة الكرام أعمال خيرة وعبادات حسنة وطاعات قيمة يمكن أن نحيي بها هذه العشر الأواخر من رمضان  لعلنا ندرك فضل ليلة القدر.يقول تعالى: (إن أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر)،
أحب من كل واحد منكم أيها الإخوة والأخوات أن   يتأمل  في هذا الوصف الرباني لهذه الليلة وتأملوا في قوله: ( وما أدراك ما ليلة القدر)، هل تتصورون عظمتها وأهميتها، لقد صح عن المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم قال: “من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه” وفي رواية : “غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر”، وروى الإمام أحمد في مسنده من حديث عبادة ابن الصامت قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ليلة القدر فقال: “التمسوها في ليلة الواحد والعشرين أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين أو سبع وعشرين أو تسع وعشرين أواخر رمضان، من قامها احتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر” أي غفرت له ذنوبه كلها،
وقيام هذه الليلة أقله يتم بشهود صلاة العشاء مع الجماعة وحضور صلاة التراويح كاملة في المساجد، وأتمه أن يجافي أحدنا نفسه عن مضجعه في تلك الليلة، وأن يقبل إلى مولاه وخالقه سبحانه وتعالى، مستغفرا إياه نادما يطرق باب الصفح الإلهي أن يصفح مولاه عن ذنوبه كلها.
ومن الناس من يتصورون أن ليلة القدر محصورة ومخبوءة في ليلة السابع والعشرين وهي رقية من رقى الشيطان أيها الإخوة، هذا الهاجس استقر في أذهان كثير من الناس لكي يعرضوا عن الإقبال على الله عز وجل في الليالي الأخرى ظنا منهم بأن ليلة القدر محصورة في ليلة السابع والعشرين، إذن فلا داعي إلى أن نحتفي بها في ليلة الحادي والعشرين أو الثالث و العشرين أو الخامس و العشرين أو التاسع والعشرين، اعلموا أيها الإخوة والأخوات أن الله تعالى أخفاها عنا لحكمة أن نجتهد في كل هذه الليالي لعلنا ندرك فضلها، فكل الليالي ليلة القدر فاجتهد أيها المسلم.
أيها الإخوة الكرام ينبغي أن أعود فأبين أن الأمور بخواتمها، ولا يجب أن يكون إقبالنا على الله تعالى في خط تنازلي، في أول الشهر استبشرنا بقدوم هذا الشهر  وهرعنا نعمر المساجد ونسارع في الخير ، حتى إذا جاءت العشر الأواخر منه، وهي اللب وهي المقصود، مللنا وسأمنا من العبادة والطاعة والإقبال على الله وهجرنا المساجد وتركنا أعمال الخير، لا تدعوا الشيطان يسيطر على أفئدتكم ويحبب إليكم الكسل  والدعة ويزين لكم الهوى والشهوات، ارجعوا واعلموا أن الأعمال  بخواتمها، احرصوا أن تكون هذه الأيام المتبقية أحسن من الأول. أخرج الإمام البيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أعطيت أمتي في شهر رمضان خمسا لم يعطهن إنس قبلي: أما واحدة، فإنه إذا كان أول ليلة من شهر رمضان نظر الله إليهم ومن نظر الله إليه لم يعذبه ابدا، وأما الثانية، فإنه خلوف أفواههم حين  يمسون أطيب عند الله من ريح المسك، وأما الثالثة: فإن الملائكة تستغفر لهم في كل يوم وليلة، وأما الرابعة فإن الله يأمر جنته فيقول لها استعدي وتزيني لعبادي أوشك أن يستريحوا من تعب الدنيا إلى داري وكرامتي، وأما الخامسة: فإذا كان آخر ليلة غفر لهم جميعا، فقال رجل من القوم: هي ليلة القدر، فقال لا، ألم تر إلى العمال يعملون فإذا فرغوا من أعمالهم أعطوا أجورهم. أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله و صحبه ومن ولاه.
أما بعد، فيا عباد الله،
إن هذه الليلة ليلة شريفة عظيمة القدر والبركة عند الله فعظموها، وفيها يقدر الله ما يكون في السنة كلها قال الله تعالى: (فيها يفرق كل أمر حكيم)، فاسألوا الله تعالى أن يسوق إلينا وإليكم الخيرات ويصرف عنا وعنكم المضرات في العام كله وأن يقدر علينا وعليكم مقادير الخير وأن يلطف بنا وبكم في كل ذلك، وفي هذه الليلة المباركة تتنزل الملائكة والروح سيدنا جبريل عليه السلام بكل أمر،  قال صلى الله عليه وسلم: “إن الملائكة تلك الليلة أكثر في الأرض من عدد الحصى”. فاحترموا وجود الملائكة بينكم واستشعروا بركة ذلك واستغرقوا في الدعاء والالتجاء إلى الله، وهذه الليلة إنما شرفت لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر، بواسطة ملك ذي قدر على رسول ذي قدر وأمة ذات قدر، فاكثروا من الطاعات فيها لأن للطاعات فيها قدرا عظيما، واعلوا أن من أحياها إيمانا واحتسابا صار ذا قدر.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر إذا دخل العشر الأواخر أحيى الليل وأيقظ أهله وشد المئزر- أي اعتزل النساء واشتد في العبادة- وعن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله: أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي: “اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفوا عني”.
وفي الموطأ قال الإمام مالك رضي الله عنه إنه سمع من يثق به من أهل العلم يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أري أعمار الناس قبله أو ما شاء الله من ذلك فكأنه تقاصر أعمار أمته أن لا يبلغوا من العمل  مثل ما بلغ غيرهم في طول العمر  فأعطاه الله “ليلة القدر خير من ألف شهر”، فانتهزوا أيها الإخوة الكرام هذه الفرصة التي أقبلت عليكم وتعرضوا لنفحاتها واحذروا أن تلوثوها بالشرور والمساوئ والأحقاد والضغائن فإنه ثبت في الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال : “خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى رجلان –أي تخاصم وتشاجر- فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم، فالتمسوا في التاسعة والسابعة والخامسة “لذلك فكل من لا يعظم هذه الأيام بعبادة ربه وطاعته وكل من يتخاصم مع المسلمين من الناس ويتشاجر معهم ويظلمهم ويستولي على حقوقهم فهو بعيد عن إدراك فضل هذه الليلة، فاحرصوا على مسامحة بعضكم والاعتذار والعفو عن بعضكم البعض.نسأل المولى عز وجل أن يجعلنا من الذين شاء أن يدركهم فضل هذه الليلة المباركة وأن يكتبنا عند الله من المعتوقين من النار.
وأختم بحديث عظيم أحب أن تمعنوا فيه النظر وتعملوا بما جاء فيه، رواه الإمام البيهقي  عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “حتى إذا كانت ليلة القدر، يهبط سيدنا جبريل عليه السلام في كبكبة من الملائكة عليهم السلام فيسلمون على كل قائم وقاعد ومصل وذاكر، يصافحونهم ويؤمنون على دعائهم حتى يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر ينادي جبريل معاشر الملائكة الرحيل الرحيل، فيقولون: يا جبريل: فما صنع الله في حوائج المؤمنين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول جبريل : نظر الله إليهم في هذه الليلة فعفا عنهم وغفر لهم إلا أربعة، قلنا يا رسول الله من هم؟ قال رجل مدمن خمر، وعاق لوالديه، وقاطع رحم ومشاحن، قلنا يا رسول الله ما المشاحن ؟ قال : هو المصارم”.
الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *