شدرات من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله ذي الفضل والإحسان والكرم والامتنان اصطفى نبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم – على جميع بني الإنسان وأدبه فأحسن تأديبه فكان خلقه القرآن وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الألوهية والربوبية والأسماء والصفات الحسان وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله المبعوث بمكارم الأخلاق وأتم الأديان صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والذين اتبعوهم بإحسان وسلم تسليماً.
أحبتي في الله
مازلنا في رحاب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه فبعد أن توقفنا في الجمعة الماضية عند دلالات الاحتفال بذكرى مولده وقلنا إن حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون من خلال اقتدائنا بسنته والسير على نهجه القويم وتأكيدا لعظمة رسول الله صلى الله عليه وسلم تقتضي الحكمة أحبتي في الله أن نقف وقفة تأمل عند أخلاقه صلى الله عليه وسلم ، وإن كان المقام لا يتسع ولن يتسع للإحاطة الكاملة بأخلاقه ا صلى الله عليه وسلم لأنها تسمو سموا لا يدانيه سمو، ولأنه لم يحصل لأحد من البشر ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم من توفر صفات الكمال وبلوغ الحد الأعلى والغاية القصوى التي يمكن أن يبلغها إنسان، فكان عليه الصلاة والسلام مضرب المثل في الكمال الإنساني والسمو الخلقي قبل البعثة وبعدها، وقد خصه الله بخصائص وميزات امتاز بها على البشر في الدنيا والآخرة فجعله أفضل المرسلين الذين هم خير البشر وجعله خاتمهم وسيدهم وإمامهم وأولهم خروجا من القبر وأولهم تقدما للشفاعة وأولهم مشفعا وقال صلى الله عليه وسلم متحدثا بنعمة الله عليه ومبينا للأمة منزلته عند الله ليعتقدوا ذلك ولينزلوه المنزلة اللائقة به صلى الله عليه وسلم من الإجلال والتعظيم والمحبة والمتابعة قال: “أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع” .
لقد كان رسول الله ـ صلى عليه وسلم ـ أحسن الناس سمتاً وعشرة، وأكملهم أدبا وخُلُقاً، وقد وصفه الله سبحانه بذلك فقال : { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) ، فما من خصلة من خصال الخير إلا ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفر الحظ والنصيب من التخلق بها ، شهد له بذلك القاصي والداني ، والعدو والصديق ، ومن ثم كانت مكارم الأخلاق سمة بارزة في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفعله وسيرته .
وقد سئلت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن أخلاق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: ( كان خلقه القرآن )(أحمد) ، وتريد بذلك أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان في مسلكه الخُلُقي محققاً لأدب القرآن في كل ما أحبه الله من الصفات الطيبة والأخلاق العظيمة ..
ومِن ذلك أن الله تعالى أمر بالوفاء بالعهد فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفى الناس بعهده ، وأمر بالتواضع فكان أكرم الخلق تواضعاً، وأمر بالعبادة فكان أكثر العباد إقبالاً على العبادة ، وحث على الشجاعة فكان أشجع البشر ، وحبب للمؤمنين الصفح والعفو فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعفى الخلق وأصفحهم ، وحض على الرحمة والبر فلا يُعرف من يدانيه رحمة وبراً..
وهكذا كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يترجم بفعله أكرم الأخلاق التي رغب الله فيها عباده الصالحين ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق )(أحمد) .
فتثبيت الفضائل الخلقية وغرسها في البشرية كان بمثابة الهدف الأعلى لرسالته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ ..
فبالرغم من حُسن خلقه صلى الله عليه وسلم ومدح الله سبحانه له فقد كان عليه الصلاة والسلام يدعو الله بأن يحسّن أخلاقه ويتعوذ من سوء الأخلاق عليه الصلاة والسلام . فعن عائشة رضي الله عنها قالت “كان صلى الله عليه وسلم يقول اللهم كما أحسنت خلقي فأحسن خلقي” – رواه أحمد ورواته ثقات. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعو فيقول “اللهم إني أعوذ بك من الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق” – رواه أبو داود والنسائي
أحبتي في الله
كما اشرنا إلى ذلك في بداية هذه الخطبة المباركة فإننا لو أردنا أن نحيط بأخلاق النبي جميعها فلا ولن نستطيع ذلك مهما حاولنا ، لكننا سنقف عند بعض الشذرات من أخلاق المصطفى صلى الله عليه وسلم .
وسنبدأ بأخلاقه صلى الله عليه وسلم مع أهله : حيث كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجاته بالإكرام والاحترام ، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) سنن الترمذي
وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم ، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم
كما كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم ولم يعتير ذلك ابدا تنقيصا من رجولته او كرامته ، عن الأسود قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت : كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم والترمذي.
أحبتي في الله
ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم العدل وإقامته شرع الله تعالى ولو على أقرب الأقربين مصداقا لقوله تعالى . : (يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَآءِ للّهِ وَلَوْ عَلَىَ أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ) (النساء:135) فكان يعدل بين نسائه صلى الله عليه وسلم ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة .وفي قصة المرأة المخزومية التي سرقت قال عليه الصلاة والسلام: ( والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد, لقطعت يدها).
ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم ف حسن معاملة لصحابته فقد وصف عثمانُ – رضي الله عنه – معاملتَه لصحابته فقال: صحِبنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في السفر والحضَر، وكان يعودُ مرضانا، ويتبَعُ جنائزنَا، ويغزو معنا، ويُواسينا بالقليل والكثير؛ رواه أحمد.
ولم تقتصر أخلاق النبي على أهله وأصحابه فحسب ، بل حتى الاطفال كان لهم نصيب من تلكم الاخلاق ، فعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم – رواه البخاري واللفظ له ومسلم. كما كان صلى الله عليه وسلم إذا سمع بكاء الصبي يسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.
ولم يتوقف رقي الرسول صلى الله عليه وسلم وعظمة خلقه عند أهل بيته أو اصحابه او مع الصبيان، بل شملت أخلاقه حسن تعامله حتى مع الخدم: فكان لطيفا رحيماً بهم ولم يكن يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح. عن أنس رضي الله عنه قال” خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا” – رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.
وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.
وكان صلى الله عليه وسلم يميل دائما إلى الوسطية والاعتدال ، عن عائشة رضي الله عنها قالت “ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم”.
وكان من خلقه الرحمة كيف لا وقد أرسله الله رحمة للعالمين: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الانبياء:107) وقال الله تعالى : فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..) (آل عمران:159)
ومن الصور الجميلة والرائعة المعبرة عن أخلاق الرسول العظيم انه عندما قيل له ادع على المشركين بسبب ما عاناه منهم وما لاقاه منهم فماذا كان جواب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه ؟ كان جوابه “إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة” – رواه مسلم. الله اكبر فأي أخلاق وأي رقي هذا ؟
ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم خلق العفو ، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم.
ومن خلقه التواضع حيث كان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين ، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: (( تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ )) [ القصص 83 ].
وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الجميع ، دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر. وكان أبعد الناس عن الكبر ، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري.
كيف لا وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر أيما تحذير فقال : ( لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) رواه مسلم
ومن تواضعه ما روي عن أنس رضي الله عنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له” – رواه أبو داود والترمذي بلفظه.
وكان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة خيره الله تعالى بين أن يكون ملكا نبيا أو يكون عبدا نبيا فاختار أن يكون عبدا نبيا.
كان ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة، وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما يبكيك يا عمر قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال الذي أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال : بلى قال: هو كذلك )
أحبتي في الله
من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً. وكان صلى الله عليه وسلم يعرف حق ربه عز وجل عليه ، وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وعلى الرغم من ذلك كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ ويسجد فيدعو ويسبح ويدعو ويثني على الله تبارك وتعالى ويخشع لله عز ،فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري.
ومن تخلقه صلى الله عليه وسلم بأخلاق القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه عز وجل أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به ويحث عليه، قال صلى الله عليه وسلم : (لأن أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم. كما كان عليه الصلاة والسلام أكثر الناس دعاءً، ـ وكان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته: (اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل) رواه النسائي وصححه الألباني.
ومن أخلاقه صلى الله عليه وسلم حسن المعاملة والإشفاق بمن يخطئ أو من يخالف الحق وكان يُحسن إليه ويعلمه بأحسن أسلوب ، بألطف عبارة وأحسن إشارة ، ومن ذلك ما رواه ابو أُمامة ـ رضي الله عنه ـ حيث قال: إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال له: (ادنه)، فدنا منه قريباً، قال: (أتحبّه لأمّك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم). قال: (أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم). قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم) قال: فوضع يده عليه، وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. رواه أحمد.
ومن أخلاقه أيضا انه صلى الله عليه وسلم انتهج حسن المعاملة ولطف ألأسلوب في دعوته للناس كلهم حتى شملت الكافرين ، فكان من سبب ذلك أن أسلم ودخل في دين الله تعالى أفواجٌ من الناس بالمعاملة الحسنة والأسلوب الأمثل ، كان يتمثل في ذلك صلى الله عليه وسلم قول الله عز وجل: (( ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ … )) [ النحل:12]
و كان إذا أُسيء إليه يدفع بالتي هي أحسن يتمثل ويتخلق بقوله تعالى: ((… ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنّهُ وَلِيّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقّاهَا إِلاّ الّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقّاهَآ إِلاّ ذُو حَظّ عَظِيم )) [ فصلت 34-35 ]
أحبتي في الله
لقد كان من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم خلق الكرم ، و الصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان..
ومن صبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه عندما اشتد الأذى به جاءه ملك الجبال يقول: يا محمد إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا، والأخشبان: جبلا مكة أبو قبيس وقعيقعان.
ومن خلقه صلى الله عليه وسلم ايضا التعاون قال عليه الصلاة والسلام : (مَنْ اسْتطاع منكم أَنْ يَنْفَعَ أَخاه فَلْيَنْفَعْه). وعن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته) رواه النسائي والحاكم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا مزيدًا.
أحبتي في الله أيها الإخوة المومنون
لقد ذاقَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحياةِ مُرَّها ولأواءها؛ قالت عائشة – رضي الله عنها دخلت عليَّ امرأةٌ ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجِد عندي شيئًا غير تمرةٍ واحدة؛ متفق عليه.
وربطَ على بطنه الحجرَ من الجوع؛ قال عمر – رضي الله عنه -: لقد رأيتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يظلُّ اليومَ يتلوَّى، ما يجدُ من الدَّقَل – أي: التمر الرديء – ما يملأ به بطنَه؛ رواه مسلم.
و لاقَى من المِحن والشدائد أشقَّها؛ نشأ يتيمًا، وأُخرِج من بلده، وحُوصِر في الشِّعبِ ثلاث سنين، واختفَى في غارٍ، ومات له ستة من الولد، وتبِعَه قومُه في مُهاجَره وقاتلوه، ومكرَ به أهلُ النفاق، وسُقِي السمُّ، وعُمِل له السحر، وكان يقول: «أُخِفتُ في الله وما يُخافُ أحد، وأُوذيتُ في الله وما يُؤذَى أحد». ومع ما لاقاه من تلك المصائب وغيرها كان مُتفائلاً في حياته ويقول: «يُعجِبني الفألُ والكلمةُ الحسنة»؛ متفق عليه.
أعرضَ عن الدنيا ورجا ما عند الله؛ فكان يقول: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكبٍ استظلَّ تحت شجرةٍ ثم راحَ وتركها»، ففارقَ الحياةَ ولم يُخلِّف شيئًا من حُطامها؛ قالت عائشة – رضي الله عنها -: تُوفِّي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وما ترك دينارًا ولا درهمًا ولا شاةً ولا بعيرًا، ولا أوصى بشيء.
أيها الأحبة الكرام :
نبينا – صلى الله عليه وسلم – أدَّى أمانةَ الرسالة ونصحَ لأمته، وقال: «مثَلي ومثَلُكم كمثَل رجلٍ أوقدَ نارًا فجعل الجنادبُ والفراشُ يقعن فيها وهو يذُبُّهن عنها، وأنا آخِذٌ بحُجَزكم عن النار، وأنتم تفلَّتون من يدي»؛ رواه مسلم.
ومن وفاءنا له علينا أن نؤدي حقوقه؛ من الإيمان به والتصديق بما جاء به، فقال: «لا يسمعُ بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسِلتُ به إلا كان من أصحاب النار»؛ رواه مسلم.
ومن حقه – صلى الله عليه وسلم -: تقديمُ حبه على الجميع ، قال: «لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»؛ متفق عليه.
ومن واجبات الأمة في جنابه: طاعته فيما أمر، واجتنابُ ما عنه نهى وزجَر، قال – عليه الصلاة والسلام -: «كل أمتي يدخلون الجنةَ إلا من أبَى». قالوا: يا رسول الله! ومن يأبَى؟ قال: «من أطاعني دخل الجنةَ، ومن عصاني فقد أبَى»؛ رواه البخاري.
ومن محبته: قراءة سيرته ومعرفة هديه في كل حين، ونشر دعوته في الآفاق، وأن يدعو المسلمُ لما دعا إليه من التوحيد وأوامر الدين ومحاسنه وفضائله، ومن جعل النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قدوتَه في عباداته ومعاملاته نالَ الفلاحَ والرضا.
أحبتي في الله
إن سعادةُ الدارَين بطاعته – عليه الصلاة والسلام -، وعلى قدر متابعته تكون الهداية والعزَّة والنجاة، قال – عز وجل -: ﴿ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ﴾ [النور: 54].
ومن أطاعه صلُح دينُه وحسُنت دنياه وانشرَحَ صدره، ومن أحبَّ أن يكون رفيقَه في الآخرة فليكن مُقتفيًا أثرَه، مُستنًّا بسنته، مُعرِضًا عما يُناقِضُ الشهادةَ له بالرسالة أو يُنقِصُها، قال تعالى : (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً *ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليماً ) [سورة النساء:69-70].
وقال تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً)[سورة الأحزاب:21].
فأكمل المؤمنين إيماناً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمهم اتباعا، له وأسعدهم بالاجتماع – معه: المتخلقون بأخلاقه المتمسكون بسنته وهديه، قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)). وقال ايضا : ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لأهله)). وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا)).
هذا واعلموا رحمكم الله ، أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا ﴾ [الأحزاب: 56
اللّهُمّ صلّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما صلّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ. اللّهُمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كَمَا بَاركْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ . اللّهُمّ يا ربّنا إنّا دَعَوْناكَ فاستجِبْ لَنَا دُعاءَنَااللهمّ اهدنا وسدّدنا اللهمّ استر عوراتنا وأمّن روعاتنا واقض عنّي ديوننا اللهمّ أصلح لنا ديننا الّذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا الّتي فيها معاشنا، و أصلح لنا آخرتنا الّتي فيها معادنا واجعل الحياة زيادة لنا في كلّ خير واجعل الموت راحة لنا من كلّ شر. اللهمّ لك أسلمنا، وبك آمنا، وعليك توكّلنا ، وإليك أنبنا ، وبك خاصمنا ، اللهمّ إنّا نعوذ بعزّتك لا إله إلّا أنت أن تظلّنا ، اللهمّ إنّا نسألك من الخير كلّه عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشرّ كلّه عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسالك من خير ما سألك عبدك ورسولك محمد صلّى الله عليه وسلم، ونعوذ بك من شرّ ما عاذ به عبدك ورسولك محمّد صلى الله عليه وسلم، ونسألك الجنّة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النّار وما قرّب إليها من قول أو عمل، اللهمّ اجعل في قلوبنا نوراً، وفي ألسنتنا نوراً، واجعل في سمعنا نوراً، واجعل في بصرنا نوراً، واجعل من خلفنا نوراً، ومن أمامنا نوراً، واجعل من فوقنا نوراً، ومن تحتنا نوراً، اللهمّ أعطنا نوراً اللهمّ أنت ربّنا لا إله إلا أنت، خلقتنا ونحن عبيدك، ونحن على عهدك ووعدك ما استطعنا. اللهمّ إنا نعوذ بك من شرّ ما صنعنا، ونبوء لك بنعمتك علينا، ونبوء بذنوبنا، فاغفر لنا؛ فإنّه لا يغفر الذّنوب إلّا أنت، يا حنّان.. يا منّان.. يا قديم الإحسان.. يا ذا الجلال والإكرام. اللهمّ املأ بالإيمان قلوبنا، وباليقين صدورنا، وبالنّور وجوهنا، وبالحكمة عقولنا، وبالحياء أبداننا، واجعل القرآن شعارنا، والسنّة طريقنا.. يا من يسمع دبيب النمل على الصّفا، ويُحصي وقع الطّير في الهواء، ويعلم ما في القلب والكُلَى، ويعطي العبد على ما نوى. اللهمّ اختم بالسّعادة آجالنا، وبالزّيادة آمالنا، واقرن بالعافية غدوّنا وآصالنا، واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومرجعنا، وصب سجال عفوك على ذنوبنا، واجعل التّقوى زادنا وفي دينك اجتهادنا، وعليك توكُّلُنا واعتمادنا، ثبّتنا على نهج الاستقامة، وأعذنا من موجبات النّدامة يوم القيامة. اللهمّ خفّف عنّا ثقل أوزارنا، وارزقنا عيشة الأبرار، واكفنا واصرف عنّا شرّ الأشرار، واعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمّهاتنا وعشيرتنا من عذاب القبر ومن النّيران، برحمتك يا أرحم الرّاحمين. اللهمّ ارزقنا نصراً نمحو به بؤسنا، وعزًا نطهّر به غمّنا اللهمّ لا تردّنا إلّا وقد عزت بذكرك ألسنتنا، وطهّرت من الذّنوب أبداننا، وملأت بالهدى قلوبنا، وشرحت بالإسلام صدورنا، وأقررت برضاك عيوننا، واستخدمت لدينك أرواحنا وأبداننا. اللهمّ قَومنا إذا اعوججنا، وأعنّا إذا استقمنا، وأعطنا رضاً لا سخط بعده، وهدىً لا ضلال بعده، وعلماً لا جهل بعده، وغنىّ لا فقر بعده، واجعلنا في كنفك وإنعامك، وعطائك وإحسانك.
اللهم وفق ملك البلاد أمير المومنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .
اللهم امدده من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .اللهم خذ بيده، وّ احرسه بعينيك الّتي لا تنام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام. واحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية المجيدة.
.اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن كافة الصحابة من المهاجرين والأنصار وعن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الستة الباقين من العشرة الكرام البررة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة،اللهم انفعنا بمحبتهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم، يا خير مسؤول وي