خمس ركائز كان عليها السابقون: اتباع السنة (2)
خمس ركائز كان عليها السابقون: اتباع السنة (2)
الأستاذ مولاي يوسف المختار بصير
الحمد لله الذي رسم لعباده معالم الطريق، وهيأ للعاملين بكتابه وسنة نبيه أسباب التوفيق، وجعلها محجة بيضاء لمن أشرق في قلبه نور الإيمان الحقيق، نحمده تعالى ونشكره على أن جعلنا من أمة الإيمان والتصديق، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يهدي من يشاء إلى أقوم طريق وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، كان أحسن الناس خلقا، وأصدقهم معاملة للعدو والصديق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين، أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، قال الله تعالى في كتابه المكنون: “وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله، ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون”، وكان الإمام الأوزاعي رحمه الله يقول: خمس كان عليها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون لهم بإحسان: لزوم الجماعة، واتباع السنة، وعمارة المسجد، وتلاوة القرآن، والجهاد في سبيل الله.وقد تكلمنا أيها الإخوة المؤمنون في الجمعة الماضية عن الركيزة الأولى من هذه الركائز الخمس وهي “أخألزوم الجماعة”، واليوم بإذن الله تعالى نتكلم عن الركيزة الثانية وهي “إتباع السنة” فنقول وبالله التوفيق، إن السنة هي كل ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو عمل أو تقرير أو سلوك، وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى الذي صاغته القدرة الإلهية ليكون قرآنا عمليا يمشي بين الناس، كما قالت أمنا عائشة (ض) كان خلقه القرآن، فإن الإقتداء به في كل الأمور أمر محتوم، لأن صراطه صراط مستقيم يهدي إلى الرشد ويوصل المتمسك به إلى الفردوس المعلوم، قال تعالى: “إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسنوتيه أجرا عظيما”، وقال أيضا: “فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما”،ويقول صلى الله عليه وسلم:”تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك”، وقال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض”، والسنة هي المنهج والتخطيط الذي ينبغي للأمة أن تسلكه في حياتها الخاصة والعامة لأن من يطع الرسول فقد أطاع الله ولذلك كان الصحابة (ض) والتابعون لهم بإحسان لا يتركون فرصة يستحوذ عليهم فيها الشيطان ولا يعملون بهوى يخالف أمر الرحمن، وإنما كانوا في كل أمورهم الدنيوية والأخروية يتنافسون في الإقتداء بحبيبهم محمد صلى الله عليه وسلم، قال أبو هريرة (ض):”ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم سليم أنس بن مالك (ض).وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ ثَلاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِيوَلإِخْوَانِي هَذِهِ السُّنَّةُ أَنْ يَتَعَلَّمُوهَا وَيَسْأَلُوا عَنْهَاوَالْقُرْآنُ أَنْ يَتَفَهَّمُوهُ وَيَسْأَلُوا عَنْهُ وَيَدَعُوا النَّاسَ إِلامِنْ خَيْرٍ “، أيها المسلمون، ما أحوجنا اليوم لتحكيم سنة نبينا والسير على هداها في جميع شؤوننا، وتشييعها بين أبنائنا وبناتنا، والتعامل على ضوئها مع أزواجنا، وأقاربنا، وجيراننا، وأهل حينا ومدينتنا، وبيننا وبين الناس أجمعين، فأن الناظر في أحوالنا مع مقارنتها لسنة نبينا، يجدنا في غالب الأحوال، حكمنا هوانا، ونزواتنا، وتركنا سنة نبينا وراء ظهورنا، فعلينا جميعا أن نتمسك بسنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا علينا إذا لم نفهم الغاية، فحسبنا أنه صلى الله عليه وسلم قال: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وسنتي عضوا عليها بالنواجذ”، ذهب عالم من علماء الشام إلى بلاد بعيدة، والتقى بمسلم أجنبي هداه الله إلى الإسلام، فتحاورا حول لحم الخنزير، وبدأ العالم العربي المسلم يشرح ويبحث عن العلل، ويفيض الشرح عن مضار لحم الخنزير، ثم فاجأه الأجنبي المسلم وقال له: كان يكفيك أن تقول لي: إن الله حرمه، يقول الغزالي: ” يا نفس، لو أن طبيباً منعك من أكلة تحبينها لا شك أنك تمتنعين، أيكون الطبيب أصدق عندك من الله؟ إذاً: ما أكفركِ، أيكون وعيد الطبيب أشد عندك من وعيد الله؟ إذاً: ما أجهلكِ”، أيها المؤمنون، الزموا سنة نبيكم تفلحوا، لا يضركم من خالفكم، واحرصوا على العمل بكلّ سنةثابتة علمتموها عن نبيكم صلى الله عليه وسلم ولا تتركوها فإنّها تنفعكم يوم الدين، “يوم لاينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم”، الزموا السنة وعلّموها أبناءكم وأحيوها في أوساط من جهلهالتكونواأسعد الناس بشفاعة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا تتركوها من أجل ارضاء الناس، فالاستئناس بالناس من علامات الإفلاس، فاللهم ارزقنا اتّباعالسنّة وأحينا على السنّة وأمتنا على السنّة، جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، العالم كله لا يفهم الدين من مرجعياته، لا يمكن أن يفهم إنسان غربي الإسلام من كتب التفسير وشروح الحديث، ولكن يفهمه من خلال تطبيقات المسلمين العملية لشريعة الإسلام، ذهب شاب مسلم إلى إحدى البلاد الغربية، وأحب فتاة حباً جما، لكنها ليست مسلمة، فلما عرض على والده الزواج منها أنكر عليه، وكاد يتبرأ منه، ويحرمه من الميراث، فلما اقترح عليه بعد حين أنها لو أسلمت أيوافق؟ قال له: أوافق، فاشترى الشاب لمحبوبته كتباً عديدة باللغة الإنجليزية حول الإسلام، ووعدها بالزواج إن أسلمت، فأخذت الفتاة هذه الكتب، وقرأتها بعيدة عنه، طلبت منه أن لا يلتقيها إلا بعد الإنتهاء من قراءتها، واستغرق الوقت أربعة أشهر، وقد مرت هذه الأشهر على الشاب وكأنها أربعون سنة، لشدة تعلقه بها، فلما انتهت المدة، والتقى بها قالت له: لقد أسلمت، ولكنني لن أتزوجك، لأنك بحسب ما قرأت لست مسلماً.أيها الإخوة المؤمنون، عليكم بلزوم سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم في جميع أحوالكم؛ فإنها سعادة لمن تمسك بها، ونجاة له من الهلكة، ولا يصلح من أمرك إلا ما وافق السنة، وأن الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنت باب الله أي امرئ *** أتاه من غير بابك لايدخل. فمن اقتفى أثره فإن الله يجعل له نورًا في قلبه، ونورًا يسعى به على الصراط يوم القيامة. كان عمر بن عبد العزيز رحمه الله يقول: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده – يعني خلفاءه وأصحابه – سننًا، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكثار من طاعة الله، وقوة على دين الله، من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور، ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين، والله تعالى يقول: “ومن يتبع غير سبيل المؤمنين، نُوَلّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً”، فاللهم اجعلنا من المتمسكين بسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، الدعاء
خطبة الجمعة من مسجد الحسنى عين الشق؛ الجمعة 15 رجب 1440 موافق 22 مارس 2018