“على كل سلامى من الناس صدقة” الجزء الثالث: الكلمة الطيبة”
“على كل سلامى من الناس صدقة” الجزء الثالث: الكلمة الطيبة”
الأستاذ مولاي يوسف بصير
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ونشكره على أن هدانا سبله، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب على كل سلامى من الناس صدقة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، القائل: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ” ﷺ وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون،في الجمعة الماضية بدأنا شرح حديث نبينا المصطفى ﷺ الذي رواه الشيخان البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله ﷺ: “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، وفي الجمعتين الماضيتين حاولنا الوقوف على مقصد النبي ﷺ في قوله: “كل يوم تطلع فيه الشمس تعدل بين اثنين صدقة، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ “، واليوم بحول الله نتوقف للحديث على الصنف الثالث من أنواع الصدقات التي تعتبر زكاة عن نعمة الصحة البدنية التي حبانا الله تعالى بها، والتي قصدها النبي ﷺ في هذا الحديث بقوله: “ والكلمة الطيبة صدقةٌ”، فنقول وبالله التوفيق، أيها الإخوة المؤمنون، لقد جعل نبينا ﷺ الكلمة الطيبة صنفا من أصناف العبادات التي يزكي بها الإنسان عن نعمة الصحة والعافية التي متعه الله تعالى بها، وهذا لعمري من كمال الذوق الإسلامي الذي يشار إليه في زماننا الحالي بالكاريزما، أن يكون منطق الإنسان طيبا، ولا يتلفظ إلا بالكلمة الطيبة، وذلك لأن وسيلة تواصلك مع مجتمعك أيها المؤمن هي كلامك، الذي ينبغي أن يحمل جميع القيم التي جاء بها دينك، تأمل معي في هذه الصورة من المشاهد القرآنية التي نقرأها ونتعبد الله تعالى بتلاوتها، قال جل وعلا: “أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ”، أيها المؤمنون، إن المقصود بالكلمة الطيبة هي كل ما يوافق الشرع من ألفاظ وأساليب، خفيفة العبارات، مهذبة المعاني، تَسُرُّ السامعين، وتؤثر فيهم، تشتاق إليها النفوس، وتؤلف القلوب، تفتح أبواب الخير، وتغلق أبواب الشر، وتترك أثرًا صالحًا في كل وقت، فما أحوجنا اليوم أكثر من أي وقت مضى من تعلم النطق بالكلام الطيب، لآن الملاحظ في مجتمعنا أن شبابنا وشاباتنا ورجالنا ونساءنا نسوا أن الكلمة الطيبة عبادة وعملة إذا تم ترويجها سنكتسب من خلالها مجتمعا فاضلا متسامحا خدوما نافعا لنفسه وللأمة جميعا، أما إذا بقينا على ما نحن فيه الآن من الإغفال عن التعامل بالكلام الطيب، فسنجي أكثر مما نحن فيه من عدم توقير صغيرنا لكبيرنا، والتسامح فيما بيننا، وسنوسع هوة الحقد والكراهية والبغضاء التي تسقى بما تحمله الكلمة الخبيثة من جذور الأخلاق الخبيثة والخلال الرذيلة، أيها الإخوة المؤمنون، عندما يوجهنا النبي ﷺ إلى الكلمة الطيبة التي يدعو إليها قرآن ربنا وسنة نبينا، فإنما يدعونا إلى ما يكون نافعا لنا قبل غيرنا، فأنت أيها الأخ المؤمن أحوج ما تكون إلى الكلمة الطيبة من غيرك، يقول سيدنا رسول الله ﷺ مبينا فضلها: “إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً، يرفع الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم”، وقال ﷺ في نصيحته لسيدنا معاذ ابن جبل مجملا بعد تفصيل: “…ألا أخبرك بمِلاكِ ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله. فأخذ بلسانه قال: كُفَّ عليك هذا. فقلت: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثَكِلَتْكَ أمُّك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوهِهم –أو قال على مَناخِرهم- إلا حصائدُ ألسنتِهم”، أيها الإخوة المؤمنون، أخرج الترمذي عن سيدنا علي (ض) قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: “إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ”، وعن سيدنا المقدام بن شريح عن أبيه عن جده (ض) قال: قلت يا رسول الله حدثني بشيء يوجب لي الجنة، قال: “موجب الجنة: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وحسن الكلام”، فبالكلمة الطيبة تتآلف القلوب، قال تعالى: “وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ”، وهي دليل على صدق الإيمان، أخرج الشيخان من حديث أبي هُرَيْرَةَ (ض)، عَنْ سيدنا رَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَ: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ”، ومن ثمار الكلمة الطيبة أنها سبب لمغفرة الذنوب قال ﷺ: “إِنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الْمَغْفِرَةِ بَذْلُ السَّلامِ، وَحُسْنُ الْكَلامِ”، وبالتالي فهي سبب في النجاة من النار، أخرج الشيخان عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّارَ فَأَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثُمَّ قَالَ: “اتَّقُوا النَّارَ”، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا، ثُمَّ قَالَ: “اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ”، وهي سبب لقبول الأعمال قال تعالى: “إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ”، فاللهم زيننا بحسن الأخلاق، وزين منطقنا وجمله بالكلام الطيب الذي نستحق به رضاك ورضوانك، ونسألك يا مولانا دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة المؤمنون، الكلمة الطيبة من تلاوة قرآن، أو ذكر الله، أو أمر بمعروف، ونهي عن منكر ،تعد لك عند الله صدقة، والآذان والإقامة والتعليم والخطابة في المساجد وتأليف الكتب لنفع الراغبين والمسترشدين، كل هذا يحبه الله ويرفع أهله ويعده لهم صدقة، والله تعالى يقول: “ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين”، ورد السائل بالحسنى أحب إليه وإلى الله من قهره بالعطاء، وإذلاله بالصدقة، قال تعالى: “قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى والله غني حليم”، ما أحوجنا اليوم إلى الكلمة الطيبة في تعاملنا مع الوالدين،قال تعالى: ” وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ” ، وما أحوجنا إليها في تعاملنا مع أزواجنا، قال ﷺ حين سأله أحد أصحابه: ما حقُّ زوجِ أحدِنا عليه؟ قال: “تُطعمها إذا أكلتَ، وتَكسوها إذا اكتسيتَ، ولا تَضرب الوجه ولا تُقبِّح، ولا تهجر إلا في البيت”، وما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة في تعاملنا مع ذوي الأرحام، قال تعالى: ” وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ”، وما أحوجنا إليها في تعاملنا اليومي مع جيراننا ومع من نلتقي به في طرقاتنا، ومع من يسدي إلينا أو نسدي إليه عملا مما كلفنا به ربنا في هذه الحياة، وساء في وظائفنا أو تجاراتنا أو مهننا أو اسواقنا، قال ﷺ : “رَحم الله رجلاً، سَمحًا إذا باعَ، وإذا اشترى، وإذا اقتَضَى”، وما أحوجنا إلى الكلمة الطيبة في تعاملنا حتى مع المذنبين والخطائين، فكم ضال هداه الله بسماع كلمة طيبة ونصيحة مشوقة إلى ما أعده الله تعالى للتائبين، فاجعل أخي المؤمن كلمتك إكسيرا تحيا بها النفوس، وتبتهج بسماعها الأرواح، وتمثل قول الله تعالى في وصف نبينا ﷺ حين قال: ” وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ”، ولنتأدب بآدابه حيث قال ﷺ: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء”. الدعاء.