صلاة الاستسقاء
أستغفر الله العظيم إن الله غفور رحيم. 7 مرات.
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون، فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا، ولكن قست قلوبهم”، ويقول عز وجل:” وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير”، ويقول سبحانه:”مايفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم”.
أيها الإخوة الكرام، شاء الله عز في سابق علمه وقدرته أن نجتمع اليوم في الجمعة الأولى من شهر ربيع الأنور، الشهر الذي ولد فيه الرسول المعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لنصلي صلاة الاستسقاء بعد أن ابتدأ الموسم الفلاحي الجديد موسوما بشح وقلة الأمطار، وصلاتنا هذه في هذا الشهر المبارك وفي هذا اليوم المبارك نسأل الله عز وجل أن تكون فأل خير علينا إن شاء الله تعالى.
أيها الإخوة الكرام، ابتدأ موسم الأمطار وكلنا أمل في الله عز وجل أن يغدق علينا من سحائب خيره وفضله وخيراته، وصاحبنا خلال هذه الفترة برد قارس متواصل، وغمام أسود متراكم، جعلنا أحيانا نكاد نتأكد من نزول الغيث، وماهي إلا دقائق حتى ينجلي كل ذلك فنفاجأ بالشمس المحرقة، وكأننا في فصل الصيف، يحدث كل هذا على الرغم من أن ثلة من المؤمنين الصادقين يتضرعون إلى الله خاشعين أن ينزل علينا سحائب خيره، فاستمر الحال على ماهو عليه، أفلا تدعونا هذه الحالة أن نتساءل عن أسباب هذا الجفاف؟ ألا تدعونا هذه الحالة إلى القلق والشك والتساؤل عن أسباب عدم استجابة الله لدعائنا ؟ ألا تدعونا هذه الحالة إلى الاعتراف لله بذنوبنا، والاستكثار من الاستغفار والتضرع والدعاء أن يكشف مقته وغضبه عنا؟، وإني لأعجب أيها الإخوة والأخوات لمن يعيش حالا كحالنا هذه، أو من طوقه الله بمسؤوليات جسام وأعمال وإكراهات عظام، أو من يعاني ويشتكي من أشياء كثيرة، ولايخصص وقتا لدعاء ربه، يحضر في مختلف المجالس والمناسبات والاجتماعات والولائم وغيرها، ويعدد المشاكل والصعوبات التي لاقبل له بها، ولايخصص وقتا للدعاء، بل كيف لانخصص وقتا للدعاء وهو العبادة ؟كما قال صلى الله عليه وسلم، فمن سيفرج عنا إذن إذا لم ندع الله عز وجل؟ ومن سيمدنا بالحول والقوة إذا لم ندع الله عز وجل؟ ومن سيوفقنا إذا لم ندع الله عز وجل؟ ومن سيكرمنا ومن سيبارك لنا في كل شيء إذا لم ندع الله عز وجل؟ ومن سييسر لنا ومن سيعيننا غير الله عز وجل؟ ومن سيغيثنا إذا لم يغثنا الله عز وجل؟ ومن ومن غير الله عز وجل؟ فأين هم الذين يتذكرون؟.
أستغفر الله العظيم إن الله غفور رحيم. 5 مرات.
أيها الإخوة الكرام، إذا تأملنا في أطوار تاريخ الإنسانية جمعاء، نجد بأن الجفاف والقحط ضرب أمما عديدة في الماضي، وكانوا كلما أجهدهم الحال وأقترت عليهم السماء هرعوا إلى أنبياء زمانهم يستسقون الله تعالى ويطلبون تبديل حال العسر باليسر، فعلى سبيل المثال لا الحصر حكى لنا القرآن الكريم قصة سينا نوح مع قومه عندما ابتلاهم الله بقلة الأمطار وشح الأرزاق وقلة البنين، فقام فيهم واعظا ومذكرا ومحذرا:”فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا”، وقص علينا القرآن كذلك موقف سيدنا هود عليه السلام في قومه عندما حبس عنهم الغيث فندبهم إلى الاستغفار والتوبة، فقال الله تعالى على لسانه:” وياقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولاتتولوا مجرمين”، وروى الإمام الحاكم والإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن نبي الله سليمان بن داود عليه السلام خرج يستسقي فرأى نملة مستلقية على ظهرها، وهي تقول:” اللهم إنا خلق من خلقك، ليس بنا غنى عن سقياك ورزقك، فإما أن تسقينا وترزقنا وإما أن تهلكنا، فقال سليمان: ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم”، وفي عهد موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم السلام حدث قحط وجفاف شديد، فكاد الناس أن يموتوا والبهائم أيضا أوشكت أن تموت من قلة المطر، فجاء الناس إلى سيدنا موسى وطلبوا منه أن يدعو الله لهم ويستسق لهم أن ينزل المطر، قال الله تعالى في ذلك:” وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ”، ويومها بنو إسرائيل سبعون ألفا، فجمعهم سيدنا موسى على صعيد واحد، وظل يدعو ويدعو ويلح على الله، وهم يؤمنون، والمطر لا ينزل، فقال موسى عليه السلام: “يارب لم لاينزل المطر ونحن ندعوك ونتذلل إليك؟، فقال الله تعالى:” ياموسى بينكم رجل يعصيني منذ أربعين سنة، فبشؤم معصيته منعتم المطر من السماء”، فقال موسى: ماذا نفعل؟، قال: ياموسى أخرجوه من بينكم فإنه إن خرج من بينكم هذا العاصي نزل المطر، فوقف موسى في بني اسرائيل يقول لهم: استحلفكم بالله أقسمت عليكم، بيننا رجل يعصي الله أربعين سنة فليخرج من بيننا، فلن ينزل المطر حتى يخرج، وكان هذا الرجل وسطهم، وظل يلتفت يمينا ويسارا لعل أحدا آخر يخرج فلم يخرج أحد، فعرف أنه هو المقصود، فقال: يارب أعصيك منذ أربعين سنة وأنت تسترني، يارب أنا اليوم إن خرجت فضحت، وإن بقيت هلكنا ولم ينزل المطر، يارب أنا اليوم أتوب إليك وأندم وأعود إليك فتب علي، واسترني فنزل المطر، فقال موسى: يارب نزل المطر ولم يخرج أحد، فقال الله: ياموسى نزل المطر بتوبة عبدي الذي عصاني منذ أربعين سنة، فقال موسى: دلني عليه لأفرح به، فقال الله: ياموسى عصاني أربعين سنة وأستره، أيوم يعود إلي أفضحه، وكذلكم فعل الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، فقد استسقى كما ورد في السنة عدة مرات، فقد خرج مع أصحابه رضي الله عنهم إلى المصلى متواضعًا، متبذِّلًا، متخشِّعًا، مترسِّلًا، متضِّرعًا، وكان مما حُفِظ من خطبته ودعائه: «الحَمْدُ لِله رَبِّ العالَمين، الرَّحْمن الرَّحيم، مالِكِ يَوْمِ الذَين، لا إله إلا اللهُ، يَفْعَلُ ما يُريد، اللهُم أَنتَ الله لا إله إلا أنت، تَفْعَل ما تُريدُ، اللهُم لا إلا إله إلا أَنْتَ، أَنْتَ الغَنيُ وَنَحْن الفُقَراءُ، أَنْزِل عَلَينَا الغَيْثَ، واجعَل ما أَنْزَلْتَه علينا قُوَّةً لَنَا، وَبلاغَا إلى حين» ثم رفع يديه، وأخذ في التضرُّع، والابتهال، والدعاء، وبالغ في الرفع حتى بدا بياضُ إبطيه. وكذلكم فعل الصحابة رضي الله عنهم، فقد روى الإمام البخاري في الصحيح عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن عمر رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال: “اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، فيسقون”.
أستغفر الله العظيم إن الله غفور رحيم. 5 مرات.
أيها الإخوة الكرام هكذا كان شأن المؤمنين على مر التاريخ عند انحباس المطر، كان شأنهم أنهم يفرون إلى الله ويتوبون إليه ويستغفرونه ويتذللون بين يديه وأعتابه ويتضرعون إليه لينزل عليهم الغيث، والذي يعيش حالة كحالتنا في هذه الأيام ينبغي أن يؤكد توبته ورجوعه إلى الله، ويصدق في استغفاره إليه من الذنوب والمعاصي، ويظهر ذله وافتقاره وتواضعه لله، ويكثر من الصدقة والصيام، والتقرب إلى الله تعالى بشتى أنواع الخير كالإحسان إلى الفقراء وإطعامهم لأنه من أطعم أطعم ومن أحسن أحسن إليه، والخروج من المظالم وأداء الحقوق، وترك الشحناء والعداوة والبغضاء في علاقتنا مع الناس، فلتبديل حال العسر بحال اليسر وتبديل حال الجفاف بحال المطر، وتبديل البأس بالخير والمصيبة بالنعمة علينا الإكثار من الاستغفار، وعلى كل واحد منا أن يحاسب نفسه المحاسبة الصادقة ويجدد البيعة لله للسير على طريقه وصراطه. يقول سبحانه:” وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ”، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
أستغفر الله العظيم إن الله غفور رحيم، 3مرات
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،
أما بعد فياعباد الله، جدير بنا ونحن نتكلم على هذا الواقع ونحن ننتظر أن يجود الله علينا بالغيث، أن نعرف الأسباب المهمة المذكورة في القرآن والسنة، والتي إن تلبسنا بها انحبس القطر من السماء لنعمل على تجنبها.
أول تلك الأسباب التطفيف في المكيال والميزان، وهو سبب رئيسي للضيق الاقتصادي، وثاني هذه الأسباب منع الزكاة وعدم إخراجها ودفعها لمستحقيها، وهو سبب أساسي لانحباس الغيث من السماء، وهناك سبب آخر وهو الزنى وكثرة الذنوب والآثام، علاوة على كفران النعمة وعدم شكرها، وهو سبب أصيل في منع نزول الغيث.
أيها الإخوة الكرام، هذه هي الأسباب المهمة فاعملوا على تجنبها، والآن حولوا ألبستكم تفاؤلا بأن يغير الله تعالى حالنا، فينزل المطر علينا، وادعوه مستقبلين القبلة وأيقنوا بالإجابة.
إني داع فأمنوا، فإن الله يحب الملحين في الدعاء، واستشفعوا إلى الله سرا بخالص أعمالكم.
اللهم اسقنا غيثا مغيثا هنيئا مريئا مريعا غدقا مجللا سحا طبقا دائما.
اللهم اسقنا مطرا منقذا من الشدة بإروائه طيبا لا ينغصه شيء محمر العاقبة ذا ريع ونماء كثير الماء والخير يجلل الأرض ويعمها مطبقا على الأرض ومستوعبا لها إلى أن تنتهي حاجتنا منه.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
اللهم إن بالعباد والبلاد والخلق من اللأواء والجهد والضنك ما نشكو إلا إليك.
اللهم أنبت لنا الزرع وإدر لنا الضرع واسقنا من بركات السماء وانبت لنا من بركات الأرض اللهم ارفع عنا الجهد والأزمة، واكشف عنا من البلاء ما لا يكشفه غيرك.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدرارا .
اللهم إنك أمرتنا بدعائك ووعدتنا إجابتك، وقد دعوناك كما أمرتنا، فاستجب لنا كما وعدتنا، إنك لا تخلف الميعاد.
الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين لا إله إلا الله يفعل ما يريد، اللهم أنت الله، لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث، واجعل ما أنزلت علينا قوة وبلاغا إلى حين.
اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا محق ولا بلاء، ولاهدم ولاغرق.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين