ظاهرة الكذب

ظاهرة الكذب

فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لاأحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم:” ولا تقف ما ليس لك به علم، إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا”، وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال:” ألا عليكم بالصدق فإنه يقرب إلى الجنة، ولا يزال العبد يصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ويثبت البر في قلبه، فلا يكون للفجور موضع إبرة يستقر فيه، ألا وإياكم والكذب، فإنه يهدي إلى الفجور أو قال: إلى النار، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتب عند الله كذابا ويثبت الفجور في قلبه، فلا يكون للبر موضع إبرة يستقر فيه”.

عباد الله، إن منالظواهر الاجتماعية المؤرقة التي لها انعكاسات سلبية على الفرد والأسرة والمجتمع، ظاهرة الكذب، هذه الآفة الاجتماعية التي تلطخت بها ألسنة العديد من الناس، حتى أصبحوا يبغون الصدق في الحديث فما استطاعوا إلى ذلك سبيلا، حيث أضحى الكذب هو الحال الطبيعي بالنسبة لهم، فما معنى الكذب؟ وماهي بعض تجلياته في واقعنا المعيش؟ وماهي نتائجه؟

الكذب هو أن يخبر الإنسان عن شيء بخلاف الحقيقة، ويكون إما بتزييف الحقائق جزئيا أو كليا، أو خلق روايات وأحداث جديدة بنية وقصد الخداع لتحقيق هدف معين، وقد يكون هذا الهدف ماديا أو نفسيا أو اجتماعيا، وهو عكس خلق الصدق، والكذب صفة لدى صغار العقول من الناس، وهو فعل محرم في جميع الأديان، وقد تكون الكذبة بسيطةيتلبس بها البعض منا في بعض أيامه، ولكن إذا تطور الكذب ولازم الفرد في كل أيامه ولياليه، فعند ذاك يكون الفرد مصابا بالكذب المرضي فيقترف العديد من الجرائم، فلذلكم فكل محترف للغش والنصب والسرقة والاحتيال وشهادة الزور وأكل أموال الناس والترامي عليها بالباطل، كل أولئك يعدون في ديوان الكذابين.

والكذب عباد الله بكثرة ما استشرى في المجتمع وفي مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحنا نتعايش معه بشكل طبيعي وكأنه الأصل، فكثيرا ما يخبرك أحدهم بأنه سمع وهو لم يسمع أي شيء، أو يقول رأيت بأم عيني، وهو لم ير أي شيء، أو يقول وصل إلى علمي وهو لم يصل إلى علمه شيء، أو الذي يكذبليدخل نفسه في كل شيء يهم الجماعة المحيطة به، وأنه هو الفاعل، وهو لم يقم بشيء يذكر، أو الذي يدعي ملكية شيء باطلا وزورا، أو الذي يدلي بمعلومات كاذبة عن نفسه وشخصه، أو الذي يتعمد الكذب لتمويه الغير عن الحقيقة، وغيرها من التجليات التي تعرفونها…

وخلاصة الأمر أن الشخص الضعيف الإيمان والذي قدراته محدودة تكون لديه دوافع أكثر للكذب، بعكس الشخص القوي الإيمان والذي يملك الكثير من القدرات، ولنعلم بأن الطفل يتعلم الصدق من المحيطين به إذا كانوا يراعون الصدق في أقوالهم وأفعالهم وأعمالهم ووعودهم، والطفل الذي يعيش في بيت يكثر فيه الكذب لاشك أنه يتعلمه بسهولة، لأن الطفل يقلد من حوله، والكذب سلوك مكتسب، يقول المصطفى ﷺفيما رواه الحاكم: ” ألا وإن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل ولا أن يعد الرجل منكم صبيه ثم لا ينجز له”، وروى أبو داود عن عبد الله بن عامر رضي الله عنه، قال: “جاء رسول الله ﷺ بيتنا وأنا صبي صغير، فذهبت ألعب فقالت لي أمي: ياعبد الله تعالى أعطيك، فقال رسول الله ﷺ: ما أردت أن تعطيه؟، قالت: أردت أن أعطيه ثمرا، قال: أما أنك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة”.

نسأل الله تعالى أن يلزمنا الصدق في كل الأقوال والأفعال، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد فيا عباد الله، روى ابن حبان في صحيحه عن أبي برزة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ:” ألا إن الكذب يسود الوجه والنميمة من عذاب القبر”، وفي الأثر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:” لا تنظروا إلى صلاة أحد ولا إلى صيامه، ولكن انظروا إلىمن إذا حدث صدق وإذا ائتمن أدى”.

بالله عليكم عباد الله، من فقد فيه الناس الثقة وذهب ماء وجهه من كثرة الكذب، كيف يكون حاله في أسرته وأهل حيه والناس الذين يتعاملون معه في المجتمع؟ كيف يكون حاله عند مزاولته لمهنته؟ هذا إن كانت له مهنة، فالذين يحترفون الكذب في الغالب يكونون من الفئات الفاشلة في المجتمع، لأنه يصنف من قبل الجميع بأنه شخص كذاب يحترف الكذب، فيهجره الناس.

فالمعروف في المجتمع المسلم، بل في كل المجتمعات الراقية، أنه عند فقد الثقة في شخص ما، لا تتعامل معه أسرته وأقرباؤه وأرباب المعاملات في الأسواق، ويكون دائما محل شك وريبة ومهانة وسخرية وازدراء، بالله عليكم كيف يفلح ويسعد من كانت هذه حاله؟ فالكذاب شخص مطرود منبوذ في المجتمع، لايصدقه أحد ولا يثق فيه أحد، وبالتالي لايتعامل معه أحد، فيدان وينبذ ويتهم ويهجر ويعزل، ويصيبه الفقر المادي والمعنوي والعياذ بالله.

ختاما عباد الله، روى الإمام الترمذي في صحيحه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: “ما كان خلق أبغض إلى رسول الله ﷺ من الكذب، ولقد كان الرجل من أصحاب رسول الله ﷺ يحدث عنده بالكذبة فما يزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة.”

ألا فلنتحرى الصدق في جميع الأحوال، وفي جميع الأقوال والأفعال، فالله تعالى شهيد علينا في كل حال وآن، وهو الأجدر بأن نراقبه وأن نخشاه في كل أوان، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *