ضرورة استثمار المكتسبات التي جنتها البلاد بعد كأس العالم لفائدة الفرد والمجتمع

ضرورة استثمار المكتسبات التي جنتها البلاد بعد كأس العالم لفائدة الفرد والمجتمع

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لاأحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، لقد انتهت منافسات كأس العالم التي انشغلت بها الملايين من الناس حول العالم أياما ليست بالقلائل، وكان بحمد الله تعالى حضور بلدنا فيها مشرفا، وكسبت به بلدنا ما لا يحصى من المكاسب الإيجابية الوطنية والتربوية وغيرها التي وجب على الجميع معرفتها والحفاظ عليها واستثمارها لصالح البلد لنزداد قوة بعد قوة وتطورا بعد تطور وتألقا بعد تألق على كل المستويات.

وشيء طبيعي أن يهتم المغاربة كغيرهم بذلك، لأن من طبيعة النفس البشرية حُبُّ المنافسة وحب الانتصار والطموح للتقدُّم في كل شيء؛ولذا فإن الحكمة تقتضي استغلال هذه الانتصارات وهذه المكاسب بما يعود على الفرد والمجتمع بالخير الكثير.

عباد الله، ولا يستطيع أحد أن ينكر بأن هذه المنافسات الرياضية لهذا العام ساهمت في تذكير العالم بدين الإسلام وقيم الإسلام، وذكرت العديد من المسلمين بتقصيرهم في الالتزام بالدين والدعوة إلى تعاليم الدين القريب من الفطرة.

نعم عباد الله ألم يتم تذكير الناس بآيات كتاب الله وحديث سيدنا رسول الله ﷺ بجميع لغات العالم؟، ألم يتم تذكير العالم بحرمة كبيرة اللواط أو ما يحلو لهم تسميته بالشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية؟، ألم يتم تذكير الناس بحرمة الخمر ومعاقرته؟،ألم يتم تذكير الناس بقيم أخلاقية كالكرم وحسن الضيافة والنظافة والتعامل بانفتاح ووسطية واعتدال مع الغير؟ ألم يتم تذكيرهم بأهمية الأسرة وقيم البرور بالوالدين ونعمة رضاهم؟ ألم يتم التذكير بالاعتماد على الله تعالى في كل شيء بتصحيح النية والدعاء وشكره على كل حال؟،ألم يتم التذكير بقيم الجد والتضحية والطموح وخدمة المصلحة العامة والعمل على إدخال الفرح والسرور على الملايين في المشرق والمغرب والشمال والجنوب؟ ألم يتم تذكير الجميع بلذة الوحدة واللحمة الوطنية؟ وغيرها كثير…

وكان لكل هذه القيم التي راجت، والانتصارات التي حققت حوالي شهر من الزمان، نصيب وافر لبلدنا والحمد لله، مما أكسبها حب المسلمين والعرب والأفارقة حول العالم، واتضح للعيان، أن الجميع يحب بلد وشعب المغرب، وأن الجميع يريد التعرف أكثر على هذه البلاد وقيم وأخلاق شعبها، الشيء الذي يجعلنا جميعا أمام محك كبير للارتقاء بكل شيء وفي كل شيء لنكون عند حسن الظن على الدوام.

عباد الله، إنه التوفيق الإلهي والذكاء الإسلامي والعربي والإفريقي في تحويل لعبة كانت تستخدم للترفيه واللهو والتسلية والغفلة وغير ذلك، إلى مجال للدعوة إلى الله تعالى والتربية على قيم الدين والوطنية،مما أسهم في التعريف بالشعوب المسلمة وكل ما يتصل بها عن قرب، وأسهم بالتالي فيدخول الناس دين الله أفواجا، أفلا نتأمل في إسلام الصحابي الجليل ركانة رضي الله عنه، بعدما صارع النبي ﷺ، وكان لا يغلب قبل ذلك، فغلبه النبي ﷺ،وعلم أنه مُعانٌ من الله تعالى، فكان ذلك سببا في دخوله للإسلام.

وكم هو حري بنا في أيامنا هذه ونحن نرى الغالبية العظمى تهتم بهذه الرياضة إلى هذه الدرجة، أن ننتبه لنحولها إلى وسيلة تربوية ترفيهية هادفة على جميع المستويات، تماما كما حدث في المنافسات الرياضية الأخيرة، لأن المسابقات الرياضية ليست للترفيه فحسب،إنها تربي على قيم العمل الجماعي ومهارات القيادة والتغلب على المشكلات، وخلق الصبر والحلم على الأذى، إنها مدرسة لصقل الشخصية بالذوق الرفيع والأخلاق العالية، وبناء مستقبل الأفراد والجماعات،ولعل ذلك ما نفهمه تبعا من قول النبي ﷺ في الحديث الذي أخرجه النسائي عن جابر رضي الله عنه عندما قال:” كُلُّ شيءٍ ليس من ذِكْر الله فهو لَهْوٌ أو سَهْوٌ غير أربع خصال: تأديب الرجل فرسَه، وملاعبته أهلَه، ورميه بين الغرضينِ،وتعليم السِّباحة”. أسأل الله العظيم أن يحفظنا وإياكم من القلب الغافل وأن يشغلنا بذكره وأن يجعله شغلنا الشاغل، وأن يوفقنا في كل المحافل، أمين أمين أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد، فيا عباد الله،إن الدّين الإسلاميّ جاء شاملاً لجميع مجالات الحياة دون إهمال أيٍّ جزء منها؛بما في ذلك مجال الرياضة، إذ ثبتت ممارستها من قبل الرجال والنساء والصبيان، وحثّ على ممارستها دون تكاسل أو إهمال، لما لها من دور مهم في كسب صحة الأبدان، وبناء وإعداد الأجيال للدفاع عن الأوطان، شريطة ألا تلهي عن العبادات والفروض الدينية،كتأجيل موعد الصلاة أو تأخيرها لممارسة الرياضة أو متابعتها، والابتعاد عن الكسب المحرم للمال، عن طريق المراهنات والقمار، وتجنب إلحاق الأذى بالإنسان أو الحيوان أثناءها،أو إذاية الرياضيّ المنافس، وأن تكون بعيدة عن التعصّب والعنصريّة والتحريض وإشاعة الفتن والمحرمات، وألا تُلحق الضرر بمُمارسها أو تهدّد حياته.

وتعتبر المسابقة بالأقدام من أقدم أنواع المسابقات التي أخبرنا عنها القرآن الكريم، في قصة يوسف وإخوته قال الله تعالى: “إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ”، وروى أبوداود وغيره أن النبي ﷺ استخدم هذا الأسلوب التربوي الترفيهي كما في حديث عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع النبي ﷺ في سفر فسابقته على رجلها فسبقته قالت: فلما حملت اللحم سابقتُه فسبقني، فقال: “هذه بتلك”، ومن الرياضات التي ندب إليها الإسلام السباحة والرماية وركوب الخيل ورياضة الغوص، وتقوية القدرة على البقاء داخل الماء دون تنفُّس، ورياضة السباق على الإبل، والمصارعة ،ونحوها من الرياضات النبيلة، التي لا يقع فيها أذًى لأي طرف.

ختاما عباد الله، لا بد من التأمل في مكتسباتنا الكبيرة من هذا الحدث الرياضي، كل من موقعه، لنعمل على استغلالها للنهوض بأنفسنا وتطويرها لتحقيق الأفضل للفرد والمجتمع في المستقبل القريب والبعيد، وهي فرصة لنوجه الشباب إلى الالتزام بدينهم وقيمه وأخلاقه ابتغاء رضى ربهم،والعناية بوالديهم والبرور بهم وبأسرهم ابتغاء رضاهم، والاهتمام بدراستهم وتكويناتهم وحرفهم والتفوق فيها، وممارسة الرياضة والتمهر فيها بتوازن مع كل ذلك، بالانخراط في الأكاديميات المعدة لهذا الغرض، فإن الانشغال بذلك أهم من العدوى والبلوى بكل المدمرات، وهي فرصة أيضا لنذكر أصحاب المسؤولية بالقيام بمسؤولياتهم على الوجه المطلوب بكل جدية ونزاهة، لأنه بدون ذلك لن نصل إلى نتائج يلمسها الفرد والمجتمع، والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *