ضعف الوازع الديني معناه وتجلياته وأسبابه وطرق تقويته
ضعف الوازع الديني معناه وتجلياته وأسبابه وطرق تقويته
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، إن المطلع على حالنا رغم كوننا مسلمين، ونعيش في مجتمع مسلم، وعلى اطلاع بما يتصل بأمور ديننا إلى حد ما، ونمارس الشعائر الدينية إلى حد ما، ونحضر الكثير من الأنشطة الدينية المتنوعة، فلا يعني كل ذلك أن مستوى تعلقنا وارتباطنا بالدين مرتفع ومرضي، وأن كل الناس تهتم أول ما تهتم بأوامر خالقها وأوامر المتفضل عليها بنعمة الإيجاد والإنعام، فهناك بعض الناس – هداهم الله – لا يتأثرون بتعاليم الدين ولا يبالون بها، ولا زالوا يتلبسون بالمعاصي وكبائر الذنوب، ولا زالت السلوكيات الإيجابية ذات المستوى الأخلاقي العالي والنفع للناس، كالانضباط والوفاء بالوعد، والصدق في القول، واحترام الآخرين وحقوقهم، وغيرها من السلوكيات الرائعة لديننا، دين الإسلام، غائبة للأسف الشديد عن دنيا الناس، مما جعل العديد منا يعيش ازدواجية بين تعاليم الدين وبين تطبيق هذه التعاليم. مما يدعونا حقيقة إلى إعادة النظر في تقييم وتقويم أنفسنا، بأن نسألها أسئلة محرجة: إلى أي حد نتمسك بمبادئ ديننا وأخلاقه؟ وكيف هو حال الوازع الديني لدينا؟
فالمطلع عباد الله على أحوالنا وعلى مختلف الظواهر السلبية التي تلقي بظلالها على مجتمعنا، سيشهد أن ضعف الوازع الديني هو الواقع، والواقع لا يرتفع. فما هو معنى ضعف الوازع الديني؟ وماهي تجلياته وأسبابه؟ وكيف نقوي هذا الوازع؟ وما هي أهميته؟
عباد الله، لا يختلف اثنان أن الوازع الديني هو ذلكم الشعور القلبي عند المرء بمخافة الله عز وجل ومراقبته، وأصله الإيمان بالله تعالى وباليوم الآخر وما فيه من ثواب وعقاب، فإذا كان هذا الوازع حاضرا بقوة، كان ذلك هو الباعث الأساس على فعل الخيرات واجتناب المنكرات من الأقوال والأفعال والسلوكيات والتصرفات والمعاملات والأخلاق وغيرها.
نعم عباد الله، فكلما ازداد تمسكنا بديننا، كلما كان سلوكنا في الحياة منضبطاً، وبالعكس فكل ما يصدر عنا من سلوك فاسد ولا أخلاقي تجاه أنفسنا أو غيرنا، فهو نتيجة طبيعية لضعف ديننا ورقابتنا لربنا عز وجل، وهذا تماماً هو ضعف الوازع الديني، الذي يعتبر سبباً لكل شر وفساد يصدر عن البشر، بل إن ضعف الوازع الديني يترتب عليه فساد الأرض والحياة والكون كله. ويكفي أن تتأملوا في مختلف الظواهر السلبية التي نعانيها من شقاء عائلي ورشوة وغش ونصب وغيرها من الحوادث والمفاسد الحاصلة في دنيانا لتدركوا ضعف هذا الوازع.
أما أهم الأسباب الموضوعية لضعفه، فتتجلى في تلكم الحملة الشرسة المتواصلة على الدين الإسلامي بشكل عام، والتوجيه الإعلامي المغرض المشوه للدين، والمشوش على أهله، مما كان سببا مباشرا في إنتاج عدم الفهم الصحيح للإسلام، سواء من قبل أهله أم غيرهم.
ومن الأسباب أيضا انشغال الناس بهذه الثورة التكنولوجية الحديثة وما أنتجته من مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، المعتمدة في مجملها على الإشاعات ونقل الأخبار الزائفة، والناشرة للمغريات المختلفة، التي صادفت فراغا روحيا قاتلا لديهم، وجهلا فاضحا بتعاليم الدين، مما أثر سلبا على غالبية الجوانب الأخلاقية لدى الناس. ومن الأسباب عدم قدرة العديد منا تغيير عاداته السيئة المساعدة على التمسك بالدين والالتزام به، وسبب ذلك الثقة الضعيفة في النفس، حيث إن العديد منا لازال يبالي بما يقال عنه من قبل الناس في جانب الالتزام بالدين، أضف إلى ذلك كثرة المغريات، والظروف التي يعيشها الإنسان في الواقع، علاوة على ظن البعض جهلا أنه ربما إذا التزم بدينه سيخسر الكثير من ملذات الحياة وطيباتها ومتعها، فهل نسي هؤلاء أو جهلوا أن الخالق عز وجل يقول: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ”، ويقول أيضا: “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة”، وهل نسي هؤلاء أو جهلوا أن الإسلام نهى أول ما نهى عن التشدد في الدين، وكل ما يشعر الفرد المسلم بالملل والضيق والحرج، لذلك أمر الإسلام باعتماد أسلوب التحبيب والترغيب، وأوجب تقديمه للناس بشكل صحيح، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المتفق عليه: “إِنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أَحَدٌ إِلاَّ غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا، وَاسْتَعِينُوا بِالْغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ”، ومن أهم الأسباب في ضعف الوازع الديني انحراف الآباء والمربين وعدم التزامهم بالدين، مما يجعلهم يقدمون قدوة سيئة لغيرهم وخاصة لأبنائهم وذويهم. أسأل الله تعالى أن يتداركنا بألطافه الخفية وأن يردنا إلى دينه ردا جميلا، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فيا عباد الله، يقول الحق سبحانه وتعالى:” ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين”، وبعد أن عرفنا أسباب ضعف الوازع الديني، فماذا عن طرق تقويته؟
فمن خلال ما تقدم علمتم بأن الوازع الديني شعور قلبي، وزيادته ونقصه ترتبط بعوامل كثيرة وتحتاج لعدة شروط أساسية حتى يتقوى، فمن الطرق المجربة في تقوية الوازع الديني، والتي نصح بها العديد من الربانيين رحمهم الله تعالى، أولا، التوبةُ الدائمة مِن كلِّ الذنوب والمعاصي، وتَذكُّر الموتِ ولِقاء الله تعالى وكثرة اللجوء إليه بالدُّعاء بأن يُوفِّقنا لفِعل الطاعات، وترْك المنكرات، ومن الطرق كذلك مراقبة الله تعالى ومجاهدة النفس على ذلك، واستحضار عظمتِه سبحانه، وخُصوصًا عند الخلوة والتفكر، هذه السنن ذات الفائدة العظمى، التي ينبغي أن تكون من عادات المسلم بين الحين والآخر، ومن أسباب تقوية الوازع قطْع الطريق على الشيطان الرجيم، وعدم الانجرار وراءَ خطواته وخَطَراته وهواجسه، والإكثار مِن النوافلِ بعدَ المحافظة على الفرائِض، والبحث عن الصالحين من الناس ومجالستهم ومخالتطهم، وتَرْك جُلساء السُّوءِ وهجرهم، كما يجب التركيز والاهتمام على عوامل أخرى مساعدة على تقوية الوازع الديني، وأهمها العمل على تقوية الإرادة في طلب ما عند الله تعالى والاستعانة به سبحانه، فإليه المرجع أولا وأخيرا في تقوية الوازع الديني، فإذا لم يعنا المولى عز وجل على الالتزام بدينه وذكره وشكره وحسن عبادته، فمن سيعيننا؟، ومن ذلك، تحلي الآباء والمربين بالقدوة الحسنة، وإلا فإن تأثيرهم في الغير سيكون سطحياً ومحدوداً، فبهذا سيتقوى الوازع الديني بإذن الله تعالى، ويصبح الإنسان إنسانا نافعا لنفسه ولغيره ولمجتمعه.
ختاما عباد الله، إن تقوية الوازع الديني تدفع الإنسان إلى الالتزام بدينه والانضباط بتعاليمه، والالتزام بدينه يجعله يحصل أعلى درجات السعادة والطمأنينة والحياة الطيبة، إن في الدنيا أم في الآخرة، فما أحوجنا وأحوج مجتمعنا إلى أناس يتمتعون بوازع ديني قوي، ملتزمين بدينهم نافعين لأنفسهم ولغيرهم، يملؤون الدنيا إصلاحا ونفعا، والحمد لله رب العالمين.