خطبة مناسبة عيد الاستقلال ودروس الوطنية وواجب النهوض بالوطن

خطبة مناسبة عيد الاستقلال ودروس الوطنية وواجب النهوض بالوطن

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

لحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، ستخلد بلادنا يوم غد بحول الله تعالى ذكرى وطنية غالية، لها مكانتها التاريخية في تاريخ المملكة المغربية، إنها ذكرى حصول بلدنا المغرب في عهد أمير المؤمنين جلالة الملك محمد الخامس رحمه الله على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي الذي احتل البلاد من سنة 1912م إلى سنة 1956م، أي مدة أربع وأربعين سنة من الاستعمار والمعاناة، ولكم أن تتصوروا حجم هذه المعاناة والصبر التي قاساهما الآباء والأجداد مع قلة ذات اليد، وضعف الإمكانيات وانعدام البنيات التحتية، وغياب المؤسسات وظروف الحروب العالمية، وما إلى ذلك.

نعم عباد الله، فالظروف العامة كانت صعبة للغاية، فبخصوص نعمة الماء مثلا، هذه المادة الحيوية، كان الناس يجلبونها من بعيد وبوسائل تقليدية متعبة، وبخصوص الطعام، فقد كان عزيزا، بحيث كانوا يعتمدون على السوق الأسبوعي، وكانوا يأكلون اللحم مرة في الأسبوع، وبخصوص الكهرباء، فقد كانت شبه منعدمة، وكانوا يعتمدون على الحطب والشموع وعلى الغاز لمن توفر له ذلك، وبخصوص الطرق فقد كانت غير معبدة، وفي الغالب كانوا يعتمدون على الدواب من أجل التنقل، والملبس كان ناذرا، والمساكن كانت متواضعة، والمؤسسات التعليمية والمستشفيات غير متوفرة إلا ما قل ونذر.

ورغم كل هذه الإكراهات والتحديات، فإن آباءنا وأجدادنا وأمراء المؤمنين في هذه الفترة أبانوا عن وطنيتهم الصادقة، فصبروا وتحملوا وتجلدوا وقدموا تضحيات جسام، واسترخصوا أنفسهم وأموالهم في سبيل إخراج العدو من البلاد والعمل من أجل النهوض بها وبنائها.

وإذا نظرنا إلى بلادنا اليوم مقارنة مع ما كان، فإننا بحمد الله تعالى نجد بونا شاسعا، وقد امتن الله علينا بنعمة الاستقلال والحرية، وأصبح الماء والكهرباء واصلا إلى كل البيوت، إلا ما قل ونذر، وأصبحت الأسواق في كل مكان، وتوفرت الخضر واللحوم والفواكه والألبسة في كل وقت وآن، وأصبحت البلاد بمؤسساتها وبنياتها التحتية التي يضرب بها المثل، بل إن المشاريع التنموية المباركة التي فتحت في عهد الملك محمد السادس حفظه الله ونصره أصبحت تذكر على كل لسان.

نعم عباد الله، إن التذكير بأمثال هذه الذكريات الوطنية وما كانت عليه الحال، وكيف أصبحت، يجعلنا نذكر نعم الله تعالى الكثيرة علينا، ونحن مأمورون بذكرها وتعدادها والتفكر والتأمل فيها والإكثار من حمد الله عليها، يقول الله عز وجل: “وذكرهم بأيام الله” ويقول سبحانه:” فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون”، ويقول أيضا: “يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض”، وغيرها من الآيات التي يطلب منا فيها الحق سبحانه وتعالى عدم الغفلة عنها.

لذلكم وربطا لماضي هذه الأمة بحاضرها وبمستقبلها، أصبح لزاما علينا الوقوف عند هذه المحطات التاريخية المهمة، لنعرف جميعا كيف كانت حالنا في الماضي؟ وكيف صارت حاليا؟ وكيف ستصير في المستقبل؟، وبدون التفكير بهذه الطريقة فإننا سنضل الطريق لا قدر الله. أسأل الله تعالى أن يعرفنا قدر أوطاننا، ونعمه الجليلة علينا بسببها، أمين، أمين، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم

الخطبة الثانية:

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله، تأملوا فهؤلاء آباؤنا وأجدادنا وأمراء المؤمنين رحمات الله على الجميع قدموا أشياء كثيرة للنهوض بهذا الوطن والدفاع عن حوزته رغم الظروف القاسية التي عاشتها البلاد برمتها، فماذا قدمنا نحن لهذا الوطن، وقد توفر لنا من الإمكانيات ما لم يتوفر لهم؟ وهذا هو السؤال الذي ينبغي أن يسأله كل واحد منا في أيامنا هذه، لأن الغالبية اليوم أصبحت تنتظر من الوطن العطاء دون مقابل، بل إن البعض منا أصبح لا يعرف سوى المطالبة بالحقوق، وينبغي أن نعلم، كما أن لنا حقوقا على الوطن فإن له علينا واجبات، فما هي واجبات الوطن علينا عباد الله؟، أقول في الجواب: إن من واجباته علينا المساهمة في بنائه، وفي تعليم وتكوين وتوعية المواطنين بما ينفعهم، والدفاع عنه، وهذا الأمر اليوم أصبح متيسرا لكل واحد، فكما يتيسر للجنود الدفاع عن حوزة الوطن في الأرض، يتيسر اليوم لكل واحد منا الدفاع عنه في وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، والوقوف في وجه كل الذين يستهدفونه، ومن واجباته علينا عدم التردد في المساعدة كلما أتيح لنا ذلك، والتعبير الصادق عن الانتماء له أينما حللنا وارتحلنا وكيفما كانت الظروف، والحفاظ على الممتلكات العامة للوطن.

فمن لا يحترم القوانين، ولا يحافظ على جمال وطنه وجمال بيئته ونظافتها، ومن يساهم في مختلف المخاطر والانتهاكات، ومن يتكلم بسوء عن وطنه، ومن لا يتعلم ولا يتكون ليرتقي بنفسه، ومن يساهم في ترويج التفاهة ومن لا يضحي في سبيل وطنه، وما إلى ذلك، فإن حبه للوطن ادعاء وكذب.

ختاما عباد الله، فليكن الآباء والأجداد خير قدوة لنا في ترك بصمات الخير والصبر والتحمل والجد والعمل للنهوض بهذا الوطن، فالكل يتحمل المسؤولية، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته كما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولنعتمد على الله تعالى صاحب الحول والقوة، ونتوب إليه توبة صادقة ونحمده حمدا كثيرا ونعبده ونتضرع إليه ونتذلل في أعتابه باستمرار، ونحث الجميع على الأوبة والرجوع إلى رحابه وعدم الغفلة عنه. فبذلك تدوم النعم وتستمر.

عباد الله، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا، وسيتخطى غيرنا إلينا، فلنتخذ حذرنا، الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني، والحمد لله رب العالمين.

كل التفاعلات:

٦أنت و٥ أشخاص آخرين

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *