علاقة المسلم برسول الله في أيامنا هذه

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره،

أما بعد، فياعباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:”إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتومنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه”، ويقول سبحانه:” ياأيها الذين أمنوا لاتقدموا بين يدي الله ورسوله”، ويقول عز وجل:” لاتجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا”، فأوجب الله من خلال هذه الآيات وغيرها تعزيره صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وألزم إكرامه وتعظيمه، ونهى عن التقدم بين يديه بالقول، وسوء الأدب معه بسبقه بالكلام، وعدم مناداته باسمه نداء بعضكم بعضا وغير ذلك من الأمور، ولكن في مقابل ذلك أمرنا بتعظيمه وتوقيره ومناداته بأشرف مايحب أن ينادى به.

أيها الإخوة الكرام إن الناظر لحالنا في علاقتنا برسول الله صلى الله عليه وسلم، يجد بأننا مفرطين ومقصرين بالقيام بحق هذه العلاقة كما يلزم وكما يجب وكما ينبغي، وأن هذه العلاقة أصبحت شكلية وثانوية في أيامنا هذه، ويتجلى ذلك في عدم القيام بالعديد من سننه التي سنها لنا صلى الله عليه وسلم وعدم القيام بتربية أبنائنا عليها، أضف إلى ذلك عدم إنزاله المكانة التي يستحقها دلالة على عدم توقيره وتعظيمه جهلا منا بالمكانة الفخيمة المنيفة التي خصه بها مولانا وخالقنا سبحانه وتعالى، بدأ من ذكره بدون سيادة أو تبجيل، أو سماع اسمه وعدم التصلية عليه، وتبديع من يحتفل بعيد مولده صلى الله عليه وسلم، وتضليل من يعقد مجلسا للصلاة عليه، وتوجيه الناس إلى عدم زيارته عند القيام بالحج أو العمرة، وفي حال زيارته عدم الدعاء عند قبره، وعدم تخصيص ورد مؤكد كل يوم وليلة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وعدم دراسة سيرته وقراءتها، مما يدل على جهلنا الفاضح بمعرفة شخصه صلى الله عليه وسلم، وأنى لنا بعد هذا كله ادعاء معرفته أو ادعاء محبته أكثر من أنفسنا، أو ادعاء اتباعه والقيام بسنته وتوقيره وتعظيمه.

أيها الإخوة الكرام، وبالإضافة إلى هذه الأسباب الذاتية الموضوعية، هناك أسباب أخرى خارجية، حيث سعى أعداء الدين إلى فتنتنا في ديننا، وروجوا في مجتمعاتنا الإسلامية، وبكل ماأوتوا من قوة بأن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر كسائر البشر، كلف برسالة فأدها ومات وانتهى أمره، وروجوا بيننا كل الأمور التي سمعتموها آنفا من أجل أن يصغر في أعيننا ولا ننزله المكانة التي يستحقها في قلوبنا، وكذلكم كان وصرنا نعامله كذلك، فآذيناه قبل أن يؤذيه غيرنا، علاوة على أننا أشغلنا أنفسنا بوسائل التكنولوجيا الحديثة في جانبها السلبي، وعمرنا أوقاتنا بالأمور التافهة التي لاتفيد في شيء، ودمرنا رأسمالنا الحقيقي المتمثل في دين الله ورسوله، وأصبحنا في هذه الدنيا نركض كالأنعام لا نعرف الله ولا رسول الله.

اعلموا أيها الإخوة والأخوات أنه صلى الله عليه وسلم وإن كان يشترك مع جميع بني آدم في حقيقة الأصل التي هي البشرية، إلا أنه يختلف عنا في الكثير من الصفات والعوارض، وإلا فماهي مزيته؟ وكيف تظهر ثمرة اصطفائه على غيره واجتبائه على من سواه؟ لقد اقتضت حكمة الله أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم من البشر ليتمكن الناس من الاجتماع به والأخذ عنه والاتباع له في سلوكه وأخلاقه، والبشرية هي عين إعجازه، فهو بشر من جنس البشر، ولكنه متميز عنا بما لايلحقه به أحد.

بالله عليكم أيها الإخوة الكرام تأملوا في هذه الأمور: كون سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم كتب عند الله خاتم النبيئين وآدم منجدل في طينته بين الروح والجسد، لازال لم يخلق بعد، كما روى ذلك الإمام البخاري وغيره، تأملوا في كون عبارة لا إله إلا الله محمد رسول الله مكتوبة على عرش الرحمن، كما روى ذلك الإمام الطبراني والحاكم في قصة توسل أبينا آدم عليه السلام به صلى الله عليه وسلم، تأملوا في كون سيدنا إبراهيم عليه السلام دعى الله أن يبعث فينا رسولا منا كما حكى القرآن الكريم ذلك، تأملوا في كون سيدنا عيسى عليه السلام بشر بمقدم رسول من بعده اسمه أحمد كما حكى القرآن ذلك، تأملوا في العجائب والمعجزات الباهرات التي حدثت يوم مولده صلى الله عليه وسلم، حيث رأت أمه حين وضعته نورا أضاءت لها منه قصور الشام، وكونه ولد رافعا رأسه شاخصا إلى السماء، وكون النجوم تدلت عند ولادته، وأصبح لايظهر إلا النور، وتأملوا في ارتجاج إيوان كسرى وسقوط شرفاته عند ولادته صلى الله عليه وسلم، وغيض بحيرة طبرية، وخمود نار فارس، وكان لها ألف عام لم تخمد، وتأملوا في البركات التي أكرم الله بها مرضعته حليمة السعدية، وتأملوا في كل المعجزات الكبرى التي أكرمه بها كمعجزة القرآن الخالدة ومعجزة الإسراء والمعراج التي أكرمه الله فيها برؤيته واحتفال الأنبياء به وإمامته بهم، وتأملوا في الشفاعة الكبرى، يوم يشفع نبينا في الأولين والآخرين بعد اعتذار الأنبياء، ويحتفل به خالقه، ويبعثه المقام المحمود الذي وعده، وتأملوا وتأملوا، فهذا هو نبيكم الذي لاتنزلوه مكانته التي يستحقها، هذا هو نبيكم الذي لاتعرفوه، هذا هو نبيكم الذي لا تعظموه، اللهم صل وسلم وبارك عليه عدد ماذكرك وذكره الذاكرون وعدد ماغفل عن ذكرك وذكره الغافلون.

أيها الإخوة الكرام إن هناك أمور تتكرر معنا في صلاتنا كل يوم وليلة ولها علاقة برسول الله، نغفل عنها وقل من يلقي لها بالا أو يعيرها اهتماما أو يفهم مغزاها، تأملوا في الآذان الذي تسمعونه خمس مرات في اليوم، ألا تتردد على مسامعكم شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتأملوا في إقامة الصلاة، ألا تتردد على مسامعكم شهادة أن لاإله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتأملوا في التشهد ألا ترددون فيه قول: السلام عليك أيها النبيئ ورحمة الله تعالى وبركاته، والكاف في (عليك) هي كاف الخطاب عند اللغويين، والأصل في الخطاب أنك تخاطب الحاضر، لا الغائب، وبذلكم استحضروا وأنتم تقولونها أنكم تخاطبون حاضرا لا غائبا، وتأملوا في ترددادكم التشهد قولكم: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده وسوله، وتردداكم الصلاة على رسوله وآل بيته، هذه أمور كلها تتكرر، ولكن قل من يلقي لها بالا أو يعيرها اهتماما، وهي بصريح العبارة تقول لكم: إن رسولكم هذا له شأن عظيم عند ربه وخالقه، يقول الله تبارك وتعالى:”ورفعنا لك ذكرك”، وفي الصحيح عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” أتاني جبريل عليه السلام، فقال:” إن ربي وربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي”، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد فياعباد الله، روى الإمام مسلم عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال:”وماكان أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أجل في عيني منه، وماكنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه  ما أطقت، لأني لم أكن أملأ عيني منه”، وقال عروة بن مسعود رضي الله عنه حين وجهته قريش عام صلح الحديبية إلى توبيخ رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأى من تعظيم أصحابه له ما رأى، وأنه لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، وكادوا يقتتلون عليه، ولا يبصق بصاقا ولا يتنخم نخامة إلا تلقوها بأكفهم فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم، ولا تسقط منه شعرة إلا ابتدروها، وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدون النظر تعظيما له، فلما رجع إلى قريش، قال: يامعشر قريش، إني جئت كسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه، وإني والله مارأيت ملكا في قوم قط مثل محمد في أصحابه.

أيها الإخوة الكرام، اعلموا أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته، وذلك عند ذكره صلى الله عليه وسلم، وذكر حديثه وسنته وسماع اسمه وسيرته، ومعاملة آل بيته وعترته، وتعظيم أهل بيته وصحابته، روى مصعب بن عبد الله رحمه الله تعالى فقال: كان الإمام مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه وينحني حتى يصعب ذلك على جلسائه، فقيل له يوما في ذلك، فقال: لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون، لقد كنت أرى محمدَ بنَ المنكدر، وكان سيد القراء، لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه، ولقد كنت أرى جعفر بن محمد وكان كثير الدعابة والتبسم فإذا ذُكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم اصفر لونه، وما رأيته يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة، وقد اختلفت إليه زمانا فما كنت أراه إلا على ثلاثة خصال: إما مصليا وإما صامتا وإما يقرأ القرآن ولا يتكلم فيما لايعينيه، وكان من العلماء والعباد الذين يخشون الله عز وجل، أي شديد التمسك بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا أيها الإخوة والأخوات كان حال السلف الصالح في علاقتهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا كان حالهم في تعظيمه وتوقيره وإنزاله المكانة التي يستحقها، هكذا كان حالهم في القيام بسنته، كان علاقتهم به علاقة متينة قوية،  اللهم حققنا بالخشية منك والخوف منك وارزقنا التقوى، وحققنا بمعرفة نبيك سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم، معرفة نسلم بها من موارد الجهل ونكرع بها من موارد الفضل، وقو علاقتنا به، أمين والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *