على كل سلامى من الناس صدقة ” الجزء الأول: العدل بين اثنين”

على كل سلامى من الناس صدقة ” الجزء الأول: العدل بين اثنين”

الأستاذ مولاي يوسف بصير

بسم الله الرحمن الرحيم     

الحمد لله، الحمد لله حمدا كثيرا يوافي نعمه، ويكافئ مزيده، ونشكره على أن هدانا سبله، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كتب على كل سلامى من الناس صدقة، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، القائل: “كل معروف صدقة، ومن المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إنائه”، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقائ به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، روى البخاري ومسلم عن سيدنا أبي هريرة (ض) قال: قال رسول الله : “كل سُلَامَى من الناس عليه صدقةٌ، كل يومٍ تطلع فيه الشمس: تعدل بين اثنين صدقةٌ، وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له متاعه صدقةٌ، والكلمة الطيبة صدقةٌ، وبكل خطوةٍ تمشيها إلى الصلاة صدقةٌ، وتميط الأذى عن الطريق صدقةٌ”، أخي المسلم، جاء في هذا الحديث القيم أن على كل سلامى من الناس صدقة، والسلامى واحد السلاميات، وهو المفصل من الجسم الإنساني المشتمل على ثلاثمائة وستين مفصلا (عظما)، أو هو ملتقى العظام في الجسم، والمراد بذكرها والله أعلم، أن لِله سبحانه وتعالى على عبده فضلا كبيرا، ونعما كثيرة لا تعد ولا تحصى، ومنها حركة الجسم التي يجب شكره عليها، والاعتراف له بها، وصرفها فيما خلقت لأجله من طاعة ربها وخدمة خالقها، وهو القائل “وما بكم من نعمة فمن الله”، وقال: “وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها”، والشكر يستوجب المزيد من المشكور، ومن استعمل في طاعة ربه عز وجل نفسه وماله وجوارحه ومواهبه وما أعطاه مولاه فقد استحق عليه دوام نعمته والزيادة من فضله، وألا يحاسبه الله عليها ، بل يقول له كما قال لسليمان عليه السلام، “هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب”، وسيدنا سليمان هو القائل في أبهة ملكه، ورفعة جاهه، وقوة سلطانه، اعترافا بعطاء ربه، وشكرا لنعمه: “ هَٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّے لِيَبْلُوَنِيَ ءَاشْكُرُ أَمَ اَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّے غَنِيّ كَرِيم “. أيها المسلمون، إن أعظم نعمة وأجل عطاء بعد الإسلام هي نعمة الصحة، ذلكم التاج الذي لا يراه إلا المرضى، ثم استقامة الخلق، وحسن التركيب في جسمك الذي خلقه الله في أحسن تقويم، فتبارك ربك الكريم “الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك” حتى تميزت عن الملايين من خلق ربك بصورة خاصة، ونغمة صوتية خاصة، وتلا عليك قوله: “ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم، إن في ذلك لآيات للعالمين”، وانظر أخي العاقل إلى ما حولك، فهذا له صوت أجش، وذلك له صوت رخيم، وهذا له لسان ثقيل، وذاك له لسان فصيح، وهذا له بشرة ناعمة بيضاء، وذاك له بشرة خشنة سوداء، وهذا له وجه قبيح، وآخر له وجه جميل وصبيح، ليتذكر من يتذكر، ويتفكر من يتفكر، والله تعالى يقول: “ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء، إن الله عزيز غفور”، والذي جعلك يا أخي ناطقا بلحم، وسامعا بعظم، ومبصرا بشحم، وأودع فيك ما فيه ذكرى للذاكرين، وعظة للمستبصرين، هو الذي خلقك لعبادته، وأمرك ألا تفتر عن ذكره، ولا تقصر في طاعته، وألا تصرف نعمه التي أسبغ عليك في معصيته، وقال: “وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد”، ولئن عجزت يا عبد الله عن الخير كله، فلست بعاجز عن ترك الشر كله، ومجانبة أهله، ومفارقة فاعليه، واعلم أن على كل عضو منك صدقة تتقرب بها إلى الله، وتتوسل بها إليه ليديم عليك عافيته، ويدخلك رحمته، ويدفع عنك المصائب والأمراض بقدرته. أيها الضعيف الذي لو تألم ظفرك أو مفصل صغير في كفك أو قدمك لأختل توازنك، وضاع صوابك، وضاقت عليك الدنيا بما رحبت، اعلم أنه ليس كل أحد منا بقادر على صدقة مالية يقدمها إلى فقير أو مسكين أو مريض، لذلك جعل الله طرق الخير كثيرة، وأبواب الفضل وفيرة، وحسب لك الأعمال الصالحة كلها صدقة مقبولة، وهذا رسول الله يرشدنا إلى التصدق بما لا مشقة فيه، ولا كلفة على المتقربين به إلى الله، وهو يتمثل في ستة أشياء يجعلها في هذا الحديث من الصدقة التي يزكي بها الإنسان على مفاصله، ويحمد بها ربه عن أداء كل عضو من أعضائه لوظيفته، وهي أن تعدل بين اثنين متحاكمين أو متخاصمين أو متهاجرين، فتنصف المظلوم وتصبره على ما فات من حقه، وتأمره بالعفو والمسامحة، والتنازل عن بعض ماله لأخيه المسلم في سبيل الأخوة الدينية، واستبقاء للمحبة بين المؤمنين، وتكف الظالم عن ظلمه، فتخوفه بالله، وتذكره بأيام الله، وتعاتبه أو تعاقبه إن أصر على ذنبه بما يستحق من حبس أو تعزير أو ضرب أو تخسير إن كان ذلك بمقدورك ومن مهمتك، ولا يكون العدل بين المتخاصمين إلا بصلح لا يحل حراما ولا يحرم حلالا، قال تعالى: “والصلح خير”، وقال أيضا: “وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا، إن الله يحب المقسطين، إنما المؤمنون إخوة، فأصلحوا بين أخويكم، واتقوا الله لعلكم ترحمون”، فاللهم إنا نسألك دوام العافية، وتمام العافية، والشكر على العافية، والغنى عن الناس، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، قال : “ألا أخبركم بأفضل من درجات الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا بلى يا رسول الله، قال: إصلاح ذات البين، وقال : “فساد ذات البين هي الحالقة”، وقال لأبي أيوب الأنصاري (ض): “يا أبا أيوب ألا أدلك على صدقة يُرضي اللهَ ورسولَه موضعٌها؟ قال بلى، قال : “تصلح بين الناس إذا تفاسدوا، أو تقرب بينهم إذا تباعدوا”. والتعاون من أخلاق الذين يبنون الأمم، وينظمون المجتمعات، ويعمرون البلاد، وتسعد بهم الأمة، ويتقوى بهم المجتمع، والمرء قليل بنفسه كثير بأخيه، “والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه”، ولنا عودة لهذا الموضوع في خطب مقبلة بإذن الله.  الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *