صناعة الرجال

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله،

إذا تأملنا كيف استطاع سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصنع من صحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، رجالا يضرب بهم المثل في كل ميدان من الميادين، وفي كل تخصص من التخصصات، بعد أن لقوه وهم لاشيء في جاهلية جهلاء، لعلمنا إذن أن الرجال يصنعون كلما تم تعهدهم بالتربية والعناية، تأملوا أيها الإخوة والأخوات في إنفاق سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وفي إدارة سيدنا عمر رضي الله عنه، وفي علم سيدتنا عائشة رضي الله عنها، وفي فقه سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه ، وفي حياء سيدنا عثمان رضي الله عنه، وفي قضاء سيدنا علي رضي الله عنه وفي وفي… رضي الله عنهم أجمعين، هؤلاء وغيرهم استطاع تشبثهم والتزامهم بالإسلام أن يصنع منهم رجالا وأبطالا يعتمد عليهم، فتعالوا نتشبه ونقتدي بهؤلاء.

أيها الإخوة الكرام، إن مسألة أن نصنع من أبنائنا وبناتنا رجالا يعتمد عليهم في المستقبل، تتطلب مهارات وتقنيات عالية ومتابعة شبه يومية قل من ينتبه إليها في معاملته لأولاده، وهي تربية تلقيناها بالسليقة والفترة عن طريق آبائنا وأجدادنا رحمهم الله تعالى مع قلة معلوماتهم في هذا الجانب، ولكن تشبثهم بدينهم وتجربتهم الميدانية العميقة التي راكموها طيلة حياتهم، جعلت منهم معلمين متمهرين في تكوين وتخريج الرجال، هذا الجانب المهم الذي غفلنا عنه اليوم، فأصبحت أسرنا الصغيرة ومجتمعنا الكبير يجني نتائجه السلبية المتفاقمة يوما بعد يوم، لقد تركنا أولادنا للشارع  وللفضائيات والأنترنت والإعلام على مختلف أنواعه لتوجيههم وتكوين شخصيتهم، فضاعوا وضاع المجتمع، فكيف نصنع الرجال؟، أو بعبارة أدق، كيف أجعل من ولدي رجلا في المستقبل، رجلا متكاملا متوازنا مسؤولا يعتمد عليه في القيام بعمله، في القيام بواجب أسرته، وفي القيام بواجب والديه وأقربائه وفي القيام بواجبه اتجاه من يعرفهم من المسلمين في حدود طاقته؟

إنه يلاحظ بشكل عام عند النظر إلى حجم المشاكل التي يعاني منها شباب اليوم، باختلافها وتنوعها، أن مرد ذلك يرجع بنسبة كبيرة جدا، إلى الطريقة التي نعامل بها أبناءنا وبناتنا، والطريقة التي نسلكها في تربيتهم، وبذلك فإما أن نخرج منهم رجالا وأبطالا يعتمد عليهم في كل شيء، أو نخرج منهم جبناء جهلاء مذللين متكلين على والديهم في كل شيء شيء، ولا يصلحون لشيء، سيجنون الفشل في دراستهم وتكوينهم وأول طريقهم، وأول الاختبارات الحياتية التي ستواجههم، ألا ترون وألا تسمعون أيها الإخوة والأخوات إلى الظاهرة التي أصبحنا نسمعها، ظاهرة الطلاق في بداية المشوار، فبمجرد مايقترن شاب بشابة في زواج، حتى نسمع بعد شهر أو شهرين أو عام ببدء مسطرة الطلاق لأتفه الأسباب، ألا تهزنا من الأعماق ظاهرة البطالة التي يعاني منها الكثير من الشباب بسبب تقاعسهم وتكاسلهم رغم وجود فرص للقيام بكثير من الأعمال الحرة؟ أو لاتفاجئنا مظاهر الشباب المتسكع في المقاهي الذي لا يجد ما يفعل؟ أو غيره الذي يمشي ويجيء في الشارع دونما حاجة اللهم إلا معاكسة ومطاردة الفتيات أو تمضية الوقت؟ ألا نتقزز من مناظر جيل اليوم المهزوز وضعيف الشخصية الذي لا يملك ثقة بقدراته ونتائج قراراته، وقد أضاع رجولته حيث تعلق بأحوال خربت شخصيته وتركيبته الرجولية؟ ألا نسمع بمآسي الكثير من الآباء وأحزانهم بسبب مشاكل أولادهم التي يتسببون فيها لأنفسهم وللغير، ومظاهر أخرى كالإدمان على المخدرات وغيرها كثير…إني أستغرب ماأستغرب للشاب القوي العضلات ذي البنية الصحية السليمة لايزال يعتمد على والديه في كل أموره الصغيرة والكبيرة، فهذه أمثلة تدل دلالة على تراجع تحكمنا آباء وأمهاتا في تربية فلذات الأكباد، هؤلاء الذين نطمع أن نراهم رجالا في المستقبل القريب.

أيها الإخوة الكرام، شجعوا أبناءكم على تحمل المسؤولية، وأوكلوا إليهم تحت إشرافكم ومراقبتكم القيام ببعض الأمور المادية والمعنوية، لأنه بذلك تصقل موهبتهم ونجعلهم يعتمدون على أنفسهم ويكتمل نضجهم، فمامعنى الرجولة في معناها الإيجابي؟ وهل يعرف شباب اليوم رجال الغد معنى الرجولة بما تحمله من شهامة ونخوة ومروءة وشجاعة وصدق؟ أم أنهم تخلوا عنها واستمرؤوا اللين والخنوع والاتكالية على الآباء والأمهات، وماهي التقنيات الإسلامية التي ينبغي سلوكها مع الأولاد لنخرج منهم رجالا؟ وهل تخلق الرجولة مع الذكر، أم أنه لاكتسابها لابد من معاناة ومتابعة؟

أيها الإخوة الكرام، إن هناك من يفسر الرجولة بالقوة والشجاعة، ومنهم من يفسرها بالزعامة والقيادة، ومنهم من يفسرها بالكرم والاستضافة وإقامة الولائم، ومنهم من يعتقد أن الرجولة بتحصيل المال والاشتغال بجمعه، ومنهم من يفسرها بالحمية الجاهلية، ومنهم من يفسرها بالبروز في المواقف الحرجة والأزمات لبذل المساعدة، ومنهم من يفسرها ببذل الجاه والشفاعة وتفريج مشاكل الناس بأي الطرق كانت ..إلى غير ذلك من تفاسير الناس لمعنى الرجولة .

والحقيقة أن الرجولة تحمل شيئاً من بعض هذه المعاني السابقة، ولكنها ليست بالمعنى الحقيقي لكلمة الرجولة، ويخطئ الكثير في عدم التفريق بين الرجل والذكر، فكل رجل ذكر، ولا يعتبر كل ذكر رجل، لأن كلمة  ذكر غالبا ما تأتي في المواطن الدنيوية التي يجتمع فيها الجميع، مثل توزيع الإرث وما أشبه ذلك، أما كلمة رجل فتأتي في المواطن الخاصة التي يحبها الله سبحانه وتعالى، يقول عز وجل:” من المؤمنين [رجال] صدقوا ما عاهدوا الله عليه” 
وقال أيضا:” في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال [رجال] لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار”، وما أكثر الآيات التي تتحدث عن الرجال وصفاتهم.

أيها الإخوة الكرام، ومن يستطيع أن يتصف بهذه الصفات المذكورة إلا الرجال؟ فالرجال هم الذين يوفون بوعودهم وعهودهم، والمتعلقون بالمساجد الذين يذكرون الله ويسبحونه، ولا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقامة الصلاة في أوقاتها وأداء الزكاة المفروضة ويخافون من يوم القيامة ومنزعجون إلى أي مصير يصيرون؟. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد فيا عباد الله، إن الرجل الحقيقي هو ذاك الذي نستطيع أن نربيه ونكونه كي يستجمع صفات عديدة منها:

– النضج في التفكير، هذه الصفة التي لا يمكن بحال الاتصاف بها دون تعلم كيفية اتخاذ قرارات صائبة، ودون تملك صفات البذل والعطاء والتضحية وتعلم كيفية احترام الرأي والرأي الآخر، وعدم التصغير والتحقير من شأن الآخرين وقول الحق والجهر به.

– والرجل الحقيقي هو الذي نعلمه الإيثار، وذلك بالسعي في خدمة الغير دون انتظار مقابل، وإعطاء كل ذي حق حقه.

– والرجل الحقيقي هو الذي نعلمه الإنصاف بقول الحق، ومد يد العون لكل محتاج والعفو والسماح عند المقدرة، والوقوف مع الناس في الشدائد والأزمات.

– والرجل الحقيقي هو الذي نعلمه العمل ابتغاء وجه الله بتنمية عناصر التقوى والإخلاص والإيمان في قلبه.

– والرجل الحقيقي هو الذي نعلمه كيفية التصدي للصعاب بالصبر والعزيمة والثبات وحسن التصرف، هكذا نكون الرجال الحقيقيين، الذين  يستطيعون ممارسة طبيعتهم دون خلل أو انحراف، لهذه الخطبة تتمة في الخطب الاحقة بحول الله تعالى، والحمد لله رب العالمين.

الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *