ذكر الله في ايام التشريق

ذكر الله في ايام التشريق

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله على توالي إنعامه  وإحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، نحمده ونستعين به ونسترشده، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشعائره، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الدال على الأعمال التي تستوجب رضوانه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه، ما اتصلت عين بنظر، أو سمعت أذن بخبر إلى يوم اللقاء به، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، هنيئا لنا ولكم عيد الأضحى، وتقربنا فيه للمولى عز وجل بالأضاحي وأعمال البر التي نرجو بها ذنوبا تمحى، وأجورا تضاف في سجل أعمالنا الخالصة لوجه الله الكريم، وإننا أيها الإخوة المؤمنون نعيش هذه الأيام التي تسمى أيام التشريق، وهي الأيام الثلاث الموالية ليوم عيد الأضحى المبارك الأكبر، وهي أيام غالية من أعمارنا، أمرنا فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نكثر من ذكر الله عز وجل فيها، فقد أخرج الإمام مسلم عن نبيشة الهذلي (ض) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل”. وسميت بذلك لأن الناس يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدي أي: يقددونها وينشرونها للشمس، أيها المؤمنون، في هذا الحديث سر عجيب يتلخص في أن الإنسان مرتبط بعبوديته لربه في كل حال من أحواله، وفي كل زمان من الأزمنة، فليس هناك وقت ينفك فيه المسلم عن عبوديته لربه، فكما أنه يتعبد الله تعالى في شهر رمضان بالامتناع عن الأكل والشرب حال الصيام، فإنه على العكس من ذلك، في هذه الأيام المباركات من شهر ذي الحجة، وبعد نحر الأضاحي تقربا بها لله عز وجل يتعبدنا الله تعالى بالأكل من الأضاحي والشرب وذكر الله عز وجل، تنفيذا لأمر الله، واستعانة بها على طاعته ومرضاته، لا على معصيته، قال ابن رجب (ح): “وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إنها أيام أكلٍ وشربٍ وذكرٍ لله عز وجل” إشارةٌ إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على الطاعات، وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله، وبدلها كفرا وهو جدير أن يُسلبها، أيها الإخوة المؤمنون، هذه الأيام أيام ذكرٍ لله تعالى، وذكر الله تعالى المأمور به في هذه الأيام أنواعٌ متعددةٌ منها: ذكر الله عز وجل عقب الصلوات المكتوبة بالتكبير في دُبرها، وهو مشروع إلى آخر أيام التشريق عند جمهور العلماء، ومن العلماء من يرى أن التكبير أيام التشريق ليس مقيدًا بأدبار الصلوات، بل هو مطلق في سائر الأحوال، لأن الله عز وجل خص هذه الأيام بالذكر فقال: “وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ”، فعن إمامنا مَالِكٍ أنه قَالَ: الأَمْرُ عِنْدَنَا أَنَّ التَّكْبِيرَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ، وَأَوَّلُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ.  دُبُرَ صَلاَةِ الظُّهْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُ ذَلِكَ تَكْبِيرُ الإِمَامِ وَالنَّاسُ مَعَهُ. دُبُرَ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيق، ثُمَّ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ، وقَالَ أيضا: وَالتَّكْبِيرُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. مَنْ كَانَ فِي جَمَاعَةٍ أَوْ وَحْدَهُ، بِمِنًى أَوْ بِالآفَاقِ، كُلُّهَا وَاجِبٌ، وَإِنَّمَا يَأْتَمُّ النَّاسُ فِي ذَلِكَ بِإِمَامِ الْحَاجِّ، وَبِالنَّاسِ بِمِنًى. لأَنَّهُمْ إِذَا رَجَعُوا وَانْقَضَى الإِحْرَامُ ائْتَمُّوا بِهِمْ. حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَهُمْ فِي الْحِلِّ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ حَاجا، فَإِنَّهُ لاَ يَأْتَمُّ بِهِمْ إِلاَّ فِي تَكْبِيرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. أيها المؤمنون، من صيغ التكبير الوارد في أيام التشريق، “الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ،الله أكبر، ولله الحمد”، أيها الإخوة المؤمنون، في ذكر الله تعالى أيام التشريق يتحد الكون، فالملائكة، والإنسان، وجميع المخلوقات تتوحد في استغراقها للوقت بذكر الله، والمسلم الحريص على طاعة ربه، ينبغي عليه أن يعلم أن أفضل العبادات بعد ذبح النسك في هذه الأيام هي الإكثار من ذكر الله تعالى بعد أداء ما فرض عليه من الفرائض، لذا أوصيكم أيها المؤمنون ونفسي بالإكثار من ذكر الله وتكبيره في هذه الأيام خاصة وطيلة العمر، ويكفينا أن نعلم أن الذكر هو العبادة التي لم يجعل الله لها حدا محدودا، ولا وقتا معدودا، قال الله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا”، وقال سبحانه :”والذاكرين الله كثيراً والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيماً”، والأيات في هذا الباب كثيرة ومتعددة، وقال صلى الله عليه وسلم: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”، أيها المؤمنون، اعلموا أن الذنوب كبائرها وصغائرها لا يمكن أن يرتكبها الإنسان، إلا في حال الغفلة والنسيان، فذكر الله عز وجل، سبب للحياة الكاملة التي يتعذر معها أن يرمي صاحبها بنفسه في الرذائل، الموجبة لغضب وسخط الرب العظيم، وعلى الضد من ذلك، التارك للذكر، والناسي له، فهو ميت، لا يبالي الشيطان أن يلقيه في براثينه، قال تعالى: “ومن يعْشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين”، وقال تعالى: “ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى”، قال سيدنا ابن عباس (ض): “الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس”، وكان رجل رديف النبي صلى الله عليه وسلم على دابة، فعثرت الدابة بهما، فقال الرجل: تعس الشيطان فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: “لا تقل: تعس الشيطان، فإنه عند ذلك يتعاظم حتى يكون مثل البيت، ولكن قل: بسم الله. فإنه يصغر عند ذلك حتى يكون مثل الذباب”، واعلموا أيها المؤمنون، أن الإكثار من ذكر الله، براءة من النفاق، وفكاك من أسر الهوى، وجسر يصل به العبد إلى مرضاة ربه، وما أعده له من النعيم المقيم، وذكر الله تعالى أشرف ما يخطر بالبال، وأطهر ما يمر بالفم، وتنطق به الشفتان، وأسمى ما يتألق به العقل المسلم الواعي، وهو البلسم عندما تحيط بالإنسان الضوائق، قال تعالى: “الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، أخي المؤمن، لا تخش غما، ولا تشك هما، ولا يصبك قلق، مادمت مكثرا لامن ذكر الله، يقول جل وعلا في الحديث القدسي: “أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم”، فأكثروا إخواني من ذكر الله واجهروا به بين الملأ لتذكروهم بالذكر، وبالرجوع والإنابة إلى الله العلي القدير كاشف الهم والغم، والسابق بالنعم، في سائر الأيام والأوقات، وخاصة في هذه الأيام المباركات، أيام التشريق، لنكون جميعا من الشاكرين الذاكرين، فاللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، وأخرجنا يا رب من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، و اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

أيها المؤمنون، ها أنتم تلاحظون أن وباء كورونا لا زال يلاحقنا، ويتضاعف عدد المصابين به بيننا، خاصة في هذه الأيام الأخيرة، التي بدأنا نسمع فيها أرقاما مهولة ضاقت بها المستشفيات، وعجز معها الأطباء، وقاست من نتائجها الأسر، وكل ذلك بسبب الأنانية المفرطة لبعض المواطنين المستهترين الذين لا يبالون من مخالطة الناس، وممن يقيمون الحفلات والأعراس، فتنقلب الأفراح والمسرات بؤرا تعدي وتكون سببا لإنتشار هذا الوباء الفتاك الذي لا يعرف حقيقته إلا من عانى وقاسى آلامه، وخرج من ذلك سالما، ومع كامل الأسف أن الدولة والساهرين على الأمن الصحي للمواطنين، منذ بداية هذا الوباء في السنة الماضية وهم يقدمون النصح بالحد من التنقل، إلا للضرورة القصوى، وتجنب مخالطة الناس، والتزام التباعد الجسدي، واستعمال أساليب التعقيم، واتخاذ الكمامات وارتدائها في الأماكن العامة، ولكن كما يقال: أسمعت لو ناديت حيا، ولكن لا حياة لمن تنادي. أخي المؤمن، كفى أنانية، وليكن شعارك الحذر والوقاية، وإيثار الآخرين على نفسك، فبسبب تهورك وأنانيتك قد تتسبب في انتشار هذا الوباء الفتاك، ويكون أول المتضررين به شيخ أو عجوز من أقرب الناس إليك قليل المناعة، فتنقل له العدوى وتكون السبب المباشر في وفاته، وحينها لا ينفعك الندم ولا التحسر، فالحذر الحذر، “ولا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة”. الدعاء.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *