ذكرى عيد العرش المجيد
ذكرى عيد العرش المجيد
الأستاذ مولاي يوسف بصير
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله وإحسانه تتنزل الرحمات والبركات، وبعبادته وطاعته وحمده وشكره تدوم النعم والخيرات، وتنال الفضائـل والمكرمات. نحمده سبحانه وتعالى حمد المؤمنين الصادقين، ونشكره شكر العارفين المخلصين، ونشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، شهادة من أسلم وجهه إلى الله وهو محسن فاستمسك بالعروة الوثقى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ومجتباه من خلقه وخليلهّ، أرسله الله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، يقول الله تعالى في كتابه المكنون: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم، وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا”، وحتى تستمر أمة الإسلام على هذه الهداية الإسلامية وتحافظ على هذه الفضيلة الإيمانية، أمرها الحق سبحانه بالإعتصام بحبله المتين، والتمسك بدينه القويم، والعمل بأحكام شرعه الحكيم، فقال وهو أصدق القائلين: “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا”، أيها الإخوة المؤمنون، إن من تمام فضل الله ومنته الكبرى على بلدنا المغرب الأمين، وشعبه المسلم الكبير، أن الله هيأ له منذ قرون وأجيال قيادة مؤمنة، رشيدة حكيمة، صالحة مصلحة، من سلالة العترة النبوية الشريفة ترعى هذا البلد وتصونه في شؤون دينه ودنياه، وتحكمه بما أوجب الله على المؤمنين من السمع والطاعة لأولي الأمر في الإسلام، مصداقا لقوله سبحانه: “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، وعملا بالحديث الصحيح المروي عن سيدنا عبادة بن الصامت (ض) في قوله: “بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم”، أيها المؤمنون، إنها طاعة دينية، وأمانة إسلامية، وعهد وثيق يجمع بين الراعي والرعية، تقوم على البيعة الشرعية لمن ولاه الله مقاليد الأمة وتدبير أمورها، ويعتبر الحفاظ على العهد والوفاء بها تدينا لله وعبادة، وخلقا وفضيلة، وطاعة ومحبة لله ورسوله مرضية، عملا بقوله تعالى: “وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا”، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المروي عن سيدنا أبي هريرة (ض): “من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع أميري فقد أطاعني، ومن عصى أميري فقد عصاني”، وقال: صلى الله عليه وسلم “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له”، وقال تعالى: “من يطع الرسول فقد أطاع الله، ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا”، وقال سبحانه: “هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون”. أيها الإخوة المؤمنون، في ضوء هذه المبادئ الدينية، والأحكام الشرعية الربانية، والنظرة المؤمنة الواعية، والوطنية المسلمة الصادقة، والوفاء للآباء والأجداد، والتعلق بالعرش العلوي وملوكه الأفذاذ، يحتفل الشعب المغربي في يومنا هذا من أقصاه إلى أقصاه، في مدنه وقراه، ويبتهج بذكرى وطنية خالدة، تعتبر من أعز الذكريات الوطنية وأعظمها قدرا ومكانة، وأكثرها اعتزازا واستبشارا ومفخرة، إنها ذكرى عيد العرش المجيد، التي تخلد الذكرى الثانية والعشرين لتربع أمير المؤمنين وحامي حمى الوطن والدين، جلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، هذه الذكرى التي تعاودنا ذكراها في الثلاثين من شهر يوليوز من كل سنة، والتي ترمز إلى دلالات تاريخية وحضارية، وتدل على صلات قوية ومتينة تربط بين العرش العلوي المجيد، وشعبه المغربي العتيد، وتفصح على التجاوب الدائم والتلاحم القائم المستمر بين القمة والقاعدة، وبين الراعي والرعية، وترمز أيضا إلى معاني الولاء والإخلاص والطاعة الدينية والآصرة والرابطة الشرعية التي تجمع في بلدنا المغرب الكريم بين أمير المؤمنين وشعبه المؤمن الوفي في ظل خلافة إسلامية، وملكية دستورية قائمة على الكتاب الكريم والسنة النبوية، والعمل على توفير العدالة الإجتماعية للأمة، وعلى الجهاد المستمر والعمل المتواصل الهادف إلى النهوض بهذا البلد وشعبه الكريم في جميع الميادين، أيها الإخوة المؤمنون، إن ذكرى عيد العرش المجيد في مملكتنا المغربية السعيدة يقترن دوما بجلائل الأعمال وعظيم المنجزات التي ادخرها الله لملوك الدوحة العلوية الشريفة خلفا عن سلف، والتي ترفع من مكانة هذا الوطن على أيديهم، وتنهض وتسير به خطوات إلى الأمام لمواكبة الركب الحضاري ومسايرة التطور العصري، وتزيد من رصيد السمعة الطيبة لهذا الشعب النبيل الوفي لمبادئه، المجد في إعلاء شأنه بين شعوب العالم المتقدم كله، وستبقى أيادي بيضاء كريمة، وأعمالا جليلة عظيمة، شاهدة على ما يقدمه ملوك هذا البلد من نفع للوطن والمواطنين، وعلى ما يبذلونه من جهد لنصرة الإسلام والمسلمين ورفاهية المواطنين، عاملين بقول الله العزيز الحكيم: “من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة، ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”، نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبسنة نبيه العظيم، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أخرج الشيخان وغيرهما من حديث سيدنا عبد الله بن عمر (ض) عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها وولده وهي مسؤولة عنهم، وعبد الرجل راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته”. إنه حديث نبوي شريف، يفصح بجلاء، ويعبر بوضوح وبيان عن مسؤولية كل واحد من أمة الإسلام فيما أناطه الله به من تكليف وأعمال، وأوجبه عليه من حقوق الله وحقوق العباد، مصداقا لقول الله تعالى: “ولتسألن عما كنتم تعملون”، وقوله سبحانه: “ولله ما في السماوات والأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى”، فاتقوا الله أيها المؤمنون والمؤمنات، واجعلوا هذا الحديث القيم نصب أعينكم، واعلموا أنكم مسؤولون أمام ربكم يوم العرض الأكبر عليه، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”، مسؤولون عن دينكم ودنياكم، وعما قدمتم لأنفسكم من أعمال صالحة تفرحكم وتبيض وجوهكم يوم تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين والمنافقين، يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد”، وإن المغاربة حين يحتفلون بعيد العرش فإنهم يعبرون من خلاله عن عمق البيعة المتواصلة والدائمة التي تربطهم بمولانا أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، جلالة الملك محمد السادس، المؤيد بالنصر والتمكين، ويعبرون عن تعلقهم بأهذاب العرش العلوي المجيد، ويعلنون للعالم أجمع سيرهم الأكيد وفق ما يخططه جلالة الملك للرقي بالأمة المغربية، حتى تتبوأ مكانتها اللائقة بها بين الأمم العربية والإسلامية والإفريقية، والإخلاص في الأعمال والمهام الدينية والوطنية المنوطة بنا، وعلى رأسها المحافظة على أمن البلاد واستقرارها، والذود عن حماها، وصيانة حرماتها، والعمل على تجنيبها تبعات هذه الأزمة الصحية العالمية وهذا الوباء الذي لا يمكن القضاء عليه إلا بتتبعنا لخطى مولانا أمير المؤمنين في الإحتياط والحيطة والتزام التعليمات الطبية والصحية والوقائية، المتمثلة في نكران الذات وإيثار الأمة المغربية على الأنانية الفردية، خاصة ونحن في كل يوم نسمع الأرقام المهولة والتي تزيد في ارتفاع من يوم إلى يوم للمصابين بداء كورونا المتحورة، في حين أن ملكنا يسعى ويبذل قصارى الجهود لتصبح مملكتنا المغربية رائدة في إنتاج اللقاحات وتوفيرها بعد سعيه المشكور إلى تمكين الشعب المغربي بكل فئاته المستهدفة للحصول على التلقيح المجاني من أجل ضمان مناعة مجتمعية شاملة، يقول الله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولوا الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر”. الدعاء.