خطر وسائل التواصل الحديثة في ترويج الإشاعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، الحمد لله، الآمر بكل مبرة، والناهي عن كل مضرة، نحمده ونستعينه ونستهديه ونتوب إليه في كل مرة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحه لا شريك له، أمرنا بالتثبت في نقل الأخبار، ونهانا عن إشاعة السوء والفاحشة بين عباده الأبرار، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله بين للأمة محاسن الأخلاق وجعل من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه من الحوادث والأخبار، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته الأخيار، وسلم تسليما كثيرا ما تعاقب الليل والنهار، أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون والمؤمنات، خطبة اليوم تتعلق بما أصبح يشغلنا طول وقتنا ليلا ونهارا، وهو ما أصبحنا نطلق عليه اسم التواصل الاجتماعي عبر الوسائل التكنولوجية الحديثة، لكن أتناوله ليس من شقه الإيجابي الذي لا يخفى على أحد ولكن يهمني منه أن أنبه نفسي أولا وأنبهكم على الأخطار التي أصبحت نائبة عن اللسان وتتسبب في الآفات ألا وهي أخطار وآفات الأقلام والوسائل التكنولوجية الحديثة تحكمت في علاقاتنا الإنسانية، وفوضنا لها الأمر لتنوب عن ألسنتنا في نشر الأخبار وإشاعتها بين الناس، فإذا كان اللسان يؤثر في من سمع القول، فإن هذه الوسائل تعدت ذلك لتعبر القارات، فكم كلمت خطت بشرق القارات بلغ صداها غربها، وكم مشهد دون في جنوب كوكبنا الأرضي رآه واطلع عليه آخرون شمال هذا الكوكب، فنحن إذن أمام الخطر الكبير لإنتشار الأخبار مسموعة ومكتوبة ومرئية في لحظات وجيزة في هذا الكون الفسيح، أيها الإخوة المؤمنون، أدعوكم للتأمل في هذه القصة التي حدثت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ أم المؤمنين صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُعْتَكِفًا . فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً. فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ لأَنْقَلِبَ، فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي- وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ – فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَار، فَلَمَّا رَأَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْرَعَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: عَلَى رِسْلِكُمَا، إنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ. فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: إنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا شَرًّا -أَوْ قَالَ شَيْئًا”. أيها المؤمنون، لقد تحرز النبي صلى الله عليه وسلم بعمله هذا وببيان من كان معه صلى الله عليه وسلم في المسجد حتى لا يستغل بعض ضعاف العقول الحدث وينسبوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أشياء، فكل الحقائق تحتمل أوجها للصحة وأخرى للخطأ، لذلك على المسلم، وهو يتلقى الخبر أن يمحصه ويتبين حقائقه، ويأخذ منه ما يهمه لدينه ودنياه، ولا عليه أن يكون وسيلة لإشاعة الأخبار، وقد حذرنا ربنا عز وجل من ترويج الأخبار وإشاعتها من غير تأكد من صحتها ومن حيثياتها، فقال جل وعلا: “يا أيها الذين آمنوا، إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا، ومعنى تبينوا، أي تثبتوا من الخبر وتيقنوا صحته، وقد ذكر المفسرون لهذه الآية سببا لنزولها، وخلاصته أن الحارث بن ضرار الخزاعي(ض) ـ سيد بني المصطلق ـ لما أسلم اتفق مع النبي صلى الله عليه وسلم أن يبعث له جابياً يأخذ منه زكاة بني المصطلق ـ في وقت اتفقا عليه ـ ، فخرج الوليد بن عقبة رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لكنه خاف، فرجع في منتصف الطريق، فاستغرب الحارث بن ضرار تأخر رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي الوقت ذاته لما رجع الوليد بن عقبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا رسول الله! إن الحارث منعني الزكاة، وأراد قتلي، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث إلى الحارث، فالتقى البعث الذين بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم مع الحارث بن ضرار في الطريق، فقال لهم: إلى من بعثتم؟ قالوا: إليك! قال: ولم؟ قالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعث إليك الوليد بن عقبة، فزعم أنك منعته الزكاة وأردت قتله! قال: لا والذي بعث محمداً بالحق، ما رأيته بتة ولا أتاني، فلما دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم! قال: منعت الزكاة وأردت قتل رسولي؟! قال: لا والذي بعثك بالحق، ما رأيته ولا أتاني، وما أقبلت إلا حين احتبس علي رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، خشيت أن تكون كانت سخطة من الله عز وجل ورسوله، قال فنزلت الحجرات: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها المؤمنون والمؤمنات، نحن أمام قاعدة أدبية قرآنية، حثنا مولانا عز وجل على التشبث بها، وهي قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ”، ومع كامل الأسف فإن هذه القاعدة الذهبية للتعامل مع الأخبار افتقدها الكثير منا أمة الإسلام، في عصر التكنولوجيا وانتشار وسائل الإتصال، حتى أصبحنا نشيع كل خبر وصلنا عن طريق وسائل الإتصال الحديثة، فكم شيع الناس من أحاديث مكذوبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأحاديث الترغيب في عمل ما، أو في التبشير بقدوم شهر ما، أو في نقل بعض القصص، وكم تعجل الناس بنقل أخبار عن شخصيات علمية أو سياسية أو رموز وطنية أو أجنبية، أو عن قرى ومدن تبين بعد حين أنها مفبركة وأصحابها مغرضون يريدون بأفعالهم هذه المكتوبة والمصورة الإضرار بالناس وبالمواطنين، أو تشويه سمعة أمة الإسلام وأبريائها، ومن ثم تبدأ الأحكام تتناثر من هنا ومن هناك، وتبث الشكوك في أوساط ضعاف النفوس، الذين غاب عن فكرهم قول الله عز وجل “فتبينوا”، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من أن يكون أحدنا ناقلا لكل ما هب ودب من أخبار، روى مسلم، عن حفص بن عاصم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع”، لذا فعلى كل مسلم أن يلتزم هذه القاعدة الأخلاقية وأن يبتعد عن تشييع الأخبار وترويجها، لآن عواقب هذا العمل أصبحت في المجتمعات وخيمة، فكم عصفت باستقرار أسر وتسببت في خراب بيوت، وتشنيع أكاذيب على أبرياء من المسلمين والمسلمات، وغيرهم أصبحوا بعدها عرضة لأصابع الإتهام في أخلاقهم وسلوكهم ومعتقداتهم ووطنيتهم، ألا فاتقوا الله أيها المؤمنون، وتأدبوا بآداب القرآن أيها الصالحون، وتتبثوا من الأخبار لعلكم تفلحون. الدعاء