صنوف البر في رمضان

الحمد لله، الحمد لله الذي كتب صيام شهر رمضان على عباده المؤمنين، وجعله ركنا من أركان الإسلام التي أوجبها على المكلفين، فقال وهو أصدق القائلين:

“يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات”،
نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونسأله الفوز والظفر بالنعيم المقيم الذي ادخره لعباده الصائمين، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو العليم بما تكنه نفوس الصابرين المحتسبين،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، القائل بوحي من ربه: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه” صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين،
أما بعد، فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، اتقوا ربكم واشكروه أن من عليكم بإدراك هذا الشهر العظيم فيه تفتح أبواب الجنان وتغلق أبواب النيران وتسلسل الشياطين، نوع الله فيه أبواب الخير الموصلة إليه وصنوف البر التي تقرب منه فهو من أعظم مزارع الآخرة، فأبواب الخير في هذا الشهر المبارك كثيرة وطرقه ميسرة وسبله ممهدة، منها الصيام الذي يغفر به الله ما تقدم من السيئات، ويبلغ به العبد العالي من الدرجات، فعن أبي هريرة )ض( قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”، فصيام هذا الشهر سبب لغفران الذنوب بشرط أن يكون الصوم لله تعالى لا رياء فيه ولا سمعة، ولا عادة، بل عبادة لله رغباً ورهباً،
وهذا فضل صيام رمضان خاصة وأما فضائل الصيام عموماً فذاك بحر بعيد ساحله ويكفي في ذلك قول الله تعالى في الحديث القدسي: “كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به”، ومن صنوف البر في هذا الشهر الكريم قيام الليل الذي تواردت في الحث عليه وبيان فضله الأخبار، إذ فيه تسكب العبرات وتمحى السيئات وتنال به الدرجات، وقد خص قيام هذا الشهر بمزيد فضل فعن أبي هريرة )ض(: “من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”، وقيام رمضان يتحقق بالمحافظة على صلاة التراويح، فعن أبي ذر )ض( قال: صمنا مع رسول الله رمضان فلم يقم بنا شيئاً في الشهر حتى بقي سبع فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل فلما كانت السادسة لم يقم بنا فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل فقلت: يا رسول الله لو نفلت قيام هذه الليلة؟ فقال: “إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسب له قيام الليلة”،
وهذا يفيد أن من صلى مع الإمام ولم يفارقه حتى ينصرف كُتب له قيام هذه الليلة، وإذا حافظ على ذلك جميع ليالي الشهر يكون قد قام رمضان، ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه، ومن حافظ على ذلك أيضاً حصّل فضل قيام ليلة القدر التي هي إحدى ليالي الشهر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في فضلها: “من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”، فكن أيها الموفق الراغب في الفوز برضا الله الكريم ممن يقومون ليالي هذا الشهر العظيم للفوز برضى العلي الكريم،
ومن أبواب البر في رمضان قراءة القرآن: فإن هذا الشهر هو شهر القرآن قال الله تعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ”، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يختم القرآن في رمضان فعن أبي هريرة )ض( قال: “كان جبريل يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه”، وكان السلف يهتمون بالقرآن اهتماماً زائداً في هذا الشهر فقد كان الإمام مالك رحمه الله إذا دخل رمضان ترك قراءة الحديث وأقبل على قراءة القرآن الكريم من المصحف وقال الزهري: إذا دخل رمضان فإنما هو قراءة القرآن وإطعام الطعام،
ومن أبواب الخير في هذا الشهر الكريم الجود والكرم والسخاء والصدقات وذلك أن النفوس إذا زكت وطهرت أعطت وبذلت، فعن ابن عباس )ض( قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه جبريل في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل، أجود بالخير من الريح المرسلة”، فعليكم أيها الأحباب بكثرة النفقة والصدقة في وجوه البر في هذا الشهر الكريم فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:”كل امرئ في ظل صدقته حتى يُقضى بين الناس” رواه أحمد وغيره بسند جيد وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي بسند صحيح:”والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار”،
ومن أبواب الخير في هذا الشهر اعتكاف العشر الأواخر منه فإن النبي صلى الله عليه وسلم: “كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل”، فاغتنموا عباد الله هذا الموسم الكريم واعلموا أن الحسنة فيه تضاعف والسيئة تعظم فاستكثروا من الحسنات وتخففوا من السيئات فإن الصيام لم يشرع إلا لتحقيق هذه الغاية وهذا المقصد، قال الله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية أن الغاية من فريضة الصيام على هذه الأمة وعلى الأمم التي قبلها هي حصول تقوى الله عز وجل، فليس المقصود من الصيام الجوعَ والعطشَ وتركَ الشهوة فحسب فإن هذه الأشياء وسيلة إلى غاية، ووصلة إلى نهاية وإنما المقصود بالصيام تزكية النفس وتقوية الإرادة وسمو الروح والابتعاد عن الشوائب التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: “من لم يدع قول الزور والعملَ به فليس لله حاجةٌ في أن يدع طعامه وشرابه”، فمن منع نفسه الطعام والشراب والشهوة ثم أطلق لجوارحه وقلبه العنان في ارتكاب المعاصي والذنوب فإنه لم يحقق التقوى التي من أجلها شرع الصيام، إذ أن تقوى الله تعالى هي أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل الطاعات واجتناب المنهيات،
فهل اتقى الله يا عباد الله عبد صام عن الطعام والشراب ثم أعمل لسانه في الغيبة والنميمة؟، وهل اتقى الله عبد نام عن الصلوات المكتوبات وضيّع الحقوق والواجبات؟، وهل اتقى الله من أحيا ليله بالملذات والشهوات والمنكرات؟ أم هل اتقى الله من شغل أذنه بسماع المحرمات، ونظره بمشاهدة الممنوعات والمحظورات؟، أم هل اتقى الله من هجر القرآن وترك القيام وعمر وقته بما يغضب الرحمن؟ أم هل اتقى الله رجل ضيّع أبناءه وبناته فلم يقم بحفظهم ووقايتهم مما حرم الله؟،
الجواب: لا والله لم يتق الله، إنما اتقى الله من زاده الصيام استقامة وعبادة وصلاحاً ، فاتقوا الله عباد الله وأكثروا من عبادته في هذا الشهر فإن النبي ص كان يخص رمضان بالإكثار من العبادات والطاعات واستغلوا أيها المؤمنون مواسم الخيرات لتكثير الحسنات وتكفير السيئات فإن المحروم من أدرك هذا الشهر ولم يغفر له فيه، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية
أما بعد، فيا ايها المسلمون، نتذكر بحلول العاشر من رمضان من كل سنة وفاة المغفور له جلالة الملك محمد السادس طيب الله ثراه، محرر البلاد وقائد ملحمة الجهاد من أجل الإستقلال الذي وافته المنية في العاشر من رمضان،
ونتذكر بالمناسبة ما قدمه من تضحيات جسام في تحرير البلاد واستقلالها وحماية مقدساتها الدينية والوطنية، وبهذه المناسبة نرفع أكف الضراعة لله العلي القدير أن يجعله في أعلى عليين وأن يرزقه جوار النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يتغمد في واسع رحمته رفيقه في الكفاح والجهاد والنضال والتضحية، فقيد العروبة والإسلام، موحد البلاد وباني المغرب الحديث وقائد المسيرة الخضراء لتحرير الصحراء، جلالة الملك الحسن الثاني قدس الله روحه، فاللهم طيب ثراهما، واجزهما عن المغرب والمغاربة خيرا،
وأعن مولانا أمير المؤمنين، وحامي حمى الملة والدين جلالة الملك محمد السادس على النهوض بالأمة إلى ما يصبو إليه من رفاهيتها وازدهارها من خلال مبادراته المتواصلة في جميع أنحاء المغرب، مدنه وقراه والهادفة إلى أن يتبوأ بلدنا المكانة اللائقة به…
الدعاء…

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *