فاكهة المجالس: الغيبة

بسم الله الرحمن الرحيم

فاكهة المجالس: الغيبة

الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير

الحمد لله الذي خلق الإنسان وعلمه البيان، ونهاه عن الغيبة والنميمة والكذب وآفات اللسان، نحمده تعالى ونشكره على ما أولانا به من فضل وإحسان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها دخول الجنان، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المؤيد بالمعجزات والبرهان، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين كان شعارهم الصدق والإيمان وسلم تسليما كثيرا ما تعاقبت الليالي وتوالت الأزمان،

أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، اتقوا الله في أنفسكم، وتحفظوا من آفات ألسنتكم، فإن كلامكم محفوظ عليكم، ومسجل في كتاب عند ربكم، ذلكم الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها عليكم، قال الله تعالى محذرا عباده  مما يتلفظون به: “ما يلفِظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”، وقال أيضا: “وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم”، وقد أمر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بالصمت إلا إذا كان الكلام خيرا، فقال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت”، من هذا المنطلق، أردت اليوم أن أحدثكم عن موضوع هو في غاية الأهمية، ينبغي أن نكون جميعا منه على بال،  إنه”فاكهة المجالس”، أتدرون ما هي الفاكهة؟ إنها “الغيبة”، إنها نهش أعراض المسلمين، وقد انتشر هذا المرض العظال بين عامة المسلمين وخواصهم، لا يكاد صنف من المجتمع ينجو منه، ومن الوقوع فيه، إذ لا يستقر مجلس إلا بهذه الفاكهة، ولا تستحسن السهرات إلا بذكرها، حتى كادت تعم مجالس المسلمين والمسلمات، إلا من رحم ربك، فرائحة الغيبة المنتنة أصبحت تفوح من المجالس الخاصة والعامة تشتمها على قارعة الطريق، وفي التجمعات، وفي الوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي الذي فرق الجماعات، وقضى على وشائج الأخوة بين الأسر والعائلات، المواصلات، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أيها الإخوة المؤمنون، اعلموا أن الله تبارك وتعالى قد نهانا عن الغيبة، وصور سبحانه المغتاب بأقبح صورة في كتابه الكريم، وشبهه بأقذر حيوان فقال سبحانه: “ولا يغتب بعضكم بعضا، أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه، واتقوا الله إن الله تواب رحيم”، فقد شبه سبحانه المغتاب بالكلب، والكلب هو الحيوان الوحيد الذي يأكل لحم أخيه بعد موته، فالأسد لا يفعلها، وكذلك سائر الحيوانات، الكل يشمئز منها ولا يفعلها، لا يفعلها إلا الكلب، ولو كشف عنا الغطاء لرأينا معظم مجالس الناس اليوم بين أيديهم مسلم ينهشون في لحمه، كل منهم يتناول قطعة منها ولا تجد أحدا يرد عن عرض أخيه أو يدفع عنه لينقذ لحمه من بين مخالبهم وأنيابهم،

واعلم أخي المسلم واعلمي أختي المسلمة، أن ذكرك أخاك في غيبته بما يكره محرم عليك، ففي صحيح الإمام مسلم من حديث أبي هريرة (ض) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه”، وعرضه هو شرفه وكرامته، وسيرته. واعلم أخي المسلم أنه لن يسلم لك إسلامك ولن يتحقق لك كمال إيمانك إلا إذا سلم المسلمون من شر لسانك، فقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (ض) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”،

أخي المسلم انك إذا أطلقت لسانك في أعراض المسلمين فإن ذلك دليل على أن الإيمان لم يستقر في قلبك لمنعك من اغتياب الناس، فقد روى أبو داود من حديث أبي برزة الأسلمي (ض) قال: “خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتهن، قال: “يا معشر من آمن بلسانه ولم يومن بقلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عورة أخيه يتبع الله  عورته حتى يفضحه في جوف بيته”، أيها المؤمنون، إذا كان ذكر الله تعالى يقوي الإيمان في الذاكرين، فإن ذكر الناس يضعف الإيمان ويقرب العبد من الشيطان، قيل للحسن البصري إن فلانا قد اغتابك، فبعث له الحسن رطبا على طبق وقال له: (قد بلغني أنك أهديت إلي من حسناتك، فأردت أن أكافئك عليها، فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك عليها على التمام). فاللهم إنك تعلم ذنوبنا فاغفرها، وعيوبنا فاسترها، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، مسكين هذا الرجل الذي يحافظ على الصلاة في جماعة، ويحافظ على أذكار الصباح والمساء، ولا يمر يوم إلا وقد قرأ  جزءا من كتاب ربه عز وجل، ولكنه رغم ذلك يبيت يوم يبيت ولا حسنة له، إنه وزعها على الناس الذين اغتابهم، فرقها بلا حساب، لأنه لا يجلس في مجلس إلا ويتناول أعراض الناس، حقا إنه المفلس، يجمع الحسنات ولا ينتفع بها، ويتعب في جمعها ولا يستفيد، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال كما ثبت في صحيح مسلم: “أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال الحبيب (ص): “المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار”،

فاحذروا إخوتي من كثرة الكلام الذي لا فائدة فيه، فإنه يؤدي إلى قساوة القلب كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: “لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس عن الله القلب القاسي”.  ولنا مع هذا الموضوع وقفة في الجمعة المقبلة بإذن الله، وإلى ذلك الحين، أوصاني ربي وإياكم من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد المرسلين،  فقال: “إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، الدعاء.

خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة 25 ربيع الثاني 1442 موافق 11 دجنبر 2020   

 

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *