رحمة الله بهذه الأمة

الدكتور : عبد الهادي السبيوي

الحمد لله رب العالمين، مجير المستجيرين، وجابر كسر الضعفاء والمحرومين، غياث من استغاث به، وناصر من انتصر به، هو الأول بلا ابتداء، والآخر بلا انتهاء، نعمه تترى، ورحماته كثرى، حليم لا يعاجل بالخطايا، رحيم غيث رحمته يصوب، خيره إلينا نازل، وفضله علينا كامل، والصلاة والسلام على نبي الرحمة محمد بن عبد الله، وعلى من والاه، وسار على هداه، وقدم محبته على هواه، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى أن يشفع لنا عند مولاه.
أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، إذ بها النجاة يوم الهول، والأمن يوم الفزع، والفوز يوم التغابن، من استمسك بها أفلح، ومن اعتصم بها ربح، وعليها يكون التفاضل في الدنيا: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13], وبها تكون الرفعة يوم الدين (وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [البقرة: 212].
أحبتي في الله: ما أعظم رحمة الله بهذه الأمة، ما أعظم رحمته بجميع مخلوقاته ، كيف لا وهو الرحمان الرحيم ، كيف لا والرحمة صفة مت صفاته جل وعلى وهي رحمة عامة شاملة، شملت جميع خلقه .
واسم الرحمن: دال على صفة ذاتية، واسم الرحيم: دال على صفة فعلية. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: “إن الرحمنَ دال على الصفة القائمة به سبحانه، والرحيم دالٌ على أن الرحمة صفته، والثاني دال على أنه يرحم خلقه برحمته، وإذا أردت فهم هذا فتأمل قوله: ﴿ وَكَانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ﴾ [الأحزاب: 43]، ﴿ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 117]، ولم يجئ قط (رحمن بهم) فعلم أن رحمن هو الموصوف بالرحمة، ورحيم هو الراحم برحمته”.
وقد جاء اسم الرحمن في القرآن في سبعة وخمسين موضعًا، وجاء اسم الرحيم في مائة وأربعة عشر موضعًا. وهذا يؤكد اتصاف ربنا جلَّ جلاله بالرحمة، وأنه رحيم بخلقه؛ إذ كُرِّر ذلك في آيات كثيرة من كتاب الله تعالى.
وصفة الرحمة لله تعالى هي صفة كمال لائقة بذاته كسائر صفاته العلى، وليست كرحمة المخلوقين التي يعتريها النقص والعجز والضعف؛ ، والله تعالى له الكمال المطلق؛ فكانت له الرحمة الكاملة التي لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
إنها رحمة رَحِمَ بها عباده من ملائكة وإنس وجن وحيوان، ورحم بها جميع مخلوقاته، وإذا كان ما في الوجود من آثار التدبير والتصريف الإلهي شاهدًا بملكه سبحانه؛ فإن ما لله تعالى على خلقه من الإحسان والإنعام شاهدٌ برحمةٍ تامةٍ وسعت كل شيء. وإن آثار رحمته العامة والخاصَّة لباديةٌ للعيان، ظاهرةٌ للعقلاء، أدركتها العقول، واستقرت في الفِطَر، وشاهدها الخلق.
أحبتي في الله
إن جميع نعم الله الكثيرة على الخلق أجمعين ، إنما هي منة ورحمة منه -عز وجل-، فرحمة الله تعالى واسعة، وسعت كل شيء، وهي تتمثل في مظاهر كثيرة لا يحصيها العبد، ويعجز الإنسان عن مجرد تتبعها وتسجيلها، سواء في ذات نفسه وتكوينه وتكريمه بما أكرمه الله به، أو بما سخر الله له من حوله ومن فوقه ومن تحته، أو فيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [النحل: 18]. وقد روى الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لما خلق الله الخلق كتب كتابه: إن رحمتي تغلب غضبي))، وفي رواية: ((إن رحمتي سبقت غضب)[6].وهذا موافق لقوله سبحانه: ﴿ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ﴾ [الأنعام: 12]، وهو جلَّ ذكره يكتب على نفسه ما شاء؛ لأنه لا آمر له ولا ناهي يوجب عليه ما يطالبه به، ولكنه سبحانه إذا وعد عباده وعدًا أنجزه ﴿ وَعْدَ الله لَا يُخْلِفُ اللهُ المِيعَادَ ﴾ [الزُّمر: 20]، ﴿ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ الله ﴾ [التوبة: 111].
فمن رحمته الدائمة المتكررة، كل يوم وليلة على مدى الدهر أن جعل لعباده النهار ليبتغوا من فضله، وينتشروا في ضيائه لطلب أرزاقهم ومعايشهم، وجعل لهم الليل ليسكنوا فيه، وتستريح أنفسهم وأبدانهم فيه من تعب السعي في النهار، فهذا كله من فضله ورحمته بعباده (وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [القصص: 73].

ومن رحمته جلَّ في علاه أن أوجد خلقه من العدم، ورباهم بالنعم، ودبرهم أحسن تدبير، وصرفهم أجمل تصريف.و أرسل إلينا رسله، وأنزل علينا كتبه، وهدانا من الضلالة، وبصَّرنا من العمى، وأرشدنا من الغي، ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [آل عمران: 164].
ومن رحمته جلَّ جلاله أنه أحوجَ الخلقَ بعضَهم إلى بعض لتتم مصالحهم، ولو أغنى بعضهم عن بعض لتعطلت مصالحهم، وانحل نظامهم، وكان من تمام رحمته بهم أن جعلَ فيهم الغني والفقير، والعزيز والذليل، والعاجز والقادر، والراعي والمرعي، ثم أفقر الجميع إليه، ثم عمَّ الجميع برحمته..
﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزُّخرف: 32].
وبرحمته جلَّ في علاه وضع الرحمة بين عباده ليتراحموا بها، وكذلك بين سائر أنواع الحيوان، فهذا التراحم الذي بينهم بعض آثار الرحمة التي هي صفته ونعمته، واشتقَّ لنفسه منها اسم (الرحمن الرحيم) وبهذه الرحمة قوام العالم ونظامه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله خلق الرحمة يوم خلق السموات والأرض مائة رحمة، كل رحمة طباق ما بين السموات والأرض)) وفي رواية: ((فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمةً، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة)) وفي رواية: ((إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحشُ على ولدها – وفي رواية: حتى ترفع الدابة حافرها عن ولدها خشية أن تصيبه – وأخَّر الله تسعًا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة))؛ رواه الشيخان[4].
كما تتجلى رحماته كذلك في مجازاته العبد على السيئة بمثلها، ومجازاته على الحسنة بعشر أمثالها، إلى أضعاف كثيرة، ومحو السيئة بالحسنة: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [الأنعام: 160]، والرحمة تظهر أيضا في تجاوز الله عن سيئات العباد إذا عملوها بجهالة ثم تابوا، رحمة بهم كما قال سبحانه: (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأنعام: 54]. قال ابن كثير: أي: أوجبها على نفسه الكريمة، تفضلا منه وإحسانًا وامتنانًا, بل ومن هم بسيئة ثم تركها كتب الله له حسنة, إكراما للعبد على تركه وخشيته ربه.
وتتجلى رحمة الله -جل جلاله- بفرحه سبحانه بتوبة العبد إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، ويكفر عنه سيئاته، ويغفر ذنوبه, ويوجب له محبته، وهو -سبحانه- الرحيم الذي ألهمه إياها، ووفقه لها، وأعانه عليها، وقبلها منه, قال الله تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة: 39].

فما أعظم هذه العناية من الله الرحيم بعباده المؤمنين، وما أجمل هذا الإحسان من المولى الكريم، وما أعظم هذه الرحمة من الرحمن الرحيم، وما أجملَ هذا التحنن والعطف والتحبب إلى العباد، وحسن التلطف بهم.
ألا ما أعظمَ رحمة الله بعباده، فمع خلقهم، وتأمين أقواتهم، وقسمة أرزاقهم، خلق سبحانه ملائكة يدعون لهم، ويستغفرون لهم، ويشفعون لهم عند ربهم، ومع هذا كله أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، وتعَّرف إليهم بأسمائه وصفاته، وآلائه وإنعامه، ليدعوه بها، ويسألوه بموجبها, ويعظموه من خلال تعرفهم بها.
اللهم ارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء، ولا تخزنا يوم العرض عليك، وارحم ضعفنا وذلنا وانكسارنا بين يديك، أنت ربنا، وأنت أرحم الراحمين. أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الثانية
الحمد لله (الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته، وهو الولي الحميد) .. خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى ، فجعله غثاء أحوى .. السماءَ بناها، والأرضَ دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها، والجبالَ أرساها.. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له .. الكرم صفة من صفاته، والجود من أعظم سماته، والعطاء من أجلّ هباته، فمن أعظم منه جودًا سبحانه، يَدُه مَلأَى، لا تَغِيضُهَا نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ، بِيَدِهِ الْمِيزَانُ يَخْفِضُ وَيَرْفَعُ .. (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، حبيبُ قلوبنا ، وقرةُ عيوننا ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً ،
أما بعد .
أحبتي في الله، ولأن الله سبحانه وتعالى رؤوف بنا ، ولأنه ارحم بعباده من الأم بولدها، شاءت قدرته وشاءت إرادته وشاءت مشيئته إلا أن يرحمنا وينعم علينا هذه الأيام بالغيث بعد أن بدأ الخوف يذب في قلوبنا ، فسبحانَ القادرِ على كلّ شيء، سبحانَ من إذا قال للشّيء: كن فيكون،{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى. فهذه الإمطار هي رحمة من الله ونعمة من نعمه تحتاج منا الى شكر الله تعالى قال سبحانه: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}،
فلولا فضله ورحمته سبحانه ما سقينا .. اشكروا الله بالثناء عليه بألسنتكم، والتحدث بنعمته، واشكروا الله بالقيام بطاعته والإنابة إليه ،أكثروا من شكره، فهو سبحانه يحبّ الشاكرين، ويزيد النعم عند شكرها، قال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) .. وقال سبحانه: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) ..وقال سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمْ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ ، أَأَنْتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنْ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ ، لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ .فاللهم لك الشكر على آلائك التي لا تعد ولا تحصى، اللهم لو شئت لجعلت ماءنا أجاجاً، ولكن برحمتك جعلته عذباً زلالاً، فلك الحمد والشكر لا نحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك

أحبتي في الله
إنَّ استمرار نزول الأمطار مِنَّة من الله تعالى تستوجب علينا الإيمان والطاعة والاستقامة،وترك الذنوب والمعاصي، والتوبة والاستغفار، وأداء ما أوجب الله تعالى علينا من زكاة أموالنا، وفي الحديث: ((ولـم يمنعوا زكـاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا)).
ومن السنن التي ينبغي لنا أن نتفطن لها أن وقت نزول المطر من أوقات الاستجابة للدعاء، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر)) حسنه الألباني في صحيح الجامع.
وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم كما يروي البخاري إذا رأى المطر قال: ((اللهم صيِّبا نافعا))، وعندما يتوقف المطر كان يقول: ((مطِرنا بفضل الله ورحمته))، وكان إذا نزل المطر وخشي منه الضرَر دعا وقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والضراب وبطون الأودية ومنابت الشجر))
وجاء في الأثر بسند صحيح عن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: {سبحان الذي وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ}.
ومما يندب له مع نزول المطر أن يحسر الواحد منا شيئاً من ملابسه حتَّى يصيبه المطر تأسيًا برسول الله كما عند مسلم عن أنس قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر قال: فحسَر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبه حتى أصابه من المطر فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: ((لأنه حديث عهد بربه))
عباد الله : إن كل ما في الدنيا فهو مذكِّر بالآخرة، ودليل عليه، فإنبات الأرض واخضرارها في الربيع بعد يبسها، يدل على بعث الموتى من الأرض: { وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فاشكروا الله بالثناء عليه بألسنتكم والتحدث بنعمته، واشكروا الله بالقيام بطاعته امتثالاً للأمر واجتنابًا للنهي، واشكروا الله بالإنابة إليه بقلوبكم واعتقاد أن هذه النعم فضل منه ورحمة وإحسان، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96]. وتفكروا في عظيم خلقه سبحانه،
واعلموا أحبتي أن إنزال المطر ليس بالتأكيد دليلا على رضا الله عن خلقهأو هو جزاءٌ مستحق لما قدمناه من أعمال؟
نقول هذا: وفينا من لا يزال مصراً على الذنوب والعصيان، أو الظلمِ والعدوان، والتقصيرِ في حق الله، أو ظلمِ عباد الله.ليست القضية بالمكافأة، بل هي رحمة الله الواسعة ، ووالله ثم والله ، لولا رحمةُ الله بنا ، وحلمُه علينا، ما رأينا هذا الخيرَ.
قد ينزل المطر بسبب دعوة رجلٍ صالحٍ أو صبي ، أو رحمةً بالبهائم .. وقد يكون استدراجًا من الله تعالى لخلقه .. وقد تكون تنبيهًا للمؤمنين المقصّرين لشكره وحمده والرجوع إليه .. نسأل الله أن يرزقنا شكر نعمته ، والإنابة إليه ويشهد لهذه الحقيقة ويبرهن عليها، ما جاء في سنن ابن ماجه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لم يَنقُص قومٌ المكيالَ والميزان، إلا أخذوا بالسنين وشدةِ المؤنة وجورِ السلطان ، ولم يَمنعوا زكاةَ أموالهم، إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائمَ ما أُمطِروا .
اللهمّ صلِّ على النبيِّ المصطفى المختار، اللهمّ صلّ عليه ما غرَّدت الأطيارُ وأزهرت الأشجَار وهطَلت الأمطار، اللهمّ صلّ عليه ما سالت الأوديةُ والأنهار وفاضت العيون والآبار، اللهمّ صلّ عليه وعلى المهاجرين والأنصار وعلى جميع الآل والصحب والأخيار .
اللهم ادفع عنا الغلاء والبلاء والوباء والربا والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين.
اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفاراً، . اللهم اسقنا سقيا نافعة واسعة تزيد بها في شكرنا، وتوسع فيها على فقرائنا وتحيي بها أرضنا، أنت الحي فلا تموت وأنت القيوم فلا تنام بك نصول ونجول وعليك التكلان.
اللهم وفق ملك البلاد أمير المؤمنين محمد السادس لما تحب وترضى وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم كن له معينا ونصيرا وأعنه وانصره على أعدائه وأعداء المغرب .
اللهم امدده من عندك بالصحة و العزم و القوة و الشجاعة والحكمة و القدرة و التوفيق لما فيه مصلحة العباد و البلاد و الأمة الإسلامية قاطبة ، و اجعله لدينك و لأمتك ناصراً ، و لشريعتك محكماً .اللهم ، خذ بيده، و احرسه بعينيك الّتي لا تنام، واحفظه بعزّك الّذي لا يضام. واحفظه اللهم في ولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بأخيـــــــه المولى رشيد وسائر الأسرة العلوية المجيدة وأيِّده بالحق وارزقه البطانة الصالحة يا ذا الجلال والإكرام.
.اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه.. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وذريته كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
وارض اللهم عن كافة الصحابة من المهاجرين والأنصار وعن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الستة الباقين من العشرة الكرام البررة الذين شهد لهم رسول الله بالجنة،اللهم انفعنا بمحبتهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم، يا خير مسؤول ويا خير مأمول..
عباد الله:اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *