ذكرى ثورة الملك والشعب، وعيد الشباب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله العلي الأعلى، خلق الأرض والسماوات العلا، الرحمن على العرش استوى، نحمده تعالى على أن هدانا لدينه المرتضى، وشرعه المجتبى، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، شهادة من أسلم وجهه إلى الله واستمسك بالعروة الوثقى وتاب إليه واستغفره وعمل صالحا ثم اهتدى، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الرحمة المهداة لكل من اتقى، وأفضل من عبد ربه وجاهد في سبيله حتى ارتقى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المتبعين له في كل ما أمر به وما عنه نهى، وسلم تسليم كثيرا أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، إن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا لعبادته، وأمره بطاعته وطاعة رسوله وامتثال أمره، وشرع له من الأعمال الدينية والدنيوية ما تتحقق به عبوديته، شرع له العبادات ليتقرب بها إلى خالق الأرض والسماوات، وشرع له العمل ليكد ويسعى لطلب الرزق والحصول على مقومات الحياة، وجعل الله الحياة الدنيا مطية للأخرة، وجعلها ممرا وليست بدار مستقر، فهي دار إيمان ويقين وعمل ، ودار صبر ومصابرة وثبات لبلوغ الأمل ومقاومة للشهوات، وللنفس الأمارة بالسوء وللهوى والشيطان الغرور، وضد كل من أراد أن يمس بعزة المسلم وكرامته أو ينال من مقدسات دينه ومقومات وطنه، وجعل الله الآخرة دار ثواب وجزاء على ما قدم الإنسان من خير أو شر في هذه الدنيا الفانية، مصداقا لقوله عز وجل: “ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى”، وقوله سبحانه وتعالى “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”، كما تعلمون أيها المؤمنون، أن الجزاء من جنس العمل، ولهذا نجد أن لكل شعب مسلم ولكل بلد مسلم يؤمن بالجزاء الأوفى رصيده الثمين من كفاحه المتواصل عبر تاريخه الطويل، يحتفظ فيه بأيام مشهودة ويختزن فيه ذكريات دينية ووطنية راسخة من الجهاد والنضال في سبيل نصرة الدين وكرامة الوطن، ويقف عندها في مناسباتها ليستحضر من خلالها صفحات التاريخ ويرى فيها معالم جهاد الآباء والأجداد، وملاحم المفاخر والأمجاد مصداقا لقوله عز وجل: “وذكرهم بأيام الله، إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور”، وإن من أيام المغرب المجيدة وذكرياته الخالدة والتي يعتز بها في مجال الكفاح والنضال ذكرى ثورة الملك والشعب التي يخلد بها هذا الشعب المغربي الأبي انتفاضته القوية في وجه الإستعمار الفرنسي حين بلغ ظلمه أقصاه، ووصل طغيانه منتهاه، فامتدت يده الأثيمة إلى رمز سيادة البلاد وضامن وحدتها واستقرارها جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه، فنفاه عن شعبه ووطنه، وأبعده عن عرشه وبلده، ظانا بذلك أن الجو سيخلو له، ويصفو له المكث والمقام، فيفعل بهذا البلد بما فيه ما يشاء، ولكن هيهات هيهات، فالله سبحانه وتعالى كان لظلم الإستعمار وطغيانه بالمرصاد، وكان الشعب المغربي في منتهى الولاء والوفاء والإخلاص لدينه ولوطنه ولملكه، وكان في منتهى الصبر والفداء والتضحية من أجل رد الإعتبار إلى أهله، والسيادة إلى صحابها الحقيقيين، فوقف سدا منيعا بجهاده في وجه الإستعمار وأطماعه التوسعية، وضد نواياه وأعماله السيئة مصداقا لقول الباري عز وجل: “ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون”، وقوله أيضا: “ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله”، وقوله أيضا: “وكان حقا علينا نصر المؤمنين”. أيها المسلمون، إذا وقفنا وقفة تأمل وتدبر عند هذه الذكرى الجليلة وحاولنا أن نستكشف سر النجاح فيها وسر انتصار المغرب على الإستعمار في مدة وجيزة نجد أن ذلك كان نتيجة الإلتحام بين الملك والشعب، وأن الرأي بينهما كان مشتركا وأن الإيمان بالخلاص كان قويا جدا وأن قيادة جلالة المغفور له محمد الخامس ومعه رفيقه في الكفاح والنضال جلالة الحسن الثاني طيب الله ثراه كانت تنظر إلى الأمور بعين بصيرة ثاقبة مؤمنة بأن الله سينصر الذين يجاهدون في سبيل الله ويقدمون أرواحهم فداءا للدين وتحرير الوطن ابتغاء مرضاة الله تطبيقا لقوله سبحانه “الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم لوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم”، وقوله جل وعلا: “ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الإعلون إن كنتم مؤمنين”، وقول النبي ص: “تضمن الله لمن خرج مجاهدا في سبيل الله، لا يخرجه إلا جهادا في سبيلي وإيمانا بي وتصديقا برسلي فهو علي ضامن(أي في عهد الله وذمته) أن أدخله الجنة (أي إن مات شهيدا) أو أرجعه إلى أهله نائلا ما نال من أجر أو غنيمة (أي إن بقي على قيد الحياة)”، وما هي إلا سنتان من الكفاح والجهاد والنضال المشترك بين العرش والشعب بمختلف طبقاته كانتا تتويجا لجهاد استمر حوالي ثلث قرن من الزمان بقيادة المغفور له محمد الخامس رحمه الله حتى عاد من منفاه معززا مكرما، رجع في يوم تاريخي جليل، وفي يوم مشهود عظيم، عاد متوجا بإكليل العز والإتنصار، وحاملا في قلبه وفكره ويده مشعل الحرية وبشارة الإستقلال مرددا ما جاء في الأثر: “رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” جهاد النفس وتنمية الوطن وبناء المغرب الحديث، يلهج بحمد الله وشكره تاليا مع أبناء شعبه الوفي المؤمن بالله وبكتابه ورسله: “الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور”، فاتقوا الله عباد الله واعرفوا فضل الله عليكم ونعمه وآلاءه، واحمدوه واشكروه لعلكم تهتدون، واعبدوه وأطيعوه لعلكم ترحمون، وواصلوا هذا الجهاد ببناء وتنمية بلدكم بالعمل الخالص، واليقظة الدائمة للحفاظ على أمنه واستقراره، وليبقى المغرب بلد إشعاع حضاري، ونبراسا للخير ومنارة للعلم والرفاه، واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون. جعلني لله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله، وأولئك هم أولوا الألباب. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
إن الإسلام وهو يتجه إلى بناء مجتمع سليم من الأمراض والآفات قائم على الحق والعدل ونبذ الخلافات يعتمد قبل كل شيء على طاقات الشباب وعلى حيوية الشباب، ويمجد في كل أمة فتوة الشباب خصوصا إذا صرفت هذه الطاقات في طلب العلم والمعرفة وفي كل عمل نافع تشرف وتسمو به قيمة الأمة، ونحن أيها الشباب إذ نحتفل نهاية هذا الأسبوع يوم 21 غشت بعيد شباب ملك الشباب محمد السادس أطال الله عمره وسدد أمره نقول للشباب: أليس من حمل رسالة الإسلام إلى الناس كافة هو محمد رسول الله ص الذي كان يعتمد على فتوة الشباب وإرادة الشباب وهو الذي وعد من تحلى منكم أيها الشباب بأخلاق الإسلام وعمل على رفع راية الإسلام ونشأ على طاعة الله وطاعة رسوله أن الله عز وجل سيظله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، وأنه من بين السبعة الذين عدهم حين قال فيما رواه البخاري ومسلم: “سبعة يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله”، وذكر منهم إماما عادلا وشابا نشأ في طاعة الله، وليعلم الشباب أن كل عمل من أعمال الخير والبر والإحسان المطابقة لشريعة الإسلام السمحة عبادة لله يتقبلها ويثيب عليها فاعلها لأنها من طاعة الله، ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما، هذه بعض تعاليم الإسلام التي ينبغي للشباب أن يلتزموا بها ويهتموا بتطبيقها، وأن يرفعوا رؤوسهم عالية بذكرها كلما أتيحت لهم فرصة الإجتماع عليها، لأن الذي ارتضى لنا الإسلام دينا هو خالقنا العليم بسرنا وعلانيتنا المطلع على خفايا صدورنا وأعمال جوارحنا وما توسوس به نفوسنا، وهو المرجو لبلوغ آمالنا، فأكثروا من شكر ربكم الذي هداكم للإسلام وأرسل لكم الرسل مبشرين ومنذرين، وأنزل عليكم كتابا مبينا يهدي إلى الرشد وإلى التي هي أقوم، ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا، وقال: “وأوصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون”، فيا أيها الشباب، بلدكم بحاجة إلى تفوقكم، وإلى مساهماتكم في الرفع من المستوى الأخلاقي، والإجتماعي، والسياسي، والديني، وكل الأبواب مفتحة لإرادتكم إن توفرت لذيكم الهمة العالية للمضي قدما نحو ما يخططه مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمد السادس، بفعله قبل قوله، مهيبا بالأمة جميعا، وبالشباب خاصة بأخذ المبادرات الواعدة، وبالإجتهاد البناء، وبالعزيمة القوية للرفع من مستوى بلدنا المغرب، فشباب اليوم هم حفذة الشباب الذين قاوموا الإستعمار وانتفضوا ملكا وشعبا لمناهضة الإستعمار، فلتكن بصمة الحفذة مثل أو أكثر من بصمة الأجداد، تخلدون بها أسماءكم، إذا ذكر الخبراء والمخترعون، والساسة المحنكون، والمربون الماهرون، والجنود البواسل، والتجار الصادقون، والصناع الحاذقون، والفلاحون المخلصون، والأئمة المصلحون، والتلاميذ النجباء المجدون، والأمهات الصالحات، اللائي يرضعن أولادهن قيم الوطنية الصادقة، ويدفعن بأبنائهن إلى البذل والعطاء ليتبوأ بلدنا المكانة الرسامية التي تليق بمن ينتمي إليه، والذي ينشد في شعاره، إخوتي هيا للعلا سعيا، نشهد الدنيا أن هنا نحيا، فخذوا إسلامكم بقوة الشباب، وتمسكوا بعروته الوثقى يكن لكم قوة تدفعكم إلى معارج الرفعة والتقدم والكمال، وتقيكم المزالق والتقهقر والإنحلال، والله يهدي من يشاء إلى سبيل الرشاد.الدعاء