عاشوراء
عاشوراء
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله، الحمد لله الذي شرع الهجرة والجهاد لحماية الدين ودرء الفساد، وقال في محكم الكتاب: “ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله، والله رءوف بالعباد”، نحمده تعالى ونشكره، ونسأله أن يهدينا سبل الرشاد، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله القائل: “المسلم من سلم الناس من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه”، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الأخيار، الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، وسلم تسليما كثيراما تعاقب الليل والنهار، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، ها نحن الآن نعيش في ظلال سنة هجرية جديدة، بعد أن ودعنا سنوات قبلها، يعلم الله ما استودعناه فيها من أعمال، إذ الغبطة ليستبكثرة السنين وتوالي الأعوام، وإنَّما الغبطة بما أمضاه العبد منها في طاعة الله تعالى، لذا علينا أن نستقبل أيَّامنا وشهورنا وأعوامنا بطاعة ربِّنا، ومحاسبة أنفسنا وإصلاح ما فسد من أعمالنا، وقد هيَّأ الله لنا في فاتحة كلِّ عام شهرًا محرَّمًا تعظم فيه الأجور لمن اغتنمه بفعل الطاعات، كما تعظَّم فيه العقوبات لمن اشتغل فيه بانتهاك الحرمات، قال الله تعالى: “إِنَّ عِدَّةَ الشهور عند اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ”، فشهر المحرم هذا مظنة للمزيد من أعمال الطاعات والقربات، خاصة هذه العشر الأول منه، والتي تختم بيوم عظيم وهو يوم عاشوراء، فهو يوم عظيم عند المسلمين، نجى الله فيه سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام وقومه من فرعون وبطشه، يوم له حرمة قديمة وصومه كان معروفا بين الأنبياء والمرسلين وعباد الله من السلف الصالحين، والأصل فيه عند المسلمين ما أخرجه الشيخان، عن ابن عباس (ض) قال: “قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم، فصامهشكرا، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه”، وفي رواية لمسلم عن ابن عباس أيضا: “لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع والعاشر”، أي يوم تاسوعاء وعاشوراء، ويكره عند جمهور العلماء إفراد اليوم العاشر بالصوم، قال صلى الله عليه وسلم: “صوموا يوم عاشوراء وخالفوا فيه اليهود صوموا قبله يوما أو بعده يوما”، ويتأكد استحباب صيام عاشوراء لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم عن أبي قتادة (ض): “أحتسب على الله تعالى أن يكفر السنة التي قبله”، وإنما لم يجب صومه لخبر الصحيحين: “إن هذا اليوم يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر”، فاحرصوا رحمكم الله على الفوز بهذه المنحة الجليلة، أيها الإخوة المؤمنون، لهذا الفضل الذي شرفت به الأشهر الحرم، ولهذه المعجزة الربانية التي اسبغها الله على سيدنا موسى والمستضعفين من أتباعه بأن نجاهم من بطش فرعون وكيده، واستنانا بهدي حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وترغيبا بما في صيام هذه العشر من فضل خاصة يوم عاشوراء ويوما قبله أو بعده للفوز بتكفير سنة من الذنوب، نحتفل بعاشوراء، ولكن بعض الناس عدلوا عن الصواب في مناسبة عاشوراء وخالفوا السنة وارتكبوا أمورا وبدعا شنيعة، فربطوا هذه المناسبة بأباطيل، وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان، وهي ترتبط في أصولها بعقائد دخيلة على سنة حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم، وترتبط في كثير منها بعقائد الشيعة التي يخلدون بها يوم مقتل سيدنا الحسين بن علي (ض)، الذي توفاه الله في مثل هذا اليوم، يحيون بها مراسيم العزاء والنحيب كلما تكررت هذه المناسبة، ولهم في ذلك شعائر خاصة يقومون بها طيلة الأيام العشرة الأوائل من محرم، ومنها زيارة ضريح الحسين وإضاءة الشموع وقراءة قصة مقتله والبكاء عند سماعها واللطم تعبيرا عن حزنهم على الواقعة والاستماع إلى قصائد بالمناسبة، وتوزيع الماء تذكيرا بعطشه في صحراء كربلاء، وإشعال النار للدلالة على حرارة الصحراء وحمل السيوف والدروع وإسالة الدم وضرب أنفسهم بالسلاسل، وعدم تنظيف المنازل والأواني وغيرها من البدع والمنكرات، التي تسربت لمجتمعنا، ويتشبث بها بعض المغاربة جهلا منهم بهذه الطقوس التي بكثرة تكررها في مجتمعنا ولم تنكر أصبحت لنا عادة عادية عند قدوم عاشوراء من كل سنة، فتجد الشبان والشابات والنساء العاقلات يشعلونالنيرانالعظيمةويجتمعونحولهاويسمونها بالشعالة ويرددون أهازيج غير مفهومة، ويقومون برش الماء على بعضهم البعض ويسمون ذلك بيوم زمزم، وهذا كله ليس له أصل في ديننا الحنيف بل هو تشبه بالشيعة المبتدعة الذين وجب اليوم أكثر من أي وقت مضى التحذير من سمومهم التي أصبحوا يدسونها في المجتمعات الإسلامية السنية عبر مواقع الشبكات العنكبوتية (الأنترنت)، وفضائياتهم التي تتوالد في كل وقت وحين، رغبة في نشر أفكارهم الهدامة العقيمة على أوسع نطاق، فيجب تحذير الشباب المسلم من الانزلاق أو أن يكونوا أسارى لهذه النحلة الغريبة أو التأثر بشيء من عقيدتها الفاسدة، خاصة وأنهم اليوم لا يترددون في تقديم إغراءات تهواها وتعشقها الأنفس الدنيئة من قبيل الإغراءات المادية والتساهل فيما يسمونه بزواج المتعة الذي لم يثبت له أصل في الدين، فاتقوا الله أيها المسلمون، وهاجروا طريق المعاصي إلى رضى الله وكونوا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين.
الخطبة الثانية
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون:من الطقوس المنكرة المصاحبة لمناسبة عاشوراء عند بعض النساء الجاهلات اللائي يلبين داعي الشيطان وداعي أنفسهن الخبيثة، ما يقمن به من دجل وشعوذة وسحر، ألا يعلم هؤلاء اللواتي يعملن هذه العمائل الشيطانية أنها من الكبائر وكفر بالله والعياذ بالله، فعن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر”، وعن ابن مسعود (ض) موقوفاً: “من أتى عرافاً أو ساحراً او كاهناً فسأله فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم”، وعن سيدنا عمران بن حصين (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم”، ومن جملة المنكرات التي يقترفها الناس في يوم عاشوراء أيضا زيارة القبور، وما يترتب عن هذه الزيارة من انتهاك لحرمات المقابر، ناهيك عن مظاهر الفساد التي تصاحب هذه الزيارة من تبرج واختلاط وتحرش ومواعدة وطقوس مبتدعة، خاصة منها نبش قبور الموتى ودفن صور وملابس لبعض الأشخاص، أو حيوانات ممثل بها، وكل ذلك بقصد الإضرار ببعض الناس أو تشتيت شملهم …. وغير ذلك من النوايا التي لا يعلمها إلا الله، فهو حسبنا ونعم الوكيل، ألا فلنعمل جميعا لمحاربة هذه الظواهر التي ليس لها إلا تفسير واحد، هو بعدنا عن منهج الله وسنة رسول الله، واعلموا أن لشهر هجرة الرسول هذا حرمته، وأننا مأمورون بعدم انتهاكها بالمعاصي والظلم والفجور والشعوذة فقال جل وعلا: “إِنَّ عِدَّةَ الشهور عند اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ”،فاغتنموا أخوتي هذا الشهر المحرَّم للتوبة النصوح تمحون بها ما سلف من الذنوب والخطيئات السابقة في الأيام الخالية، وقفوا فيه وفيما يليه من أيام دهركم وقفة المهاجر بنفسه، وإن لم يهاجر بحسه، فلنهاجر إلى الله تعالى بقلوبنا وعقولنا وأعمالنا، ولنهاجر المعاصي والآثام، طلبا لرضا الرحمن، واستحقاقا لشفاعة نبينا سيد ولد عدنان، الدعاء.