ذكرى مولد سيد الخلق وذكرى الاسقلال

ذكرى مولد سيد الخلق وذكرى الاسقلال

الحمد لله، الذي أضاءَ الوجودَ بنورِ النبوةِ والرسالة، وجعل الدلالةَ عليه بأيدي المرسلين أمانة يؤدُّونها إلى العبادِ حتى خَتَمَهُم بسيِّدِهم المصطفى نور الجلالة، اللهم صَلِّ وسلِّم وبارك على عبدك المصطفى سيدنا محمد. ألا إنَّا نشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي لنورِه من يشاء. ونشهدُ أنَّ سيِّدنا ونبيَّنا وقُرةَ أعينِنا ونورَ قلوبِنا محمداً عبدُه ورسولُه، سيدُ الأنبياء، وأكرمُ مَن في الأرض والسماء على ربِّ الأرض والسماء.

أما بعدُ عبادَ الله:

 فإني أُوصيكم ونفسيَ بتقوى الله. فاتقوا اللهَ عبادَ الله. اِتقوا اللهَ في استقبالِ النورِ الذي أشرق، الهادي إلى من خَلَق، المبيِّن لحقيقة الحق، المنقذِ من الآفات والظلمات والهلاكِ والغرق. ﴿ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ 

أحبتي في الله ، في مثل هذا الشهر _ شهر ربيع الأول _  أشرق النور وبزغ الفجر وولد خير البشر رسولنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة والنعمة المسداة يقول الله جل في علاه {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)

إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي زكى الله به نفوس المؤمنين وطّهر به قلوب المسلمين وجعله رحمة للعالمين وحجة على الخلائق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه دائما أبدا إلى يوم الدين لقد كانت ولادته فتحا وبعثته فجرا هدى الله به من الضلالة وعلم به من الجهالة وأرشد به من الغواية وفتح الله به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وكّثر به بعد القلة وأعزّ به بعد الذلة .إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن وصفوة الأنام لا طاعة لله إلا بطاعته {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ } ولا يتم الإيمان إلا بتحقيق محبته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) كان صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق أخلاقا وأعظمهم أمانة وأصدقهم حديثا وأجودهم نفسا وأسخاهم يدا وأشدهم صبرا وأعظمهم عفوا.

 إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شرح الله صدره ورفع ذكره ووضع وزره وأتم أمره وأكمل دينه وأبر يمينه ما ودعه ربه وما قلاه بل وجده ضالا فهداه وفقيرا فأغناه ويتيما فآواه وخيّره بين الخلد في الدنيا وبين أن يختار ما عند الله فأختار لقاء الله .

.إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من وطئ الثرى وأول من تفتح له الفردوس الأعلى يقول النبي صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع فصيح اللسان واضح البيان موجز العبارة موضح الإشارة آتاه الله جوامع الكلم وأعطاه بدائع الحكم يقول أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه ( ما رأيت شيئا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه

إنه الحبيب المصطفى والرسول المجتبى الذي بعثه الله جل علا ليخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام إلى العدل والمحبة والوئام بلغ العلى بكماله ، كشف الدجى بجماله ، حسنت جميع خصاله ، صلوا عليه وآله .

أحبتي في  الله

لقد كان العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم يعيشون في جاهلية جهلاء يعيثون في الأرض كالأنعام يعبدون الأصنام ويستقسمون بالأزلام يأكلون الميتات ويئدون البنات ويسطوا القوي منهم على الضعيف .

ثم أذن الله لليل أن ينجلي وللصبح أن ينبلج وللظلمة أن تنقشع وللنور أن يشعشع فأرسل الله رسوله الأمين الرءوف الرحيم بالمؤمنين أفضل البرية وأشرف البشرية {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} فأختاره الله للنبوة واجتباه وأحبه للرسالة واصطفاه صلى الله عليه وسلم ما هطلت الأمطار وأورقت الأشجار وتعاقب الليل والنهار.

أحبتي في  الله :إن من أعظم حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا أن نطيعه ونتبع سنته وننفذ أوامره ونسلك طريقه ونقتدي به يقول الفضيل بن عياض رحمه الله إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، والصواب أن يكون على السنة، والخالص أن يكون لله، وقرأ: فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ويقول الإمام مالك رحمه الله: السنة سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك ، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها

يقول الله في كتابه العظيم { وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} ويقول سبحانه { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وأخبر سبحانه وتعالى أن الهداية والفلاح إنما تكون بطاعته صلى الله عليه وسلم {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} { فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وحذر سبحانه من عصيان أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم فقال {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا).

أحبتي في الله

إن ذكرى مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم تدفعنا  أن نقتدي به وأن نقتفي أثره، وأن نكون على طريقه، وأن نكون على شاكلة أصحابه، هذا هوالاحياء الجقيقي لذكرى موله وهذا هو  الذي يرقى بنا،  أما المديح من دون تطبيق فهو لا يقدم ولا يؤخر، وهذه حقيقة،  إذن فالمحبة الحقيقية لرسول الله  والاحتفال الحقيقي بمولده هي اتباعه.

 ففي ذكرى مولده  صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نجدد العهد على إحياء سنته والإقتداء به ومعنى ذلك أن نستحضر الرسول في عبادتنا لله تعالى فنجعل عبادتنا  كعبادته عليه الصلاة والسلام في صلاته وصيامه وقيامه الليل واستغفاره وفي إخلاصه لله تعالى وخشيته منه.

 في ذكرى مولده  صلى الله عليه وسلم يجب علينا أن نستحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام في بيوتنا ونستحضر عطفه  كما كان مع أبناء فاطمة رضي الله عنها .. ونستحضر معاملته لأهل بيته وكيف كان يعامل زوجاته  لنكون بدورنا أزواجا صالحين  وزوجات صالحات في بيوتنا لتكون الحياة سكناً بين الزوجين.

في ذكرى مولده صلوات عليه وسلامه يجب أن نتذكر سمو  أخلاقه  حيث (كان خلقه القرآن ) كما تقول  أمنا عائشة رضي الله عنها

_ وفي ذكرى مولده علينا أن  نحيي سنة التراحم والتزاور وصلة الرحم والعطف على المحتاج .. نحيي سنة الإستماع للآخرين

_  في ذكراه نريد في مدارسنا المربي الذي يقتدي بمحمد صلى الله عليه وسلم في تربيته وتوجيهه وتعليمه حيث تخرج من مدرسته قادة فتحوا البلاد.

 و_في ذكراه  نريد في تجارتنا التاجر الصدوق  الذي لا يغش بضاعته والتاجر الصدوق مع الأنبياء والصديقين في الجنة.

وفي ذكراه  نريد في إداراتنا  المسؤول النزيه الذي يعرف الله حق المعرفة ويحافظ على المال العام  من التسيب ونريد الموظف النشيط الذي يخاف الله  الموظف الذي يمتنع عن أكل الحرام والذي يكون في خدمة المواطن لا  الموظف الشبح او المرتشي او الغشاش والمتهاون في عمله .

وفي ذكراه صلى الله عليه وسلم نريد مواطنين صالحين  يحبون وطنهم  ويسعون جاهدين  لحفظ مكانته وكرامته مستعدين للدود عنه والحفاظ على أمنه  واستقراره ورخائه .

أحبتي في الله

يا أتباعَ النور المحمدي : اقتدوا برسول الله ونوروا أفكاركم، ونوروا أخلاقكم، نوروا  صدوركم ومعاملاتكم، و تربيتكم لأنفسكم وأهاليكم، حتى  تكونوا صالحين مُصلحين، مؤدِّين للأمانة قائمين بحقِّ جمعِ الشمل وتأليف القلوب، حافظين المجتمع والجيرة مِن التفرُّق والتشتُّت والتمزُّق والتباغُض؟ أنتم أتباع هذا النور الذي جاءكم بهذه الأمور. ﴿ اُذْكُروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألَّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ﴾. بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم، نوَّرَنا الله بنوره، وسار بنا في سبيله، وجعلنا وإياكم من أهل أتباعه والاستضاءة بشُعاعِه حتى يحشرَنا الله في زمرته، إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين

 فلا بد للمسلم من اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والعمل بها والإنقياد إليها والثبات عليها عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ ويقول صلى الله عليه وسلم هذه سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني

عباد الله فلنسأل أنفسنا كم من سنة خالفناها وكم من أوامر عصيناها وكم من حدود تجاوزناها وكم من سنن تركناها وكم من نواه فعلناها فرحماك رحماك ربنا بنا.

ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم علينا أن نقرأ سيرته وأن نتدبر حياته ونستمع إلى أخباره فإنه صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة لنا في أمورنا كلها {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا

 اقرءوا عن حياته ومعاملاته وعباداته وغزواته وهديه مع أهله وطريقته مع أصحابه وسلوكه مع أعدائه وتعرفوا على حياته اليومية كيف كان يأكل وكيف كيف كان ينام وكيف كان يفعل في أموره كلها .

فإن سيرته صلى الله عليه وسلم دواء للقلوب وصلاح للعقول وشفاء للنفوس وهي التطبيق العملي والتفسير التطبيقي والنموذج الحي للقرآن الكريم كما وصفته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وأرضاها بإنه كان قرآنا يمشي علـــــــــــى الأرض

ومن حقوقه صلى الله عليه وسلم علينا محبته واجلاله وتعظيمه {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

 إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست أقوالا تقال ولا دعاوى تدعى ولا طبولا تدك في المساجد وإنما محبته صلى الله عليه وسلم تعني طاعته واتباعه وإجلال أمره ونهيه يقول الله في آية الإمتحان {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) 

أقولُ قولي هذا وأستغفر اللهَ العظيم لي ولكم ولوالدينا ولجميع المسلمين، فاستغفروه فإنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي تفرد بكل جمال وكمال، وتفضل على عباده بجزيل النوال، له الحمد في الأولى والآخرة والحال والمآل، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدس عن الأشباه والأمثال، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله كريم الشباب وشريف الخصال، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحب وآل، و على التابعين و من تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء على الأعمال.

أما بعد

احبتي في الله ونحن نحتفي هذا الأسبوع بميلاد خير البشر ، لا بد للتذكير أن هذه الذكرى العظيمة تتزامن مع ذكرى لا تقل عنها أهمية بالنسبة للشعب المغربي إنها ذكرى عيد الاستقلال ، وهي مناسبة وطنية عزيزة، يخلدها الشعب المغربي في هذا الشهر كل سنة، ويستحضر من خلالها تضحيات الشعب المغربي والتفافه حول  العرش العلوي المجيد بعد ان امتدت يد الاستعمار الأثيمة لرمز البلاد محمد الخامس طيب الله ثراه ، فنفاه إلى منفاه السحيق، ظنا منه أن الجو سيخلو له وأن الاستغلال سيحلو له فيفعل كل ما يريد، فنسي الاستعمار أن كل مغربي يحمل في قلبه شخصية قائده، ، فقام المجاهدون الفدائيون بالاغتيالات لأفراد الاستعمار والخونة وتفجير ممتلكاتهم، فقدموا من أجل ذلك الشهداء تلو الشهداء، ولم يثن عزائم المجاهدين السجون ولا أنواع التعذيب كل ذلك في سبيل الدفاع عن المقدسات الدينية والوطنية، الشيء الذي أرق الاستعمار وأقض مضجعه، ليرتحل من البلاد وهو يجر أذيال الخيبة والندم، فيرجع محمد الخامس ومعه وارث سره الحسن الثاني طيب الله ثراهما إلى البلاد تاليا قوله تعالى: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور ومرددا : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.

إنها ذكرى بما ترمز إليه من التلاحم القائم بين العرش والشعب، والإخلاص والوفاء، وذكرى الافتخار بالتقاليد والأمجاد، وذكرى الوحدة المتواصلة الملك وشعيه ، القائمة على الاعتصام بحبل الله المتين، والتمسك بدينه القويم، مصداقا لقوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا)

إن احتفال المغاربة بهذه الذكرى لهو مناسبة لإذكاء روح التعاون والتضامن والإخاء، ومناسبة لتقوية أواصر المودة والتلاحم القائم بين العرش والشعب، ومناسبة لأخذ العبر والدروس من الماضي للأجل العمل في الحاضر وبناء المستقبل، تجسيدا لآمال المواطنين وأمانيهم، للسير قدما بهذا البلد نحو التقدم والرقي والازدهار، في ظل الثوابت والمقدسات، تحت القيادة الحكيمة والرشيدة ، التي قيضها الله لهذا الوطن العزيز، الذي عرف أعمالا جليلة، ومنجزات عظيمة.

ولاسيما في ظل عهد   أمير المؤمنين محمد السادس حفظه الله ورعاه والذي أبى إلا أن يشمر على السواعد وينهض بهذه الأمة سيرا على نهج جده محمد الخامس ووالده  الحسن الثاني طيب الله تراهما.

أحبتي في الله ، إن احتفالنا هذه الأيام  بعيد الاستقلال المجيد، إنما هو تذكير لأبناءنا وللأجيال القادمة  بتضحيات من سبقونا بالغالي والنفيس ، تذكير بان الاستقلال ما كان ليتم لولا محبة المغاربة لوطنهم وإخلاصهم في هذا الحب النابع من إيمانهم واقتناعهم بعدالة قضيتهم .

بتضحيات الآباء والأجداد تحقق الاستقلال الذي في رحابه استطاع مغربنا الحبيب   أن يبني مؤسسات الدولة وينهض بها لتحقيق رسالتها،  أمناً  وأمانا ورخاءً وسلاماً. فسلام على أولئك الذين صنعوا أمجاد الاستقلال بدمائهم وجهودهم وتضحياتهم، وسلام على كل من يحب هذا الوطن . وسلام على كل من زرع في ابناءه حب الانتماء لهذا الوطن ، وحب الوطن في قلب الإنسان قضية فطرية إنسانية إجتماعية لا يختلف حولها إثنان، وقد جاء الإيمان والإسلام لصقل هذا الحب وتجذيره وربطه بالأجر والثواب بإعتباره طاعه يتقرب بها إلى الله تعالى .

حب الوطن والإنتماء والولاء له يتجذر ويتعمق مع الإيمان ويزداد متانة ويرتقي من حب للتراب والطين إلى حب وطاعة لرب العالمين ، والإنسان بحبه لوطنه إنما يتأسى بسيد البشرية سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي قال عند خروجه من مكة مهاجراً ( والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأنت أحب البلاد إلي ولولا أن المشركين أخرجوني لم أخرج منك أبداً ) .

أحبتي في الله

إن الولاء والانتماء للوطن فريضة شرعية وضرورة بشرية ، ذلك أن الضرورات الخمس التي لا تستقيم الحياة الإنسانية إلا بها والتي تعمل الشريعة الإسلامية على تحقيقها ( الدين، النفس ، العقل ، العرض ، المال ) لن تتبلور حقيقة في حياة الناس بعيداً عن روح الولاء والإنتماء والمواطنة الصالحة .فالولاء والإنتماء أساس المواطنة وبدونهما تصبح علاقة الإنسان بوطنه مجرد علاقة نفعية من طرف واحد ….

ومن معاني الإنتماء والمواطنة إضطلاع كل مواطن بمسؤولياته كافة ، وتحمله للأعباء في سبيل مجتمعه فهذا واجب مقدس في الإسلام ، إذ إن مسؤولية تحقيق الأمن والإستقرار والإزدهار والتقدم مسؤولية جماعية لا فردية .إن الإنتماء للوطن لا يتوقف عند حدود المشاعر والعواطف فقط وإنما يتجاوز ذلك إلى تقديم أحد أهم الإستحقاقات وهو العمل والبناء وبذل كل ما هو ممكن من أجل نماء ورفعة الوطن وتميزه بين سائر البلدان .

فالأمم الناهضة لا تعرف في تاريخها أعز وأعظم من يوم إستقلالها الذي نالت فيه حقها وكرامتها وهو نعمة من نعم الله عليها ، ومن الواجب عليها أن تذكر وتشكر نعمة المنعم جل جلاله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) سورة المائدة الآيه ( 11 ) 

هذا وصلوا وسلموا على خير البرية وأزكى البشرية محمد بن عبد الله  صاحب الحوض والشفاعة، فقد أمركم الله بذلك في قوله: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56]

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الرحمين.

اللهـــــم وفق وانصر أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس لما تحـــــب وترضى من الأقوال والأفعال والأعمال يا حي يا قيوم وخذ بناصيته للبر والتقوى،اللهم انصر من نصره واخذل من خذله  اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام، وأحفظه في ولي عهـــــــــده الأمير مولاي الحسن وأنبته نباتا حسنا  وشد أزره بأخيه المولى الرشيد وباقي الأسرة العلوية الشريفة اللّهم يا حي يا قيوم يا ذو الجلال والإكرام اهدنا في من هديت وعافينا في من عافيت واقض عنّا برحمتك شرّ ما قضيت، إنّك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، آمنا بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت فاغفر لنا ما قدمنا وما أخّرنا وما أسررنا وما أعلنّا وما أنت به أعلم أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير. اللهم  إن  أعَطيتنا نجَاحاً فلا تأخذ تَواضعنا ، وإذا أعطيتنا تواضعاً فلا تأخذ اعتزازنا بِكرامتنا. اللهم عَلمنا أنْ نحبّ النَاسْ كَما نحبّ أنفسنا، وَعَلّمنا أنْ نحَاسِب أنفسنا كَما نحَاسِب النَاسْ
اللهم لا تصبنا بِالغرور إذا نَجَحْنا وَلا باليأس إذا فْشلنا اللهم إذا أسَأنا إلى الناس فأعطنا شجَاعَة الاعتذار، وإذا أسَاء لنا النَّاس فاعْطِنا شجَاعَة العَفْوَ. عباد الله! اذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

خطبة الجمعة ليوم  16 نـــــونبر 2018، مسجد الحسن الثاني سيدي بنور ، د/عبد الهادي السبيوي

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *