ذكرى الإسراء والمعراج

ذكرى الإسراء والمعراج

الأستاذ مولاي يوسف بصير

الحمد لله، الحمد لله الذي أكرم نبينا بالمعجزات، وأيده بالبراهين الساطعات، وأسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المحفوف بالبركات، ثم عرج به إلى أعلى الدرجات، نحمده تعالى ونشكره على ما أسبغ علينا من خيرات، ونشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو خالق الأرض والسماوات، شرف نبينا محمدا تشريفا عظيما ليلة الإسراء والمعراج اهتزت له المخلوقات، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الخاتم للرسل والرسالات، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه المصدقين بما جاء به من المعجزات، وسلم تسليما كثيرا، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمعة الماضية تناولنا الحديث عن شهر رجب الفرد الحرام، وقلنا بأن العمل الصالح في الأشهر الحرم يفضل على العمل الصالح في غيرها من الأشهر، وأن شهر رجب ليس مخصوصا بعمل معين أو بأذكار أو بصلوات مخصوصة تميزه عن غيره من الشهور،  ولكن الله تعالى تفضل فيه على الأمة المحمدية بمعجزة اختص بها سيدنا محمدا ﷺ في وقت كان في أمس الحاجة إلى تسلية وتقوية، بعد أن توفيت زوجه أم المؤمنين خديجة بنت خويلد التي كانت له نعم المؤازر والسند في بداية الدعوة الإسلامية، وتوفي كذلك عمه وكفيله أبو طالب، وبعد هجرته ﷺ إلى الطائف، يرجو النصرة من أهلها، عوضا عن الإيذاء الذي لقيه وصحبه من طرف كفار قريش وصناديدهم، لكن أصحاب الطائف استهزءوا به ﷺ وبدعوته، وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم فتبعوه يسبونه ويصيحون به ويرمونه بالحجارة، فأصيب عليه الصلاة السلام في قدميه حتى سالت منها الدماء، وأصاب النبي ﷺ من الهم والحَزَن  والتعب ما جعله يسقط على وجهه الشريف، ولم يُفِق إلا و جبريل قائم عنده، يخبره بأن الله بعث ملك الجبال برسالة يقول فيها: إن شئت يا محمد أن أطبق عليهم الأخشبين، فأتى الجواب منه عليه السلام بالعفو عنهم قائلاً ﷺ: “أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا”، فكان العزاء من الله تعالى والتسلية بدعوة النبي ﷺ لرحاب قدسه، بحدث الإسراء والمعراج، قال تعالى في محكم التنزيل: “سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأقْصَى ٱلَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـٰتِنَا إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ”، أيها المسلمون، الإسراء كما هو معروف عند الجميع هو السفر ليلا، والمعراج هو الصعود إلى الأعلى، وعلى هذا فهذه المعجزة التي نتكلم عنها اليوم هي سفر أرض سماوي، بدأ في الأرض من مكة إلى بيت المقدس، وأتبع بالمعراج من بيت المقدس إلى حضرة القدس في السماء العليا، في حضرة القدس، روى الإمام مسلم بسنده إلى سيدنا أنس بن مالك (ض) قال: قال رسول الله ﷺ: “أتيت بالبراق، وهو دابة أبيض طويل، فوق الحمار ودون البغل، يضع حافره عند منتهى طرفه، فركبته، حتى أتيت بيت المقدس، فربطته بالحَلَقة التي يَربط بها الأنبياء، ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ثم خرجت، فجاءني جبريل بإناء من خمر وإناء من لبن، فاخترت اللبن، فقال جبريل: اخترت الفطرة، ثم عُرِجَ بنا إلى السماء، فاستفتح جبريل أي: طلب فتح الباب فقيل: من أنت؟ قال: جبريل، قيل: ومن معك؟ قال: محمد، قيل: وقد بعث إليه؟ قال: قد بُعِثَ إليه، ففتح لنا، قال صلى الله عليه وسلم: “فإذا أنا بآدم عليه السلام، فرحب بي ودعا لي بخير….” وهكذا كلما بلغ ﷺ في معراجه سماء من السماوات إلا ووجد فيها نبيا ورسولا استقبله ودعا له ولأمته بخير، ففي السماء الثانية، استفتح جبريل فقيل له ما قيل في السماء الأولى، فلما دخل لقي عيسى بن مريم، ويحيى بن زكريا عليهم السلام، فرحبا به ودعوا له بخير، وفي السماء الثالثة لقي يوسف عليه السلام، وفي الرابعة لقي إدريس عليه السلام، وفي الخامسة لقي هارون عليه السلام، وفي السادسة لقي موسى عليه السلام، وفي السابعة لقي إبراهيم عليه السلام، كلهم يرحبون به ويدعون له بخير، ويشيعونه كما يشيع الزائر عند توديعه، وكان بلغ السماء السابعة، وفيها رأى النبي ﷺ البيت المعمور في السماء، ولقي سيدنا إبراهيم الذي بنى البيت الحرام في الأرض مُسندا ظهره إلى البيت المعمور في السماء، البيت الذي في الأرض يطوف به الإنس والجن، والذي في السماء يدخله كل يوم ألف ملك لا يعودون إليه، لكثرة الملائكة التي تزوره منذ خلق الله السماء والملائكة يدخلون هذا البيت، ومن دخل لا يعود. وبعد أن لقي هؤلاء الرسل الكرام ذهب به إلى سِدْرة المنتهى التي وصفها النبي ﷺ بقوله: “وإذا وَرَقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقِلال، فلما غشيها من أمر الله ما غَشِيَ تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حُسنها، فأوحى الله إليّ ما أوحى، ففرض علي خمسين صلاة في اليوم والليلة”، وقد ذكر الله تعالى معجزة المعراج في سورة النجم حيث قال سبحانه: “وَٱلنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ، مَا ضَلَّ صَـٰحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ، وَمَا يَنطِقُ عَنِ ٱلْهَوَىٰ، إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْىٌ يُوحَىٰ، عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ ذُو مِرَّةٍ،  فَٱسْتَوَىٰ وَهُوَ بِٱلأفُقِ ٱلاْعْلَىٰ، ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّىٰ فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَىٰ، فَأَوْحَىٰ إِلَىٰ عَبْدِهِ مَا أَوْحَىٰ، مَا كَذَبَ ٱلْفُؤَادُ مَا رَأَىٰ، أَفَتُمَـٰرُونَهُ عَلَىٰ مَا يَرَىٰ، وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أُخْرَىٰ، عِندَ سِدْرَةِ ٱلْمُنتَهَىٰ، عِندَهَا جَنَّةُ ٱلْمَأْوَىٰ، إِذْ يَغْشَىٰ ٱلسّدْرَةَ مَا يَغْشَىٰ، مَا زَاغَ ٱلْبَصَرُ وَمَا طَغَىٰ، لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ ءايَـٰتِ رَبّهِ ٱلْكُبْرَى”. فاتقوا الله عباد الله، وكونوا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. نفعني الله وإياكم بكتابه المبين، وبسنة نبيه المصطفى الأمين، وغفر لي ولكم وللمسلمين أجمعين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. 

 الخطبة الثانية

أيها الإخوة المؤمنون، إننا إذ نعاود الذكرى بحدث الإسراء والمعراج، فإننا لا نقصد بذلك وصف هذه الرحلة المباركة، وهذه المعجزة الخاصة التي اختص الله بها نبينا محمدا ﷺ، وإنما نريد من خلالها الوقوف على ما يستخلص من العبر وهي كثيرة جدا، يأتي في مقدمتها، أولا بيان أهمية الصلاة مقارنة مع باقي الفرائض التي أوجبها الله علينا، فإذا كانت كلها فرضت في الأرض بواسطة أمين الوحي جبريل، فإن الصلاة باعتبارها العبادة التي يدخل من خلالها العبد في مناجاة ربه عز وجل فرضت في السماء لعلو شأنها وقيمتها، ومن ثم بنبغي الحرص على أدائها والقيام بحقها طهارة وخشوعا ومحافظة على أدائها في وقتها، حتى نجني الثمار المقصودة من فرضها على الأمة، وتكون لنا قربة إلى ربنا عز وجل، ثانيا أنه لما كان بيت المقدس مُهَاجَر كثير من أنبياء الله تعالى كان الإسراء بنبينا ﷺ إليه، ليجمع الله له بين أشتات الفضائل. ثالثا: كان الإسراء بالنبي ﷺ إلى بيت المقدس ليلاً، لأن الليل زمن يأنس فيه المسلم بالله، منقطعًا عن الدنيا وشواغلها، وليربط الله تعالى بين الحرمين المكي والقدسي، ويشرف الأنبياء والمرسلون بالصلاة خلف آخر الأنبياء والمرسلين تأكيدا على وحدة الدين الذي جاؤوا به، “إن الدين عند الله الإسلام”، وغيرها من المزايا والعبر التي يمكن استخلاصها من هذه المعجزة الخالدة التي اختص الله بها سيدنا محمدا ﷺ. أيها الإخوة المؤمنون، لاشك أن للناس في حدث الإسراء والمعراج معتقدات باختصاص ليلتها أو نهارها بأعمال مخصوصة كالصيام والقيام والأذكار وغير ذلك مما تتقاطر الرسائل الإلكترونية عبر وسائل الإتصال بنشرها وبثها بين الناس، لكن ينبغي أن نعلم أن أغلب ما يتداوله الناس في هذه المناسبة من أخبار مكذوبة وموضوعة، وليست من كلام النبوة، فالحذر الحذر من ترويج هذه الرسائل المرغبة في الأعمال ونسبتها ليسد الخلق الذي ما قبضه الله تعالى لجواره إلا بعد أن أكمل للأمة دينها، وحذرنا من الإبتداع وأمرنا بالإستمساك بالسنة الصحيحة النقية، وقال لنا ﷺ: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ”. الدعاء

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *