دور القيم الديني في تحصين الأمة من التيارات المنحرفة

دور القيم الديني في تحصين الأمة من التيارات المنحرفة

بقلم ذ. حسن فريد

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العلمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بخير وإحسان إلى يوم الدين.

حضرة الشريف المحترم، الفقيه الجليل العلامة شيخ الزاوية البصيرية، سيدي مولاي إسماعيل آل البصير المحترم،

فضيلة الدكتور عبد المغيث بصير رئيس الجلسة،

الأستاذ الدكتور سيدي عبد الهادي السبيوي المحترم،

السادة العلماء والخطباء والأئمة المحترمون، السادة الشرفاء وضيوف هذه الزاوية العامرة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وبعد : فيسعدني ويشرفني أن أجلس أمامكم في هذا الحفل الكبير، وهذا المجلس الطيب المنير، لا للتأطير أوالتعليم وإنما للتبرك بمن في هذا المجلس المبارك، راجيا أن أحضى بنظرة أنتفع بها في الدنيا وفي الآخرة إن شاء الله، ثم بعد إذنكم سأتحدث تحت العنوان المذكور في مقدمة ومحورين أساسيين وخاتمة، أما المحور فسأتحدث من خلاله عن بعض ما تتميز به أخطر التيارات من فساد في المعتقد والمنهج وانحراف في المفاهيم والسلوك، وأما المحور الثاني فسأتحدث من خلاله عن القيم الديني وما يجب عليه القيام به إبراء للذمة وأداء للأمانة وتحصينا للأمة، ثم أختم بخاتمة ختم الله لنا ولكم بالحسنى آمين..

المقدمة

أيها السادة الأفاضل، بعد إذنكم أقول مستعينا بالله، إن موضوع التيارات المنحرفة الدخيلة  أصبح مادة إعلامية بامتياز، بحيث لا يمكن أن تسمع أو تقرأ أو تشاهد وتتابع نشرة إخبارية دون أن تفاجأ بما يكدر مزاجك ويشوش بالك عن تيار وطائفة هناك وجماعة هنا وفصيل هناك، يمارس من الأعمال ما يصعب فهمه ويقل على النفس حمله واستساغته، مما لاينسجم وروح الديني الإسلامي السمح، وسوف لن أتحدث عن التيارات اللادينية علمانية كانت أو غيرها، كما لن أتحدث عن التيارات الوثنية ولا الإلحادية الكافرة، ولن أتحدث عن تطرف تلك التيارات ولا عن إرهابها وجرائمها في التاريخ القديم، ولا ما تمارسه من جرائم في تاريخنا المعاصر، ذلك لأن التطرف والإرهاب والحقد والحسد والبغي والعدوان من صميم عقائدهم، وهو شيء متجدر في ثقافتهم وأخلاقهم، وما على مثل من كان كذلك يعد الخطأ.

سأتحدث فقط عن التيارات التي ترفع شعار الإسلام والدين والدعوة وما شابه ذلك، سأتحدث عن الأشد ضررا والأكثر خطرا في تصوري، من أولئك الطائفة الشيعة المتطرفة، وكالجماعات التي تدعي الإنتساب إلى (السلفية) والسلفية، الجهادية، والهجرة والتكفير، والقاعدة، والدعوة والقتال، والجماعة المقاتلة، وشباب المجاهدين، واليوم سمعنا داعش والله أعلم ماذا سنسمع غدا. أما القيم الديني فلأنه عنصر محوري في المجتمع، ولأنه صلة وصل بين جميع شرائح المجتمع وطبقاته، فهو بمنزلة القلب من الجسد إذا صلح صلح كل شيء، وإذا فسد فسد كل شيء كما في الحديث الشريف.

التيارات الدخيلة وخطورتها على الإسلام والمسلمين.

أيها السادة الأفاضل، لقد ابتلي المجتمع الإسلامي بل والعالمي بتيارات تنتسب إلى الإسلام، دين المحبة والسلام والإخلاص والوفاء، ودين التسامح والتعايش والتعاون والإخاء، نعم ابتلي العالم بتيارات ترفع شعارات مقدسة عند كل المسلمين، غير أنه لا أثر لمعناها في سلوك رافعي تلك الشعارات وحامليها، وهي تيارات وطوائف أصبحت تشكل خطرا على الدين والإسلام والدعوة إليه، بل أصبحت في نظر الكثيرين عبارة عن شبح أسود، قبيح المنظر بشع الصورة كريه الرائحة، لا يرغب في صحبته إلا من المعتلون المختلون المنحرفون، تلكم التيارات التي اتفق جميع العقلاء من المسلمين وغير المسلمين على أنها تيارات متشددة متطرفة منحرفة، وأنها أكبر خطر يهدد وحدة الأمة الإسلامية واستقرارها ووحدتها، وسلامة أراضيها ومقدراتها، ويعرض شعوبها الآمنة المسالمة للهلاك المحقق، وهي كما تعلمون حفظكم الله تيارات كثيرة، من أخبثها وأقبحها الطائفة الشيعية المتطرفة، تلكم الطائفة التي زاغت عن الحق في كثير من معتقداتها، وضلت وأضلت عن الطريق في كثير من مفاهيمها، ومما عليه أتباعها أن الإنسان لايعتبر مسلما عندهم، إلا إذا تبرأ صراحة من أقرب الناس وأحبهم إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، كزوجه الحصينة الرزينة الطاهرة المطهرة أمنا عائشة رضي الله عنها، وكالخلفاء الثلاثة سيدنا أبي بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان، رضي الله عنهم وعن جميع الصحابة الكرام، لاإسلام عند هذه الطائفة الضالة إلا بسب هؤلاء وشتمهم ومن أحبهم.

ولسائل أن يتساءل هل يبقى إسلام أو دين عند من يتبرأ من صفوة الصفوة من المسلمين؟ ثم إن من أخطر ما تؤمن به وتدعوا إليه تلك الطائفة الشيعية الزائغة، التشكيك في صحة القرآن الكريم وكماله، حيث تزعم وتدعى أن القرآن الحقيقي قد أخذه مهديهم المزعوم، ودخل به كهفا مظلما مجهولا ثم اختفى بقرآنه، ويزعمون أنهم ينتظرون خروجه وعودته، ومن الغريب أنهم يستشهدون بالقرآن الذي زعموا أنه غير صحيح ويتدينون على أساسه، وفي ذلك من التناقض ما يعريهم ويفضح مؤامرتهم، ويكشف ما هم عليه من الجهل والزيغ والضلال المبين، ولم يكتفوا بذلك بل بذلوا وما زالوا يبذلون كل جهد إعلامي ومالي وفكري وسياسي وعسكري وغيره، بغية التشكيك بل وإبطال أصح الأحاديث عند علماء السنة، كالأحاديث التي رواها البخاري ومسلم وغيرهما، يزعمون باطلا أنها أحاديث مزورة ومكذوبة، بل لم يتورعوا عن سب وشتم جميع أئمة أهل السنة والجماعة، المجمع على تقدمهم وإمامتهم وفضلهم، كمالك والشافعي وأبي حنيفة وابن حنبل رضي الله عنهم، وتلك جرائم لم يجرؤ على ارتكابها الكثيرون من الملحدين في المشارق والمغارب، كل هذا وغيره كثير، ومع ذلك وبكل وقاحة يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام ويناصرون أهله، والحقيقة والواقع أن كل مصيبة أصابت الإسلام وأهله في القديم والحديث، كان لهم ولأمثالهم فيها النصيب الأكبر. واليوم يزيد غرورهم وتطول ألسنتهم حتى أصبح معظم منظريهم إن لم أقل كل منظريهم يهدد باجتياح العالم الإسلامي، وتحويل جميع المسلمين إلى معتقدات الشيعة المتطرفة المقيتة، وثم أستطيع القول بأن التشيع يشكل خطرا على الإسلام والمسلمين، وإنه لا يقل خطورة عن دعاة التنصير واللادينين وأشباههم.

وليست المشكلة محصورة في تلك الطائفة الضالة، بل هناك طوائف أخرى تنتسب إلى السنة والجماعة بكل أسف، لكنها تحمل أفكارا متشددة متطرفة، تصل بها في كثير من الأحيان إلى استباحة أموال المسلمين وأعراضهم، بل تستبيح دماءهم وكل حرمة من حرماتهم دون تحرج، إنها طوائف ليست على شيء، لأن ما تقوله لا علاقة له بما تفعله، ولأن ما تمارسه أو تتبناه يدل دلالة واضحة أنها بعيدة عن مقاصد الدين وأهدافه، ومخالفة لسنة نبي الرحمة والسلام وهديه، وذاك دليل على انحرافها وفساد فكرها ومنهاجها.

أيها السادة، من غرائب عصرنا أننا في كل مرة نفاجأ باسم وشعار يطفو على السطح، إسم لفريق يحمل شعارا إسلاميا براقا، ثم بعد يسير من الزمن يتنازع قادته، فتحدث انشقاقات تنتج عنها فرق وجماعات، يخطئ بعضها بعضا، ويحكم بعضها على بعض بالضلال، ثم يكفر بعضها بعضا، حيث يصل بهم الأمر إلى إعلان الحرب واستباحة الدماء وكل المحرمات، وتكفير الناس بالمعاصي والذنوب من معتقدات الخوارج كما هو معلوم، أما أهل السنة والجماعة الذين ننتسب إليهم،  فإنهم لا يكفرون أحدا من أهل القبلة، بناء على ذلك نقول بأن تلك الطوائف تابعين ومتبوعين، رؤساء ومرؤوسين، انحرفوا عن الصراط المستقيم وضلوا سواء السبيل، ومما يدل على ذلك تمسكهم بظاهر بعض النصوص الشرعية، آيات قرآنية أو أحاديث نبوية شريفة، يقفون عندها ولا يكلفون أنفسهم عناء البحث عن السياق الذين نزلت أو قيلت فيه، لايبحثون فيما قبلها ولا فيما بعدها، وهل هي ناسخة أو منسوخة، محكمة أو متشابهة، خاصة أو عامة، مقيدة أو مطلقة، والسر في ذلك أنهم في كثير من الأحيان لا يكون معهم علم، وإنما هم مقلدون غيرهم تقليدا أعمى ليس إلا، والمؤسف أننا نجد في واقعنا المغربي بعض المخدوعين من أبنائنا وبناتنا قد يتأثرون ببعض تلك الآراء والفتاوى التي يبتدعها بعض المتشددين  المتعصبين، والتي يكون أحيانا مصدرها مشايخ لا يدرون شيئا عن عقيدتهم ولا عن مذاهبهم، يأخذونها عنهم وهم ولا يعرفون شيئا عن انتماءاتهم وتوجهاتهم وأهدافهم، يأخذون تلك الآراء أو الفتاوى يعتقدون أنها الحق ولاحق في غيرها، ثم يعملون بها وينطلقون في نشرها والدعوة إليها، ومن الغريب أنهم يكتسبون جرأة في عرض تلك الآراء، حيث يواجهون بها البسطاء من الناس ويحملونهم على العمل بها ترغيبا وترهيبا، يواجهون بها حتى ضعاف المعرفة وقليلي العلم، ويعرضونها على عموم المواطنات والمواطنين، خاصة في المناسبات الأهلية أفراحا وأتراحا، يزعمون أنهم يتمسكون بالسنة الصحيحة، وعن حسن وبدافع الحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والرغبة في العمل بسنته بتأثر بعض الناس بتلك الدعاوى ويصبحون أبواقا تروج لتلك الفتاوى والآراء الفاسدة. وينسون أو يتناسون أنهم ينتسبون إلى بلد عريق اسمه المملكة المغربية الشريفة، وينسون أو يتناسون أنهم ينتسبون إلى أمة مغربية مسلمة سنية مالكية، ينسون أو يتناسون أن لأمتهم علماءها في الحديث والفقه والتفسير والسير والتاريخ وكل العلوم الإسلامية وغيرها، ينسون أو يتناسون أن لأمتهم مؤسسة علمية تتمثل في المجلس العلمي الأعلى، الذي يشرف بالرئاسة الفعلية لأمير المؤمنين، وهي المؤسسة الوحيدة المعبرة عن رأي علماء الأمة المغربية.

أيها السادة الأفاضل، إن تلك الطوائف الضالة على اختلاف ألوانها وأشكالها وتوجهاتها، قد أصبحت من أشد عوامل التشويش على إيمان المؤمنين، وأصبحت تسيء إلى الأمن الروحي للمتعبدين، وعلى كل حال فهي طوائف محكوم على مشروعها بالفشل، وأنها لن تنجح في تحقيق أهدافها لأن أهدافها أهداف تخريبية بكل ما في الكلمة من معنى، خاصة وأنما عموم الناس أصبحوا يعرفون أخطاءها وجرائمها، حتى أنك لو سألت أبسط الناس في الموضوع، لأجابك بأن ما يسمى بالسلفية الجهادية والقاعدة وداعش وما إلى ذلك، لأمسك برأسه متبرئا من كل هؤلاء ومن أفعالهم وجرائمهم، ولمن أراد معلومات دقيقة في الموضوع، أحيله على رسالة الدكتور فريد الأنصاري رحمة الله، رسالة عنونها ب ” الأخطاء الستة للحركة الإسلامية بالمعرب”، ففي تلك الرسالة كلام مهم للغاية حول الموضوع . كما أحيله على كتاب آخر أصدره المجلس العلمي الأعلى تحت عنوان “حكم الشرع في دعاوى الإرهاب”.

القيم الديني عنصر محوري في تحصين الأمة،

أيها السادة الأفاضل إن هذه الجماعات والطوائف المتشددة والمتطرفة الإرهابية بما تمارسه من أعمال تخريبية هنا وهناك، جلت ضررا على الإسلام والمسلمين، حيث كان السبب في جعل غير المسلمين يتحدون ويقفون صفا واحدا بكل ما يملكون من قوة  في وجه الإسلام والمسلمين، نعم لقد أصبح العالم المسيحي والوثني والإلحادي ينظر إلى دين الإسلام وإلى جميع المسلمين من خلال تصرفات تلك الجماعات، على أنه دين العنف والتخريب القتل والدمار، بحيث أصبح المسلم ـ في نظر العالم الآخرـ متهما مدانا حتى تثبت براءته، من أجل ذلك وجب منع هؤلاء المعاقين من الاستمرار في ارتكاب تلك الحماقات التي لا يقبلها دين ولا عقل سليم، ووجب على الأمة كلها أن تتصدى بكل حزم وقوة إلى كل من يخالف ثوابت الأمة المغربية، وما جرى به العمل في بلدنا، وأول من يجب أن يأخذ المبادرة ويكون في المقدمة في هذا الباب هو القيم الديني، المؤذن في مهمته، والإمام في محرابه، والخطيب في منبره، والواعظ في كرسي وعظه، هؤلاء هم من يجب أن يكونوا في المقدمة والناس جميعا لهم تبع، عليهم أن يتحملوا المسئولية كاملة، لأنهم أقرب الناس إلى جموع المواطنين والمواطنات، ولأنهم صلة الوصل بين جميع الجهات، ولأن كل أمر لا ينسجم مع ثوابت أمتنا إنما يعبر في الغالب من هذه البوابة، أي عن طريق القيمين الدينيين، وبهذا الاعتبار فإن القيم الديني إن أخلص في أداء مهمته كان صمام أمان للدين والمتدينين، وللوطن والمواطنين.

أقول هذا أيها السادة الأفاضل، لعلمنا جميعا أن القيم الديني هو الإنسان الذي انتصب لحفظ الدين وحمايته ورعايته، أي أنه من يقوم بما يحفظ الدين في نفوس الناس، ويقويه في كل الظروف والأحوال، وهو من يجب أن يعمل بالقول والفعل والحال على ما يحفظ الدين ويصونه من التحريف والتخريب والضياع، وهو من يجب أن يقف في وجه الجهلة المنحرفين والغلاة المتطرفين ، ولأن المفروض فيه أن يكون أمينا على ما يسند إليه من مهام دينية، فهو وصي أو كالوصي على حفظ تلك المهمة المسندة إليه وحمايتها ورعايتها والاستماتة في الدفاع عنها مهما كلفه ذلك من تضحيات، ولأنه مطالب بأن يستشعر مسؤوليته عن المواطنين الذين يصلون خلفه أو يستمعون إلى خطبته أو درسه ونصيحته، وعلى هذا أستطيع القول بأن مسئولية القيم الديني مسئولية كبيرة وخطرة للغاية، بل هي فوق ما يمكن أن يتصوره الكثيرون، واسمحوا لي إن قلت بأن الأمة إذا نجت وسلمت ونجحت، كان الفضل في ذلك حتما لكل من أسهم في نجاتها وفلاحها، وبطبيعة الحال نجد القيم الديني المخلص في الصدارة، وإن كانت الأخرى لا قدر الله لن تكون إلا بسبب تقصير الإمام والخطيب والواعظ وتفريطهم، أقول بسبب تفريطهم وتقصيرهم، حتى لا أقول بسبب غشهم وغدرهم وخيانتهم للأمانة الملقاة على عواتقهم.

نعم أيها السادة، إن دور الإمام والخطيب والواعظ عظيم، وإن أثرهم لكبير في حماية الأمة من التيارات الدخيلة، ومن الأقوال الضالة المنحرفة التي يلتقطها الجهلة الأغبياء، يتلقونها عن الجهلة الأغبياء، ممن خدعوا بشعارات ودعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، أو يلتقطونها ويتلقونها عبر العديد من الفضائيات الضالة المضللة وشبكة الأنترنيت، يتلقونها عن مشايخ تلك الفضائيات ومواقع الشبكة، وهم لا يدرون إلى أي مذهب تستند تلك الفتاوى، ولا يدرون من وراء تلك الفضائيات، ومن وراء شيوخها وفتاواهم، ثم إنهم لا يدرون الغايات والأهداف المقصودة من وراء ذلك كله كما أشرت أعلاه، وقد ثبت أن كثيرا من تلك الفضائيات وشيوخها وفتاواهم له أهداف تخريبية، غايتها بلبلة أفكار المؤمنين، والتشويش على عقيدة الموحدين، وزعزعة أمن واستقرار الآمنين، كما ثبت أن لهم أهدافا سياسية وطمعا في الحكم والسيطرة ليس إلا، وبفعل تلك الفضائيات وعلى أساس فتاوى شيوخها ومنظريها خربت بلدان عربية وإسلامية، هدمت مدنها وقراها، وقتل شيوخها ونساؤها وأطفالها، وشرد كل مشرد من كتبت له حياة جديدة ممن تبقى من أبنائها ورجالها ونسائها وأطفالها، وكلكم يرى ويسمع ويعرف ما يجري في عدد من البلدان العربية والإسلامية، ولست في حاجة إلى ضرب أمثلة لأنكم جميعا تعرفونها، ولأنكم يوميا تشاهدون المآسي التي يعيشها إخوانكم في كثير من البلدان، فخطيب الجمعة وواعظ المسجد قادران على تنوير مريديهما إن وجدت الإرادة وصحت النية، نعم قادران على تقويم المعوج من الآراء والأفكار، تصحيح الأخطاء والمفاهيم، وقادران على تحصين المريدين ضد دعاة الضلال والفتنة خداع العناوين وسراق الشعارات، ومن ثم يتم تحصين الأمة كلها من دعاوى الضلال والفتنة، ومن آراء وفتاوى جميع التيارات المحرفة، ذلك أن الناس يرون الخطيب كل أسبوع مرة على الأقل، ومنزلته عند الناس جميعا منزلة محبة واحترام وتقدير، أما الواعظ والإمام ومن في حكمهم فعلاقتهم بالناس علاقة ود وإخاء، يرونهم ويجتمعون بهم مرات في الأسبوع الواحد، وقد يخالطونهم ويجتمعون بهم خلال الأسبوع الواحد مرات حيث يشاركهم أفراحهم وأتراحهم، فالإمام وحده إذا اقتنع بالثوابت وعمل بمقتضاها سرا وعلانية يستطيع أن يؤثر في الناس، يستطيع أن يؤثر فيهم لأنهم يصلون بصلاته خمس مرات في اليوم والليلة، يكبرون بتكبيره ويركعون ويسجدون معه، وعليه فإنه من المستبعد جدا أن لايؤثر فيهم أو أن لا يكونوا نسخة طبق الأصل منه، أما الخطيب والواعظ فإنهما إذا تكلما استمع الناس لكلامهما، ولا يصدرون في الغالب إلا عن رأيهما وتوجيههما، فإذا تمسكا بالثوابت في خطابهما وعملهما وتوجيههما، فإن الأمة ستكون محصنة تماما، ولن يجد المتطرفون والغلاة طريقا  لاختراقها أو نشر الأفكار المنحرفة بين أبنائها.

أيها السادة الأفاضل، بناء على ما تقدم أستطيع القول بأن القيم الديني عنصر محوري في هذا الباب، وهو في تصوري من أوائل من تقع عليه فريضة حماية الأمة من الأفكار المنحرفة المتطرفة الهدامة، غير أنه لا يمكنه القيام بهذه المهمة الكبيرة، إلا إذا تسلح بالعلم، والحكمة، والحلم والصبر، والإخلاص والرفق واللين، وتلك مقومات الخطيب الناجح، والواعظ الناجح.أما العلم فهو ضد الجهل، وهو معرفة المعلوم على ما هو عليه في الواقع، أو هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما، والمراد بالعلم هنا العلم بأحكام الشريعة كتابا وسنة، أصولا وفروعا فقها واستنباطا وما إلى ذلك، لأن القيم الديني  الفارغ من العلم الخاوي من المعرفة لايمكن أن يواجه عقلا منغلقا جامدا متحجرا، ولا يمكن أن يفلح في إقناع شخص متصلب لايرى إلا ما في رأسه، بل ربما ثأثر القيم الديني الفارغ إماما كان أو خطيبا أو واعظا، بما يقوله ذلكم المتطرف الجاهل، وهذا ما يحدث في الواقع عندما لا يكون مع الإمام علم ولا معرفة، أي أنه لا يجد أمامه إلا الاستسلام.

ويؤكد هذا أننا من خلال التتبع والاستقراء، لم نجد في الغالب أن إماما أو خطيبا أو واعظا متعلما متفقها رفع الراية البيضاء في وجه المتطرفين، وإذا كان ذلك كذلك فإنه يتعين على القيم الديني أن يوسع دائرة علومه ومعارفه، حتى يتمكن من الإسهام في الدفاع عن نفسه وعن أمته. بالإضافة إلى العلم والمعرفة يحتاج القيم الديني إلى شيء من الحكمة، والحكمة هي العقل، وقيل هي السنة، وقيل هي الاجتهاد، وقيل هي وضع الشيء في محله، هي شيء يخص الله به المؤمن، والقيم الديني من أحوج الناس إلى تعلم الحكمة، ومن الحكمة أن يعرف القيم الديني متى يتكلم ومتى يسكت، وإذا تكلم كيف يكلم الناس، وما هو الأسلوب الأنجع في إيصال الرسالة إلى من يريد، وفي القرآن الكريم آيات لو فهمها القيم الديني فهما جيدا لنجح في أداء مهمته وتبليغ رسالته، قال الله تعالى:{ أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن} الآية، والمراد بالجدال الحوار الذي يبدأ من حسن الظن بالمحاور، وينطلق من المسائل المشتركة، ويعتمد أكثر على حسن الاستماع إلى الطرف الآخر، وأن يوطن القيم الديني نفسه على الصبر والتحمل وعدم الانفعال، وأن يكون رفيقا بالمحاور حتى يستوعب ما يقال له، عساه أن يقتنع ويعود إلى الصواب، ولأن يهدي الله بك رجلا خير لك مما طلعت عليه الشمس.

ذلكم هو الطريق الأقوم والسبيل الأسلم والدواء الأنجع في الحوار الناجح، غير أن بعضا ممن يختطفون شعار السنة، ويحملون عنوان السلفية يقصرونها على أنفسهم، ولا يعرفون حلا وسطا مع غيرهم، وهنا لابد من الصراحة والوضوح، أي لابد من البراءة من فاسد معتقداتهم وأقوالهم وأفعالهم، أي أن القيم الديني لا يداهن ولا يجوز أن يساوم على ثوابته الدينية، وذلكم هو المظنون في جميع القيمين الدينيين، لأنهم يدركون أنهم ينوبون عن أمير المؤمنين في المهام المسندة إليهم، ولأن الخطبة والصلاة وما يتصل من اختصاصات الإمام الأعظم وهو أمير المؤمنين، أمير المؤمنين الذي بأذنه يؤمون، وبإذنه يخطبون، وبإذنه يخاطبون المؤمنين في دروس وعظهم وإرشادهم، ولولا إذنه لما صحت لهم إمامة ولا خطبة ولا صلاة.

الخاتمة

أيها السادة الأفاضل في الختام أقول إن هناك دولا انفرط عقدها وشرد أبناؤها بفعل التطرف والإرهاب، وحفظ الله المغرب بلدنا الحبيب، وحمى أهله وجنبهم المكاره والدواهي فضلا منه سبحانه وتعالى ومنة، ثم بفضل إمارة المؤمنين، والقيادة الحكيمة الرشيدة لسادس المحمدين، جلالة الملك نصره الله، ثم بفضل رصانة علماء بلدنا وحكمتهم، وغزارة علمهم واتساع مداركهم، وتميزهم بحسن النظر في مآلات الأمور، ثم بيقظة الأجهزة الأمنية على اختلاف أسمائها وأسلاكها واختصاصاتها، ثم من وراء ذلك الشعب المغربي الموحد عقيدة ومذهبا وسلوكا وأرضا وإنسانا، فعلينا أيها الإخوة أن نبقى متمسكين بالعهد، متكتلين وراء قيادتنا المؤمنة، مستحضرين قول ربنا جل جلاله:{ إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم} الآية، والسلام على حضراتكم ورحمة الله وبركاته.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *