عمارة المساجد سنة تالدة وعبادة خالدة
عمارة المساجد سنة تالدة وعبادة خالدة
الأستاذ المهدي البريشي، خطبة الجمعة بمسجد الزاوية الدرقاوية البصيرية بحي الداخلة بالحبوس الدار البيضاء
الخطبة الأولى :
الحمد لله المتفرد باسمه الأسمى، المختص بالملك الأعز الأحمى، الذي ليس دونه منتهى و لا وراءه مرمى، الظاهر لا تخيلا ولا ووهما، الباطن لا تقدسا وعدما، وسع كل شيء رحمة وعلما، وبعث في الناس رسولا من أنفُسهم أنفَسهم عربا وعجما، وأزكاهم محتدا ومنمى، وأقواهم يقينا وعزما، وأشدهم بهم رأفة ورحما، زكاه ربه روحا وجسما، وحاشاه عيبا ووصما، وفتح به أعينا عميا وقلوبا غلفا وآذانا صما، فآمن به وصدقه من جعل الله له في مغنم السعادة قسما وكذب به وصدف عن آياته من كتب عليه الشقاء حتما، ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا، صلى الله عليه صلاة تنمو وتنمى وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد؛
معاشر الصالحين:
إن هذا الدين الذي شرفنا به، و أكرمنا به، و أغرمنا به، كامل في مبانيه، رائع في معانيه، حصونه منيعة، أحكامه رفيعة، لاتعتريه الفرقة ولا تعلق به من الشبه علقة، فريد في تجليه، متجل في تفرده، و من الشواهد عنايته بالمساجد و إضافتها لله الأحد الواحد قال تعالى: {و أن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدًا } وفي مثل هذا يقال قطعت جاهزة قول كل خطيب، فهل بعد هذه الإضافة من إضافة؟
وقد صرح ربنا بالنسبة لتعرف الرتبة.
فالمسجد من حيث اللغة موضع السجود، و السجود جزء من الصلاة، بل أشرف مافي الصلاة، والصلاة عمود الدين. ولكن أنى للمساجد أن تنحصرَ في فعل الراكع و الساجد، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “وجعلت لي الأرض مسجدا و طهورا” فما الحاجة للتشييد؟ وما الباعث على حض العبيد؟ للعمارة بالحصر والتأكيد قال تعالى {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله و اليوم الآخر } و العمارة حسية و معنوية. ومن ثم يفهم العهد الذي أخذ على أبينا إبراهيم وولده إسماعيل في قوله تعالى {وعهدنا إلى إبراهيم و إسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود} و قبل التطهير و التنوير الرفع و التعمير {و إذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و إسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم} و سؤال القبول دليل عظيم الثواب المأمول.
فهذا البيت الأول الذي قال عنه الله جل في علاه {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا و هدى لعالمين}
و تأملوا قوله تعالى مباركا، و هدى للعالمين، فالمسجد بركة بل بركات و رحمة بل رحمات و هداية بل هدايات.
ونردف في الذكر مسجد بيت المقدس الذي قال عنه الله تعالى {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله} فالبركة لبيت الله لازمة مقصدا وموردا.
وهذا المسجد النبوي الذي حوى أعظم المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”مابين بيتي و منبري روضة من رياض الجنة و منبري على حوضي”
و قد حفظ التاريخ عناية المغاربة بهذه المساجد الثلاثة و سجل أوقافا أوقفوها عليها.
وقبل المسجد النبوي لننظر جميعا إلى فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقام أيامًا بقباء فبنى بها مسجدا ليقام فيه ماجعل المسجد له .
وقد فهم هذا المعنى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فبنى عمروا بن العاص مسجد الفسطاط، وبنى الأمويون مسجد دمشق، وبنى العباسيون مسجد بغداد.
وتوالت المساجد رفعا لما حقه الرفع ودفعا لما حقه الدفع.
نفعنا الله وإياكم بالقرآن العظيم وبحديث سيد المرسلين وبما فيهما من الآيات والذكر الحكيم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه و الشكر له على إعطائه و امتنانه و الصلاة و السلام على آله و صحبه و أزواجه و ذريته و إخوانه.
و بعد؛
إن للسادة لمغاربة نصيب عظيم من العناية بعمارة المساجد :
فهذا مسجد عقبة بن نافع الفهري بغمارة على ساحل المتوسط في القرن الهجري الأول.
وبعده مسجد رباط شاكر و شاكر من أصحاب عقبة وقد اندثرت معالمه.
ثم مسجد موسى بن نصير بضواحي تطوان.
وكذا مسجد أغمات أيلان.
و مسجد طارق بن زياد بالشرفات.
ثم لنذكر المساجد التي أرخت مجد المغاربة:
كجامع القرويين وجامع ابن يوسف وجامع الكتبية وجامع مولاي اليزيد وجامع السنة وجامع أهل فاس.
ولا ننسى المعلمة الكبرى للدار البيضاء و هو مسجد الحسن الثاني التي يبرز كبير العناية التي أولاها السلاطين العلويين للمساجد وعلى جلالة المغفور له الملك الحسن الثاني.
وهذا عهد مولانا محمد السادس الذي سن سنة لم يسبقه إليها أحد بأن اتخد يوما للمساجد وقد بلغت المساجد في عهده حوالي ستين ألفا.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
وعلى آله وصحبه أجمعين وفاطمة الزهراء وبنيها المتقين ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الستة الباقين من العشرة اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا يامولانا في زمرتهم واجعلنا على آثارهم يا أكرم مجيب وياخير مستجيب، والنصر اللهم قائد البلاد ورائدها عبدك الخاضع لجلالك أمير المؤمنين سادس المحمدين
هيع اللهم طريقه وأعن على الحق جنده وفريقه وشافه اللهم وعافه واحفظ ولي عهده المولى الحسن أنبته اللهم النبات الحسن وصنوه السعيد المولى رشيد وسائر أسرته وشعبه آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.