سنن الله تعالى في إنجاز وعوده لعباده
سنن الله تعالى في إنجاز وعوده لعباده
الدكتور مولاي عبد المغيث بصير
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “لله الامر من قبل ومن بعد، ويومئذ يفرح المومنون بنصر الله، ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم، وعد الله، لا يخلف الله وعده، ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
كثيرة هي وعود الله تعالى لعباده، والتي يجدها المتصفح لكتاب الله تعالى مبثوثة في العديد من آياته، وحاشى وكلا أن يخلف الله تعالى وعوده التي قطعها على نفسه إن وفى المسلمون بالأوامر والمتطلبات التي كلفهم بها، فمن ذلك مثلا قوله تعالى: ” فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد”، وقوله:” من عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة”، وقوله:” إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”. وغيرها كثير.
والحاصل عباد الله أن كثيراً من الناس قد يمرون على هذه الآيات وأمثالها، ويقفون على هذه الوعود التي ألزم الله عز وجل ذاته بها لعباده الذين طبقوا أوامـره، وينظرون فيجدون أن هذه الوعود، أو أكثرها غير ناجزة الـيـوم، فالمسلمون ليسوا منصورين كما قد وعدهـم الله، والظالمون يسرحون ويمرحون ويستلبون الحقوق، ولم يهلكهم الله كما قد وعد وتوعد، والمسلمون فيهم الكثير ممن لم تتحقق لهم الحياة الطيبة كما قد وعدهم الله عز وجل، مما يجعل البعض قد يشك في وعوده تعالى، غير أن القاعدة الأساس التي لا ينبغي إغفالها في هذا المقام وهي: “قبل أن تلاحق ربك بالحقوق التي لك عليه، لاحق نفسك بالواجبات الثابتة لله عليك”.
ومما قد يقوله هؤلاء مثلاً : ها نحن مؤمنون مسلمون، مساجدنا عامرة بالمصلين، نستقبل شهر رمضان بالصيام، نهرع إلى الحج والعمرة، إذن فنحن ننتصر لدين الله، فأين هو نصر الله لنا؟ يمتنون على الله بأن شعائر الإسلام لا تزال قائمة، فالمساجد تشهد مصلين فيها، ورمضان يشهد الصائمين والقائمين، ومكة تزدحم بالحجيج والمعتمرين طيلة أيام السنة، غير أنهم لا يخترقون هذه الشعائر العامة ليقفوا على أخلاق الناس وسلوكهم، وليدخلوا البيوت ويشهدوا غربة الإسلام فيها، وآية هذا الذي أقول، أن جل الذين يقولون هذا الكلام ويحتجون على الله بوعوده، تجدهم من الشاردين عن هديه والمستهترين بأحكامه، والبعيدين حتى عن معرفة الأساسيات من دينه. يتعاملون مع الله على أساس من التزامهم بعقد الإسلام وحده، ولا يقيمون وزناً لما وراء انتمائهم إلى الإسلام، أمثال هؤلاء لا يدركون أي معنى لقوله تعالى: “وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون”.
عباد الله، إن الإنسان كلما كان بعيداً عن الله مستغرقاً في المشاغل الدنيوية تقل وتضمر أمام بصيرته حقوق الله عليه، وتتكاثر رغباته وأمنياته التي قد يرى فيها حقاً له على الله، وكلما ازداد تذوقاً لحقائق الإسلام وازداد حباً لله وازداد مهابة له وخوفاً منه وتعظيماً له، يعود إلى قرباته وطاعاته، ينظر إليها وإذا هي في عينه تافهة قليلة لا تساوي شيئاً أمام عظيم حق الله عليه وأمام نعمه الكثيرة التي يتقلب فيها، فيضاعف عندئذ من قرباته وطاعاته، ويبالغ في رعايتها أن تكون صافية عن الشوائب، فأنى لمثل هذا والحالة هذه أن يرى لنفسه حقاً على الله يطالب به؟ وكيف يتأتى له وهو مغمور بمشاعر تقصيره، أن يطالب الله بالحياة الطيبة التي وعد بها عباده الصالحين؟ فأمثال هؤلاء يكبرون وتفنى قواهم ولا يروا أنهم أوفوا بعهد المحبة ولا قاموا بشكر النعمة، وقد عبر عن هذه الحقيقة بعض الصالحين عندما قال:” حسنات الأبرار سيئات المقربين”. أسأل الله تعالى أن يجعلنا من هؤلاء أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد فيا عباد الله، إن لله عز وجل سننا في عباده يتعامل معهم على أساسها، وينبغي أن نعرفها كي لا نخطئ في فهم ما قد نراه من الأحداث، ومن هذه السنن أنه جل جلاله قد يأخذ الكل بجريرة البعض، وقد نص البيان الإلهي على هذا في قوله عز وجل: «واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة»، ولذلك قد تجد من يقول: ما جريرتنا نحن الملتزمين والمستقيمين، أن يصيبنا البلاء أو يحيق بنا الهلاك بسبب غيرنا؟ أقول في الجواب: إن هذه القاعدة نفذت بقدر كبير من الشدة والدقة، في عهد رسول الله ﷺ، تأملوا مثلا في أحداث غزوة أحد عندما أمر رسول اللہ ﷺ الرماة، وكانوا زهاء خمسين صحابيا، ألا يبارحوا أماكنهم حتى يأذن لهم، فلما بدأ القتال وانتصر المسلمون بداية، خالف أولئك الرماة أمر رسول الله ﷺ، ونزلوا إلى أرض المعركة يجمعون الغنائم، فسرعان ما تحول النصر إلى هزيمة.
دققوا يرحمكم الله، جيش فيه رسول الله ﷺ ينهزم، وقارنوا بين تلك الغلطة أو المعصية التي تورط فيها بضع عشرات في جيش معهم رسول اللہ ﷺ، والمعاصي الكبيرة والكثيرة التي نرتكبها اليوم، ثم قارنوا بين عصا التأديب التي أصابت رسول الله ﷺ وأصحابه من جراء تلكم المخالفة، وعصي التأديب التي تصيبنا نحن المسلمين اليوم، من جراء الآثام التي استسلمنا راضين مطمئنين لها، نجد أننا مغمورون بدلال عجيب وبألطاف كبيرة من الله عز وجل.
ومن هذه السنن أيضا، ما يعامل الله به الطغاة الذين قطعوا آخر خيوط الصلة بالخالق عز وجل، وسخروا الدنيا كلها لمطامعهم وأهوائهم، ليزدادوا بذلك عتوا وسكراً، فيكون العقاب الذي أعده الله لهم أشد وأقسى، فإذا أخذهم الله بعد ذلك، أخذهم أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى: “ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم اليوم تشخص فيه الأبصار”.
ختاما عباد الله، فلنعلم إذن أن الله لا يخلف عهداً أو وعداً قطعه على ذاته العلية لمن أدوا شروطه بصدق وإخلاص، وأن الذين يعرفون هذه الشروط ويقدرونها حق قدرها هم الذين عرفوا الله حق معرفته وفاضت أفئدتهم مخافة ومهابة وحباً وتعظيماً له، لا الذين يتعاملون مع الله على أساس من عقد الإسلام، ويحصون على الله حقوق أنفسهم دون أن يتذكروا حقاً على أنفسهم له.
عباد الله، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.
الدعاء لمولانا أمير المؤمنين وكافة المسلمين.