علم وذكر

علم وذكر

خطبة الأستاذ المهدي البريشي بمسجد الزاوية البصيرية بالحبوس بالدار البيضاءالجمعة 27 جمادى الآخر 1444ه الموافق 20 يناير 2023

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي لم يستفتح بأفضل من اسمه كلام، ولم يستنجح بأحسن من صنعه مرام، مانح الأعلاق وفاتح الأغلاق وقاسم الأرزاق وجاعل العلماء أعلى الناس مرتبة بعد الأنبياء باتفاق، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، النبي المختار المقتعد ذروة الكمال والفخار،المنتسب لأطيب عرق وأكرم نجار المتحلي بألوان الأذكار ماتعاقب الليل والنهار، وعلى آله الأطهار وصحابته الأبرار ومن اقتفى أثرهم بإحسان إلى تلكم الدار.

وبعد؛

تكلمنا في الجمعة الماضية عن نعمتين عظيمتين غبن فيهما كثير من الناس، هما الصحة والفراغ.

واليوم عباد الله سنحدثكم عن أمرين جليلين بهما بدأ رب الناس في إرشاد الناس إلى ما يقوم به الأساس.

قال تعالى في أول ما قال: “اقرأ باسم ربك الذي خلق”. يا الله يا وهاب، ما أجله من خطاب، نقلنا من أسف التراب إلى ذروة الاقتراب، حتى أوقفنا على الأعتاب وفتح لنا الباب، لنخرج بذلك من ظلمة الاغتراب إلى نور أولي الألباب.

أمر بالقراءة المسددة بالذكر، علم وذكر بهما يرتفع القدر. لذلك قال جل من قائل:” الرحمان علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان”. فالقرآن علم، ولو لم يكن علما لما علمناه الله، فالله تعالى يعلِّم ماهو علم، والقرآن ذكر إذ جعله ذكرا للعالمين، فيه الذكر والذكرى وفيه الإفهام والإعلام بما ينتظر الأنام. وقد دعا فيه للقرن بين الذكر والعلم في كل حين فقال سبحانه “فاعلم أنه لا إله إلا هو واستغفر لذنبك”. فإن العلم لم يضر الناس حتى انفك عن الذكر.

ولقد ندبنا ربنا الكريم ونبينا عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في العلم ندبا وحظنا على الانخراط في سلك العلم المتين.يكفي أن يقرأ القارئ كتاب الله فيعرف ذلك.

قال تعالى: “شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط” الأناسي كثيرة وأصنافهم كثيرة وربنا جل في علاه اختار أولي العلم وحدهم من الناس ليشهدوا على أعظم شهادة في الدنيا هي شهادة أن لا إله إلا الله ، شهد الله بذاته العلية جل جلاله والملائكة وهم ليسوا من البشر وأولوا العلم، لماذا لم يشهد ربنا أولي الغنى أولي المال لو كان قدرهم عنده كقدر أولي العلم، لماذا لم يشهد ربنا أولي القوة أولي السلطة أولي الجاه ؟ لماذا لم يشهد ربنا أولي النسب والحسب ؟ أشهد ربنا أولي العلم وقرنهم بذاته، الله تعالى هو الشاهد والملائكة وأولوا العلم، فجعلهم محل الثقة، فأنا وأنتم إذا أردنا شاهدا نُشهد من نثق فيه.

وقال تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء” أليس كل واحد منا ذكرا كان أو أنثى يريد أن يكون من أهل الخشية؟ كلنا نريد أن نخاف الله لكن الله يخبرنا أن تلك الطريق مسدودة حتى تكون من أهل العلم، إنما في اللغة أداة حصر وقصر فهم محصورون في أولي الخشية وهم ألوا العلم، فضروري أن تذهب عند معلم يعلمك ما أمرك الله به كيفما كنت : نجارا، خضارا، صباغا، سباكا، طبيبا مهندسا، كيفما كنت ،فما درسته شيئ آخر غير ما يجب عليك تعلمه قال تعالى في حق من تعلم مالا صلة له بالدلالة على الآخرة”يعلمون ظاهرا من القول”، فيلزمك تعلم ما يرزقك الله به الخشية، “إنما يخشى الله من عباده العلماء” قال الإمام النسائي : العلماء به العارفون له.

ربنا يقول لنا في كتابه: “يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” لماذا لم يرفع ربنا غبر أولي العلم؟ ربنا يقول لنا: لا بد لنا من ذلك النصيب الذي تكون به الرفعة، ألست تريد أن تكون من المرفوعين عند رب العالمين؟ فربنا أرشدنا الطريق:” يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات” العلم مع الذكر، قال تعالى: قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الالباب” ربنا يقول لنبيه هل يستوي من يعلم مع من لا يعلم؟ أبدا لا يستويان،

قال ربنا تعالى مرشدا نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم وهو أشرف الخلق وهو حبيب الحق خير من أقلت الأرض خير من أظلت السماء وهو أعلم الناس:”وقل رب زدني علما” لم يقل له قل رب زدني مالا، مع أن المال لو كان عند نبينا لنفع الأمة فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: “مانفعني مال كما نفعني مال أبي بكر” ولم يقل له قل زدني جمالا ولا صحة ولاقوة ولا جاها ولا سلطة … قال له: ” قل رب زدني علما،

بل بين الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: “يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ ۖ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ۙ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ ۖ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ” أن الله تعالى فضل الكلب المعلم على الكلب الذي لم يعلم، كلب إذا علمناه يصير ما أمسكه في الصيد حلالا، وإذا لم يعلم فما أمسكه حرام، الكلب المعلم خير من الكلب الذي لم يعلم،

قال تعالى: “وتلك الامثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون” ربنا كأنه يتكلم ويضرب الأمثال ولكن من يفهم كلامه، يفهمه العالمون،

إذن أليس يجب علينا أن نقتطع طرفا من النهار نتعلم فيه؟ أجل، يجب علينا فعل ذلك وسط لقمة العيش والانشغالات والأولاد وسط كل هذا يجب أن تذهب عند من يعلم لتتعلم منه وذاك متاح، هل منا أحد لا يحب أن يرث؟ فالإرث هو الغنيمة الباردة لا تعرق فيه ولا تبذل فيه جهدا يأتيك نصيبا حلالا طيبا باردا، ولتفهم هذا اسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا قال:”العلماء ورثة الأنبياء وإنا الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما وإنما ورثوا العلم فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر” هنيئا له فقد ورث إرثا جميلا، روى الطبراني في معجمه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه ذهب إلى السوق بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: آنتم هنا؟ وميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم في المسجد، فهرعت الناس إلى السوق، فقالوا ما وجدنا الذي قلت،قال ماذا وجدتم؟ قالوا وجدنا قوما يقرؤون القرآن وقوما يتعلمون الحلال والحرام وقوما يذكرون الله، قال: ذلك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم” و أخرج الترمذي غن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه أو عالما ومتعلما” اخبط في الدنيا كما تشاء وأصب من الحلال ما شئت، ولكن كن واحد من الإثنين إما عالما أو متعلما، قال سيدنا علي ابن أبي طالب: الناس ثلاثة: “عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وهمج رعاع أتباع كل ناعق” كن الأول أو الثاني ستفوز، ولا تكن الثالث، قال صاحب المنفرجة: وخيار الخلق هداتهم وسواهم من همج الهمج.

وروى الحاكم في المستدرك عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “يا أبا ذر لأن تغدوا فتعلم آية من كتاب الله خير لك من تصلي مائة ركعة ولأن تغدوا فتعلم بابا من العلم خير لك من أن تصلي ألف ركعة”، في رمضان نصلي خمسة أيام كلها لتكتمل مائة ركعة، أقول ما تسمعون وأستقيل الله العثرة والسلام عليكم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حتى لا انقطاع، والشكر له بأقصى ما يستطاع، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله والأتباع، تكلمنا في الخطبة الأولى عن العلم، ونتكلم في هذه عن الذكر،

قال ربنا: يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه وبكرة وأصيلا”

الذين آمنوا يدخل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم وندخل فيها أيضا نحن فضلا وكرما من الله عز وجل، لم يقل لنا الذين آمنوا قليلا والذين آمنوا كثيرا، أو الذين ظلموا أنفسهم لا ولكن نادانا بنداء نحبه. ولو قال لنا ربنا اذكروا الله وسكت لوجب علينا أن نذكره لأن الأمر المجرد عن القرينة يفيد الوجوب، لكن قال ذكرا كثيرا، وهي مفعول مطلق يفيد التوكيد، فهل مائة من الذكر توصف بكثيرا هل ألف كثيرا هل عشرة آلاف كثيرا، بكرة وأصيلا أي صباحا وعشيا، ربنا يريدنا أن نسبحه ونذكره ونقرأ القرآن ونصلي على سيدنا رسول الله ونستغفر ونحمده ونكبره دائما، ربنا تعالى يقول لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من هو : ” واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي” لهذا المغاربة يقرؤون حزبا في الصباح وحزبا في المساء، ورد في الصباح وورد في المساء، استنباطا من الآية، وذلك بقصد التقرب لله عز وجل، قال سبحانه: “يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من اغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا” هذا سيدنا رسول الله الذي غفر له ما تقدم له من ذنبه وما تأخر كان يستغفر الله ويتوب إليه في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة، ويقوم الليل حتى تتفطر قدماه، هل فينا من يقوم الليل حتى تتفطر قدماه؟ رسول الله غفر الله له وتأتي زوجه وتقول لهفي ذلك فيجيبها: أفلا أكون عبدا شكورا، سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنه إذا أتى الخلاء يضع حجرا على لسانه خوفا من ذكر الله لأنه يذكر الله دائما فلذلك يثقل لسانه كي لا يخطئ ويذكر الله في الخلاء، سيدنا عمر يقول لا أدري متى أنام إن نمت بالليل أضعت حق ربي وإن نمت بالنهار أضعت حق الرعية، سيدنا عثمان مات ودمه على المصحف يقرأ القرآن، هذا أمير المؤمنين وجد وقتا للقرآن، يقال كانت إذا حضرت الصلاة لا نعرف لعلي لونا، لماذا لأنها الصلاة، ولذكر الله أكبر.

العلم والذكر وصية جميلة لي ولكم، “اقرأ باسم ربك الذي خلق”

اللهم طهر قلوبنا واغفر ذنوبنا واستر عيوبنا واجبر كسرنا و ارحم ضعفنا، يمن كتابنا ويسر حسابنا واقبل توباتنا واغسل حوباتنا، أمن اللهم روعاتنا واكفنا ما أهمنا واهدنا واهد بنا واجعلنا سببا لمن اهتدى واجعلنا هداة مهديين غير ضاليين ولا مضلين ولاخزايا ولا نادمين يا أكرم الأكرمين. وارحم اللهم والدينا كما ربونا صغارا، سامحنا فيما ضيعنا من حقوقهم وسامحهم فيما ضيعوا من حقك واجعلنا وإياهم من الفائزين يا أكرم الأكرمين. اللهم اشف كل مريض مسلم وعاف كل مبتلى مسلم وتب على كل عاص مسلم واهد كل ضال مسلم وارحم كل ميت مسلم وأطلق سراح كل مظلوم مسلم ورد كل غائب مسلم وأطعم كل جائع مسلم واسق كل ظامئ مسلم واكس كل عار مسلم وعلم كل جاهل مسلم برحمتك يا أرحم الراحمين وصل اللهم بدءا وعودا صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يوم لقائك وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وفاطمة الزهراء وبنيها المتقين،وعلى أصحابه الأبرار خصوصا منهم المهجرين و الأنصار الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعلى الستة الباقين من العشرة اللهم انفعنا بمحبتهم واحشرنا يا مولانا في زمرتهم واجعلنا على أثرهم يا أكرم مجيب ويا خير مستجيب وانصر اللهم أمير المؤمنين سادس المحمدين هيع اللهم طريقه أعن على الحق جنده وفريقه واجعله ممن خافك واتقاك اللهم ألبسه ثوب العافية اللهم ألبسه ثوب العافية اللهم ألبسه ثوب العافية، وأقر عينه بولي عهده مولانا الحسن أنبته اللهم اللباس الحسن وصنوه السعيد مولاي الرشيد وسائر أسرته وشعبه اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم اللهم أغثنا، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا ولا تشقنا وأدم الخير علينا وعلى سائر بلاد المسلمين وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *