ذكرى المولد النبوي ( 1 )
ذكرى المولد النبوي ( 1 )
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله الذي أضاء الكون بنور الرسالة، وهدى الإنسانية إلى الحق وسواء السبيل بعد التيه والضلالة، وبعث في الناس رسولا من أنفسهم يحرص على خيرهم ويطهرهم مما تخلقوا به من جاهلية وسفاهة، نحمده تعالى ونشكره شكرا جزيلا يوافي نعمه، ويدفع عنا نقمه، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له، القائل في محكم التنزيل: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله ختم به بعثة النبوة والرسالة للناس كافة، وجعله أسوة لكل من اتبعه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه “الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه”، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم اللقاء به. أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات. لقد هل علينا شهر ربيع الأول، الذي طالما انتظرناه، وأملنا من الله عز وجل أن يبلغنا إياه، لنحتفل ونتملى بمولده صلى الله عليه وسلم، هذه الذِكرى العطرة التي تملأ قلب كل مسلمٍ غبطة وفرحاً، ورجاؤنا أن نكون في هذه السنة أكثرَ احتفالا منها في غيرها من السنوات الماضية، بعد هذه المحنة التي عاشتها الأمم جمعاء، والأمة الإسلامية بشكل خاص في ظرفية هذا الوباء (كوفيد 19)الذي عم الأرجاء، وكان من نتائجة أن نتباعد عن المساجد وعن الجماعات، وعن حلقات الدراسة والذكر ومدارسة السيرة والسنة النبوية لعدة أشهر، فعرفنا بسبب ذلك قيمة النعمة التي كنا نعيشها ولم نولها من شكر الله عليها ما تستحقها، والحمد لله الذي ردنا إلى مساجدنا، وعرفنا نعمه بدوامها علينا، ولقننا دروسا عملية للإكثار من شكر المنعم على نعمه المتتالية والغير متناهية علينا، ومن أعظمها أن جعلنا من أمة الإسلام، أمة تنتسب لسيد الخلق وحبيب الحق، سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والحمد لله على ذلك. أيها الإخوة المؤمنون، احتفالنا بذكرى مولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما نؤكد على ذلك دائما، ليس بكثرة الأكل والشرب، وليس بإضاءة الشموع والغناء والطرب، وإنشاد الأمداح والقصائد المقصودة لذاتها، ولا بغيرها من الطقوس المفرغة من المحتوى، ولكن الإحتفال الحقيقي بمولده صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يكون موصلا إلى الإقتداء به واقتفاء أثره، والتأدب بآدابه، حبيبنا الذي كانت ولادته فتحا، وبعثته فجرا هدى الله به من الضلالة، وعلم به من الجهالة، وأرشد به من الغواية وفتح الله به أعينا عميا، وآذانا صما وقلوبا غلفا وكّثر به بعد القلة، وأعزّ به بعد الذلة، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خليل الرحمن وصفوة الأنام لا طاعة لله إلا بطاعته “مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ”، ولا يتم الإيمان إلا بتحقيق محبته، كما قال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين”، كان صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق أخلاقا، وأعظمُهم أمانة وأصدقُهم حديثا وأجودُهم نفسا وأسخاهم يدا، وأشدُهم صبرا، وأعظمُهم عفوا. إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي شرح الله صدره، ورفع ذكره، ووضع وزره، وأتم أمره، وأكمل دينه، وأبر يمينه، ما ودعه ربه وما قلاه، بل وجده ضالا فهداه، وفقيرا فأغناه، ويتيما فآواه، وخيّره بين الخلد في الدنيا وبين أن يختار ما عند الله فأختار لقاء الله، إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرُ من وَطئ الثرى، وأولُ من تفتح له الفردوس الأعلى، يقول صلى الله عليه وسلم “أنا سيد ولد آدم وأول من تنشق عنه الأرض وأول شافع وأول مشفع”، فصيحُ اللسان، واضحُ البيان موجزُ العبارة، موضحُ الإشارة، آتاه الله جوامع الكلم، وأعطاه بدائع الحكم، يقول أبو هريرة (ض): “ما رأيت شيئا أحسنَ من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن الشمس تجري في وجهه”، إنه الحبيب المصطفى والرسول المجتبى الذي بعثه الله جل وعلا ليخرج الأمة من الوثنية والظلام إلى التوحيد والإسلام وينقذ الناس من التناحر والتفرق والآثام إلى العدل والمحبة والوئام، بلغ العلى بكماله، كشف الدجى بجماله، حسنت جميع خصاله، صلوا عليه وآله. أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، احتفالنا الحقيقي بذكرى مولده صلى الله عليه وسلم يكون بتأسَّينا به، واقتفاء أثره، والإقتداء به، وجعله الشخصية الأولى في حياتنا، نحفظ أقواله وأفعاله، ونمعن النظر في أخلاقه، وشمائله صلى الله عليه وسلم ونجعلها أسلوبا في حياتنا، وعملة نتميز بها عن غيرنا، في جميع أمورنا، وما من وقتٍ يحتاج المسلمون فيه إلى أن يتعرَّفوا على أخلاق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كوقتنا هذا، فمعرفة سيرته صلى الله عليه وسلم اليوم أصبحت فرضَ عين، وأصبح من الواجب علينا أن نتدارس سيرته وسنته وأخلاقة وشمائله مع أبنائنا وأهالينا، ونتعرف من خلالها على المنهج الصحيح الذي جاء به رسولنا صلى الله عليه وسلم، والذي كان عنوانه “ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظه الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن”، قال الله عزَّ وجل: “لقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة”، فاللهم صل على سيدنا محمد الذي جعلت طاعته من عين طاعتك بحقيقة “من يطع الرسول فقد أطاع الله”، وجعلت مبايعته عين مبايعتك بكرامة “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله”، وجعلت محبتك ومغفرتك مقرونة بصدق اتباعه ببيان “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويعفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”، وجعلت حكمه وقضاءه من صدق الإيمان بحقيقة قسمك “فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”، اللهم اجعلنا من المتمسكين بسنته المقتفين أثره، المهتدين بهديه، من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها الإخوة الكرام، ونحن نستعد للإحتفال بذكرى مولد رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وسلم، رجاؤنا أن يكون إحياؤنا لذكرى مولده صلى الله عليه وسلم هذه السنة إحياءً حقيقيا، احتفالا نؤكَّد جميعا من خلاله على حبنا لله عزَّ وجل المتمثل في إتباعنا لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن لا نقتصر على جماعاتنا في ذلك، بل يسعى كل واحد منا لضم إخواننا الآخرين الذين قليلاً ما يأتون لبيوت الله، ولا يحضرون مجالس الذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أولئك البعيدون عن اتباع منهج الله، والذين يتصيدهم الأغيار من خلال كتاباتهم المغرضة، وتغريداتهم الهادفة، وسمومهم التي أصبح من السهل عليهم نشرها عبر وسائل الإتصال الحديثة وفي مواقع التواصل الإجتماعية للنيل من السنة النبوية، ومن تشبثنا بالمحبة النبوية، فهؤلاء المستهدَفين من أمة الإسلام وخاصة الشباب منهم والأطفال، من واجبنا أن نحصنهم ونعرِّفهم بهذا النبي الكريم، ونجالسهم في مجالس مدارسة السيرة النبوية والشمائل المحمدية، فإن استطعنا بسلوكنا أن نظهر شمائله صلى الله عليه وسلم ونعرف بها لأبنائنا وبناتنا وشبابنا والناس أجمعين نكون فعلا احتفلنا بمولد حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم وحققنا الهدف الثمينّ الذي من أجله شرع أسلافنا الصالحون الإحتفال بذكرى المولد النبوي في بلدنا هذا عبر القرون، ولنا وقفات إن شاء الله تعالى مع شمائل النبي صلى الله عليه وسلم في الجمع المقبلة بإذن الله، فاللهم صل صلاة كاملة وسلم سلاما تاما على سيدنا محمد الذي تنحل به العقد، وتنفرج به الكرب، وتقضى به الحوائج، وتنال الرغائب، وحسن الخواتم، ويستسقى الغمام بوجهه الكريم، وعلى آله وصحبه في كل لمحة ونفس بعدد كل معلوم لك يا الله. الدعاء.
التذكير باحتياطات السلامة الخاصة بفيروس كوفيد.
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق، الجمعة 6 ربيع الأول 1442 موافق 23 أكتوبر 2020