خطبة فوائد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،
وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم:” إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، وروى الإمام الترمذي والحاكم عن سيدنا أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال:” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ربع الليل قام فقال:” ياأيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أبي بن كعب: “إني أكثر الصلاة فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال: ماشئت، قلت: الربع، قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: النصف، قال: ماشئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: أجعل صلاتي كلها لك، قال: إذا تكفى همك ويغفر ذنبك”، وروى الإمام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:” من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة وفيه الصعقة، فأكثروا علي من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة علي، فقالوا: كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ أي بليت، فقال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء”.
أيها الإخوة الكرام، يقول العلماء: إن من أوجب شعب الإيمان الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، محبة له وأداء لحقه وتوقيرا له وتعظيما، والمواظبة عليها من باب أداء شكره صلى الله عليه وسلم، وشكره واجب لما عظم منه من الإنعام، فإنه سبب نجاتنا من الجحيم ودخولنا في دار النعيم، وإدراكنا الفوز بأيسر الأسباب، ونيلنا السعادة من كل الأبواب، ووصولنا إلى المراتب السنية والمناقب العلية بلا حجاب، فالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تعد من أفضل الطاعات وأنفع العبادات، ولذلكم اعتنى العلماء الأكابر بشأنها وألفوا فيها الكتب والرسائل، وبينوا مالها من الفوائد والفضائل وهي مما ورد في فضلها وبركتها الخير الكثير كما سمعتم.
وللأسف الشديد فإن مما غفل عنه الكثير من المسلمين اليوم، مسألة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وذلكم بسبب تأثير التيارات الدخيلة الجديدة، التي جعلت من أهم مهامها التنقيص من شأن ومكانة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالنهي عن تسييده، والنهي عن زيارة مقامه الشريف، وحضور مجالس الصلاة عليه والاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك، مما انعكس سلبا على علاقة المسلم بسيدنا رسول الله، وإذا تأملتم في علاقة المغاربة برسول الله وبالصلاة عليه، تجدونها في عاداتهم وتقاليدهم جد راسخة، وفي مؤلفات علماء المغرب ثابتة ووطيدة. فعودوا إلى ماكان عليه سلفنا الصالح من معرفتهم وتبجيلهم للجناب النبوي الشريف، فمامعنى الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وما حظوة العبد بهذه الصلوات من الله الجليل العظيم؟ ومافوائد الصلاة على رسول الله؟ ولماذا يحرم أحدنا نفسه من هذه المكارم؟
أيها الإخوة الكرام، عندما نقول بأن الله تعالى والملائكة عليهم السلام يصلون على النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فمعنى صلاة الله، أن الله تعالى يثني على عبده عند ملائكته، وأنه يبالغ في رحمته، ومعنى صلاتنا عليه أننا ندعو له بخير، وصلاة الملائكة الدعاء والاستغفار.
أيها الإخوة الكرام، أما ما يتصل بفوائد الصلاة على رسول الله، فهي عديدة، ويكفي في هذه الخطبة أن ننبه على بعضها، لتعود تلكم العلاقة المتينة بيننا وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي من فوائدها، أننا عندما نصلي ونسلم على سيدنا محمد، نتبع ونحاكي في ذلك خالقنا وبارئنا العظيم وملائكته الكرام الذين يصلون عليه لايفترون، ومن أحب شيئا أكثر من ذكره كما يقال، ومن علامات المحبين كثرة الذكر للمحبوب على الدوام، لاينقطعون ولا يملون، فأي مقام هذا وأية مكانة هذه للرسول صلى الله عليه وسلم الذي يصلي عليه الخالق والملائكة وأمر العباد بالصلاة والسلام عليه؟
أيها الإخوة الكرام، روى الإمام النسائي وابن حبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء ذات يوم والبشرى ترى في وجهه، فقال: إنه جاءني جبريل عليه السلام، فقال: أما ترضى يامحمد أن لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا، ولايسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا”، وروى الإمام مسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرا”، وتعلمون أيها الإخوة الكرام أن من صلى عليه الله تعالى مرة فقد رحمه، فلا يعذبه، وهذا تبشير بدخول المصلي دار النعيم ونجاة المسلم من دار الجحيم.
انظروا رعاكم الله إلى هذا الفضل العظيم، أنت تصلي وتسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة، فيصلي ويسلم عليك الله تعالى ورسوله، كل واحد عشر مرات، هل وعيت بمكانة أن يصلي عليك مولاك وخالقك؟ وهل وعيت وتصورت مكانة أن يصلي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ هل تعرف معنى أن تدعو لك الملائكة بالخير وبالرحمة؟ هل تعرف معنى أن تستغفر لك الملائكة؟ هذا كله تستحقه مقابل صلاتك على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وغاية مطلوب الأولين والآخرين كما قال العلماء، صلاة واحدة من الله تعالى، وأنى لهم بذلك؟ بل لو قيل للعاقل: أيهما أحب إليك، أن تكون أعمال جميع الخلائق في صفيحتك، أم صلاة من الله تعالى عليك؟ لما اختار غير الصلاة من الله تعالى، وسلام من الله عز وجل أفضل من مئة ألف ألف ألف جنة.
أيها الإخوة الكرام، ومن فوائد الصلاة على الرسول، أنكم إذا شعرتم بتقصير في أداء حقوق الله عليكم فالجأوا إلى الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن الله عز وجل يعوضكم عن تقصيركم خيرا، ويجازيكم أحسن الجزاء، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سبب في نيل وتحصيل سعادة الدارين ودرء بوائق الحياتين، ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه أنه كان يقول:” لولا أن أنسى ذكر الله لما تقربت إليه إلا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم”.
أيها الإخوة الكرام، إن للصلاة على سيد الوجود صلى الله عليه وسلم، فوائد وثمرات أخرى أوصلها السادة العلماء إلى حوالي تسع وثلاثين فائدة سنتوقف على بعضها في خطبة لاحقة، فأكثروا من الصلاة على نبيكم واجعلوها من أورادكم اليومية ووطنوا عليها أنفسكم، ولاتزال ألسنتكم رطبة بذكرها ونوروا بها بيوتكم، وحرضوا عليها أهليكم وذويكم، واعلموا أنكم مادمتم تصلون وتسلمون على نبيكم لاتزدادون من ربكم إلا قربا، ومن رسولكم سيدنا محمد إلا حبا، ولن تشعروا إلا بمزيد السعادة والحبور.أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد فياعباد الله،
الدعاء.