صورة الصوفي السيد علوي الإيجابية في مجالات المجتمع الهندي المثالية
أقدم شكري لأهل المملكة المغربية، وسيدي الشريف محمد السادس حفظه الله ورعاه، وإلى العائلة البصيرية وإلى مسؤولي هذه الزاوية، وعلى رأسهم الشيخ مولاي إسماعيل والشيخ مولاي عبد المغيث، وأصحابه ومساعدوه، الذين ساعدوا وسعدوا في هذا التجمع.
وأنا أريد في هذه الآونة أن أقدم مثالا لرجل صوفي كبير، والذي عمل في الهند، ثلاثة أرباع قرن، وهو حضرمي هاجر من بلده الكبير إلى بلاد الهند، وهو في سنه السابعة عشرة، ثم أمضى ستة وسبعون سنة، أو ثلاثة أرباع قرن في بلاد الهند، ووافته المنية في سنه الرابعة والتسعين، وكانت له الجهود الأولى في تثقيف أهل الهند، وبالخصوص بلاد “مَليبار” بكيرَلا، حيث إن الهند مقسمة إلى ثلاثين ولاية، وولاية “كيرَلا” في أقصى جنوب الهند، وهناك نشاطات إسلامية، ودور تعليمية، وكليات وجامعات إسلامية.
والجدير بالذكر أن نشاطات السيد علوي، الذي نريد أن نضع له أمامكم صورة، حيث إننا كثيرا ما نسمع في مثل هذه المؤتمرات والتجمعات إلى أن المسلم أو العالم أو الصوفي يجب عليه أن يكون نشيطا عاملا، ومشتغلا بأمور دعوية تثقيفية تعليمية تربوية وما إليها، ولكن كثيرا ما نرى أن هذه القاعدة لا تعم، فمن هذه الناحية أريد أن أضع أمامكم صورة لصوفي كبير هو الشيخ السيد الشريف العلوي ابن صهر مولى الدويلة، والذي قضى ثلاثة أرباع قرن في الهند، ولقد وقفت على عدد من المصادر وكلها مذكورة، وقد أرسلت هذه المقالة إلى أصحاب المؤتمر، ولا أريد أن أقرا هذه الصفحات لأنها تحتاج إلى وقت طويل.
وقد أشرت أولا إلى تاريخ وصول رسالة الإسلام إلى بلاد الهند، حيث إن العلاقات التجارية كانت موجودة قبل الإسلام، وإن هؤلاء القدماء كانون يقدمون جنبا إلى جنب مع تلك السواحل الجنوبية الجنوبية، وكانوا يأتون بثمور آمنة من هذه البلاد إلى البلاد الهندية، وكانوا يرجعون ببعض الأمتعة إلى الجزيرة العربية بما فيها الفلفل وحب الهال، والتوابل وأشياء أخرى، وعبر هذه العلاقات التجارية وصلت رسالة الإسلام إلى بلاد الهند عبر سواحل “كيرلا” في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم كانت هناك علاقات يمنية مع بلاد “كيرَلا” وبلاد الهند حيث وصل إلى هناك كثير من أسر أهل البيت النبوي الشريف رضي الله عنهم، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “الإيمان يمني والحكمة يمنية”.
وإن هؤلاء السادة يقومون بنشر الدعوة الإسلامية، وهاجروا إلى البلاد الإندونيسية والبلاد الهندية وبلدان أخرى كثيرة، ووصلوا إلى بلاد “كيرَلا” وهناك يذكر التاريخ بأن أكثر من مائة وعشرين قبيلة من آل البيت وصلوا إلى خرسان، وهاجروا إلى بلاد عديدة، بما فيها بلاد الجرجر وكينيا والصومال وزنجبار وبلاد أفريقيا الشرقية، وبلاد البلقان والملايا والفلبين وغيرها.
وتواصلت الهجرات الدعوية من البلاد الحضرمية باليمن إلى بلاد الهند، كما هو الحال في هجرة الأشراف آل البيت إلى بلدان أخرى.
وفي مقدمة هؤلاء السادات من آل البيت، السادة الباعلوية، ومن أهم رجالاتها السيد الشريف العلوي من “المولى الدويلة” وهو اسم بلد في اليمن، كان أحد أجداده ملكا على هذه البلاد، وولد السيد علوي سنة 1166هـ، حفظ القرآن الكريم منذ نعومة أظافره وتلقى العلوم الدينية عن شيوخه في اليمن، وعن بعض أعمامه الذين هاجروا إلى البلاد الهندية.
وفي سنه السابعة عشرة تتبع هؤلاء الأعمام وهاجر بدوره إلى الهند، حتى نزل بشواطئ “كيرلا” في الليلة التاسعة من شهر رمضان سنة 1183هـ، ثم ذهب إلى إحدى قرى “مَليبار”، حيث كان يقيم عمه حسن الجفري، الذي زوجه ابنته الوحيدة.
وعُرف السيد علوي بتزعم مقاومة البريطانيين المحتلين لأرض الهند، حيث سعى إلى توحيد صفوف المسلمين ونشر فكرة الاتحاد بينهم وبين الهندوس، إذ أن أكثر من ثمانين في المائة من سكان البلاد هم هندوس، وذلك لمحاربة الاستعمار البريطاني في صف واحد رغم اختلاف دياناتهم وأفكارهم.
وكان يقوم بتربية الناس تربية حسنة، حيث قام باستئصال الشبهات الباطلة والطرق الكاذبة، وحث الناس على استبقاء حقوق المسلمين الجدد، إذ أن كثيرا من الهندوس يعتنقون الإسلام، وكان رحمه الله من المنتمين للطريقة الفاطمية الباعلوية.
وكانت له نشاطات متعددة مختلفة في هذا الاتجاه، ووطد العلاقة بين الشيخ والمريد، فأمر بتطهير جميع الأتباع والمريدين من الدنس والخبائث، وكان له ذلك بعد أن تحقق جميع أحوال المربيين على طريق الغيب.
وفي الحقيقة هناك كثير من الناس، ومن الصوفيين والعارفين والأولياء تكون لديهم قدرات غير عادية، تكون لهم كشوفات، وتكون لهم إلهامات، ويعرفون الأمور دون سائر الناس…
ثانيا، أنه أرشد أتباعه إلى أن يستقيموا على الصراط السوي، كما هو شأن المشايخ العباقرة.
ثالثا، أنه تعامل مع تلاميذه ومريديه كأنه هو الوارث المحمدي، أي الشيخ المهم في الصوفيين، كما انه هو النائب عن الرسول صلى الله عليه وسلم بإيمانه وتقواه، وجنبهم عن المعاصي ورباهم في علم التصوف.
ومما يجلب الأعيان إلى شخصيته أنه كان مثلا أعلى في الأخلاق الحسنة، مثل البشاشة والكرم، وما كان يأتيه شيء إلا أنفقه على الفقراء، مصداقا لقوله تعالى:”ويوثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة”.
وفقه أتباعه في العلوم والمعارف بما هو معروف عند العلماء، ثم رباهم على الأوصاف الحميدة مثل حسن الكلام ولين الجانب وترك الأغيار، كما أنه كان مثلا أعلى في الأخلاق الحميدة، وكان لا يهاب في الحق شيئا، ولا يخاف في الله لومة لائم، شأن الدعاة الكبار، وكان ينصح لعامة المسلمين يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحرضهم على فعل الخيرات وترك المنكرات ويشاركهم المآسي والمسرات.
وبالنسبة ﻷعماله الاجتماعية يمكننا أن نلخصها فيما يلي:
– التوفيق بين المسلمين والهندوس للتصدي إلى القوات البريطانية.
– التصدي للملوك والإقطاعيين الهندوس، ﻷن الهند كانت إقطاعية، وكان كبار الهندوس والأغنياء صناديد هذه الإقطاعيات.
– تحقيق الاتحاد بين مختلف فرق المسلمين وأحزابهم.
– الدفاع عن المستضعفين من المسلمين وغيرهم.
والنقطة المهمة، تتجلى في تأسيس المساجد الإسلامية وعمارتها في مختلف أنحاء البلاد، على اعتبار أن المساجد هي مراكز النهوض الديني والاجتماعي للمسلمين، وهذا نجده في تاريخ الإسلام منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذه النقاط فيها تفصيل، واختصرتها هنا، ثم انتقلت إلى الحديث عن تلاميذه النجباء الكبار، أذكر منهم على الخصوص عمر الفاضل، وعبد القادر مسنية، ثم شهاب الدين وغيرهم، وهؤلاء التلاميذ كانوا يساعدونه، ويتناشطون معه بالخصوص في مقاومة البريطانيين، ﻷن السيد علوي كان يعيش قبل مائة وسبعين سنة، حتى أنه لقب بقطب الزمان، كما هو معروف لدى أهل المعرفة والتصوف، وكانت له كرامات، وكما قلت فإنه في عنفوان شبابه جاء إلى الهند ولم يعد لبلاده قط، لأنه كان ملازما للناس يرشدهم ويعلمهم ليل نهار ما بين مسلم ومشرك وهندوسي ومسيحي، وهي مروية كابرا عن كابر ومسجلة ومسطرة في العديد من المصادر التاريخية، وكانت وفاته ليلة الاثنين السادس محرم من عام 1260هـ، الموافق لـ1844م، وهو في الرابع والتسعين.
وترك ولدا نابغة هو فضل الله الباشا، الذي هو أيضا معرف في البلاد العربية، وبعد وفات والده السيد العلوي اختاره الناس لكرسي الزعامة، وخاف البريطانيون من هذا الولد النابغة والمحبوب من عامة الناس وبين المسلمين بالخصوص، فأعدوا مكيدة له وقدموا له مقترحا للسفر إلى بلاد الحجاز ﻷداء فريضة الحج، فسافر مع عائلته وكبار مريديه بلغ عددهم حوالي اثنين وخمسين فردا، هاجروا البلاد الهندية عبر المراكب الشراعية إلى بيت الله الحرام، ولكن لما أتم مناسكه لم تأذن له الحكومة البريطانية بالعودة مرة أخرى إلى الهند، وبقي منفيا حبيسا في البلاد العربية، ثم وصل إلى البلاد المصرية، وأخيرا كان مستشارا للخلافة العثمانية، وتوفي في عهد الخليفة عبد الحميد العثماني.
والشيء الجدير بالذكر رغم أن السيد علوي كان شيخا وصوفيا كبيرا لم يكن له أي شغف بالأمور الدنيوية، ولكنه كان نشيطا ليل نهار، وكان يهتم بأمور الناس، حتى أن الهندوس وغير المسلمين يزورون ضريحه إلى أيامنا هذه، وذلك في ذكرى الانتفاضات التي كان يتزعمها ، ﻷن الصوفي مهما وجد من مراتب التصوف يجب عليه أن يكون متعاملا مع عامة الناس وأن يكون حاضرا بإيجابية في المجتمع خادما له، متماشيا مع أوضاع عامة الناس لا سيما مع المضطهدين والمنبوذين ونحوهم.
والله ولي التوفيق والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.