خطبة في موضوع: خطر التبرج – 2
الحمد لله، الحمد لله الذي أوجد الخليقة من العدم، وأنشأها وقام بأرزاقها وكفاها مناها، وأظهر لها طريق رشدها وهداها، نحمده تعالى على نعمه التي لا تتناهى،
ونشكره شكر من عرف نعمة ربه فرعاها،
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة من عرف معناها، وعمل ظاهرا وباطنا بمقتضاها، القائل (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا، وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى، وأقمن الصلاة وآتين الزكاة، وأطعن الله ورسوله، إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة، إن الله كان لطيفا خبيرا)،
ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله إلى الأمة فهداها، وبالقرآن العظيم علمها ورباها، صلى الله عليه وسلم على آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد، فيا أيها الإخوة المؤمنون، في الجمعة الماضية، وقفنا وقفة صغيرة للتأمل في آية كريمة، وهي قول المولى عز وجل في كتابه المكنون: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، وذكرنا بتفسير الجاهلية الأولى عند المفسرين وفي عمل الصحابة والصحابيات الذين عاصروا نزول القرآن الكريم، وهي باختصار أن المرأة: “ربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها، وأقرطة أذنيها، فإذا كان تبرج الجاهلية الأولى يعنى إظهار موضع القرط من الأذن، وموضع الخلخال من الرجل، وإظهار ضفيرة المرأة، فما نقول اليوم فيما أصبحنا نراه؟
فتبرج الجاهلية الأولى لا يقاس مع العري الفاضح المنتشر في زماننا هذا، فيبدو أن ما كان يعد تبرجاً في الجاهلية الأولى يعتبر اليوم تستراً وحشمة في زماننا.
أيها المؤمنون والمؤمنات، لقد خرجت المرأة المسلمة عن السنن الإسلامية، ودخلت في عادات مقيتة مستوردة، وألقت بنفسها وبمجتمعها فيما يعود عليهما بالندامة يوم الدين، وطرحت عليها ثياب الحشمة والوقار وخلعت عن وجهها برقع الحياء، وصارت لا تراعي حرمة الآداب، ولا تبالي بهتك الحجاب، وأصبح حال المرأة اليوم في الأمم العربية والإسلامية أسوأ من حالها أيام الجاهلية، وكل هذا جاء من تقليدها الأعمى لنماذج سيئة للمرأة التي لا تدين بدين، وليست لها ضوابط تردعها عن الخروج على الأخلاق الإنسانية، واستحسانها لعاداتها المتفشية والافتتان بزينتها من غير عقل ولا روية، وبذلك ضاعت الأموال، وتبدلت أحوال، وفسد النساء والرجال، وساءت الظنون، وانعدمت ثقة الشباب بعفة الفتيات، فأعرضوا عن الزواج، وأقبلوا على البغاء والدعارة وأوقعوا أنفسهم في الأذى وغضب الله.
لقلد قلدت المرأة المسلمة غيرها في كل عاداتها القبيحة، فخسرت نفسها، وأضاعت كرامتها، ولوثت سمعتها، وأزالت الثقة منها، وصارت حملا ثقيلا على أهلها، وعارا كبيرا على مجتمعها، وليعلم الآباء والأولياء أنهم مسؤولون، وعن عدم تغيير المنكر الذي يشاهدونه في بيوتهم وعائلاتهم ومجتمعهم، وعن تبرج أزواجهم وبناتهم وأخواتهم سيندمون، قال تعالى: (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون، كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبيس ما كانوا يفعلون)، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى بعض مظاهر التبرج يلفت نظر النساء إلى أن هذا فسق عن أمر الله ويردهن إلى الجادة المستقيمة ويحمل الأولياء والأزواج مسؤولية هذا الانحراف الخطير، روي عن أمنا عائشة رضي الله عنها أنها قالت: “بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد إذ دخلت امرأة من مزينة ترفل في زينتها في المسجد، فقال صلى الله عليه وسلم: “يا أيها الناس انهوا نساءكم عن لبس الزينة والتبختر في المسجد، فإن بني إسرائيل لم يلعنوا حتى لبس نساؤهم الزينة وتبخترن في المسجد”.
جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
أيها المسلمون، إن صغائر المعاصي تجر إلى كبائرها، كما أن معظم النار من مستصغر الشرر، فمعصية التبرج والاختلاط تؤدي إلى افتتان الرجال بالنساء والنساء بالرجال، وتجر إلى الزنا والأذى واختلاط الأنساب، وانتشار الفاحشة في أفراد الأمة والعزوف عن الزواج من طرف الشباب، وكل هذا شر مستطير، وجرم كبير ووبال علينا خطير، في هذه الدنيا ويوم العرض على الله العلي القدير، قال تعالى: (إن الذين يجبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لا تعلمو)، فلا يليق بمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر ويغار على الآداب والأعراض الإنسانية أن يستصغر هذه المعصية ويتهاون بتلك البدعة الغير مرضية فيسكت عنها ويغض الطرف على المفتونين والمفتونات بها، بعد أن عرف ما فيها من المفاسد الخطيرة، قال صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم”، ولنا عودة إلى الموضوع في الجمعة المقبلة إن شاء الله تعالى، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، وأكثروا من الصلاة والتسليم على أشرف الورى وسيد لمرسلين
الدعاء…