ذكر الله تعالى،أعظم مايشتغل به العبد أيام العيد

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد: فيا عباد الله، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أهل السنن:” أفضل الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر”، ويوم القر هو يوم الحادي عشر، لأن الحجاج يستقرون في منى، ويقول أيضا فيما رواه الإمام الترمذي وصححه:” يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب وذكر لله”.

نعم أيها الإخوة الكرام، أيام العيد أيام أكل وشرب وذكر لله، والكثير منا يطبق الشطر الأول من الحديث، وينسى الشطر الثاني وهو الأهم، فيأكل ويشرب ويمرح ويفرح، وينسى ذكر مولاه وخالقه الذي تفضل عليه، وساق إليه مختلف النعم التي لاتحصى، وأمد له في عمره حتى شهد العيد وأفراحه. فذكر الله تعالى يعتبر من أهم الأعمال التي يمكن أن يقوم بها المسلم في هذه الأيام المباركة.

أيها الإخوة الكرام، من خلال خطبة هذا اليوم المبارك تعالوا بنا نسائل أنفسنا  هل فعلا  نحن عازمون على ذكر الله في هذه الأيام الفضيلة؟، وكم نخصص لذكر الله تعالى من أوقات؟ وهل فعلا نذكر الله أم استولت علينا الغفلة وصرنا نحسب مع الغافلين؟ وهل خصصنا أوقاتا لربنا عز وجل لذكره في اليوم والليلة؟ وبشكل عام هل انتبهنا إلى أهمية ذكر الله تعالى في حياتنا؟

يقول الله عز وجل :” ياأيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا”، ولم يأمر عز وجل إطلاقا بالإكثار من شيء سوى ذكر الله تعالى، وللأسف الشديد إن الكثير من المسلمين يغفلون عن هذا الجانب ولا يخصصون أوقاتا لذكر ربهم بالاستغفار إليه وإعلان التوبة بين يديه، وتوحيده وتنزيهه عن الشرك به، وحمده وشكره على ماأولاهم من نعم، وعلى ما وفقهم من طاعات وصرف عنهم من ابتلاءات، وكذا تخصيص أوقات لمناجاته ودعائه والتضرع بين يديه لتفريج الكرب وقضاء الحاجات، وكذلك للصلاة على حبيبه المصطفى التي ثبت أن لها فضلا عظيما.

ويكفي أيتها الأخوات أيها الإخوة من أفضال الذكر أنه عز وجل يتفضل علينا فيذكرنا في ملئه عندما يقدر علينا ويشاء أن نذكره، قال تعالى:”فاذكروني أذكركم”، وما أعظم أن يذكرنا مولانا وخالقنا بأسمائنا في ملئه، انظروا إلى ما وقع لسيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه عندما علم أن رب العزة ذكره باسمه، روى الإمام البخاري في صحيحه عن أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب رضي الله عنه: “إن الله أمرني أن أقرأ عليك القرآن، قال أبي: آلله سماني لك، قال: الله سماك لي فجعل أبي يبكي”.

وروى أبو داوود في سننه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:”ما من قوم يقومون من مجلس لايذكرون الله تعالى فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار وكان لهم حسرة”، لذلك يتعين علينا في أيام العيد أن نأكل ونشرب ونفرح، ونذكر الله تعالى ونحمده ونمجده ونعظمه ونمزج ذلك بأكلنا وشربنا، ونتذكر الفقراء والأيتام والمساكين وأصحاب العاهات وذوي الاحتياجات، فكما نجتمع مع أهلينا وأبنائنا في هذه الأيام لنأكل ونشرب ونعبر عن فرحنا وسرورنا وابتهاجنا بالعيد، يستحسن الاجتماع معهم في جلسات ربانية روحية لذكر الله وحمده وشكره ودعائه والتضرع بين يديه، فإذا فعلنا نكون قد ذكرنا الله وشكرناه وقمنا بالواجب في هذه الأيام المباركة، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه،

أما بعد فياعباد الله، لكي تدركوا أهمية ذكر الله تعالى في هذه الأيام المباركة، تأملوا بعين فكركم في هؤلاء المسلمين الذين أكرمهم الله بالحج في هذه الأيام، فقد تجشموا الصعاب وصرفوا الأموال وبذلوا الأنفس والنفيس، من أجل القيام بهذه الشعيرة العظيمة، ولكن فلتعلموا أيها الإخوة والأخوات بأنهم لم يذهبوا لتلك البقاع إلا ليذكروا الله تعالى ويمجدوه ويعظموه ويسبحوه.

ونظرة سريعة على غالب الآيات التي وردت فيها أحكام الحج، تجدها تحث الحجيج على ذكر الله تعالى، يقول الله تعالى:”وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر ياتين من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات”، ويقول أيضا:”فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم وإن كنتم من قبله لمن الضالين”، ويقول عز وجل:” واذكروا الله في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه، ومن تأخر فلا إثم عليه لمن اتقى”، ويقول:” ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم”، ويقول أيضا :”فإذا قضيتم مناسككم فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشد ذكرا “.

أرأيتم إلى هذه الآيات التي تتكلم على ركن الحج الأعظم كيف ركزت على الأمر بالإكثار من ذكر الله تعالى والحث عليه؟ وهل انتبهتم كيف أن الله عز وجل يأمرهم بذكره بعد الانتهاء من كل شعيرة من شعائره؟ وكأني بالحجاج إنما ذهبوا إلى تلك البقاع الطاهرة إلا ليذكروا الله تعالى، وكأن الحجاج إنما أنفقوا أموالهم وأوقاتهم إلا ليذكروا الله تعالى، وكأن الحجاج إنما تجشموا الصعاب والمشقات والأتعاب إلا ليذكروا الله تعالى.

نعم أيها الإخوة والأخوات، إنه لايوجد نظير في الفضل أن يلهج أحدنا بذكر ربه، روى الإمام مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:” مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت”، وروى أيضا عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما أنهما شهدا على النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:” لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده”، نسأل الله تعالى أن يلزمنا ذكره ويوفقنا لإدراك هذه الأفضال وهذه الخيرات، وأن يجعلنا من الذاكرين ويحفظنا من الغفلة ومخالطة الغافلين، أمين، والحمد لله رب العالمين.

 

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *