خطبة عيد الفطر 1445 ه

خطبة عيد الفطر 1445 ه

الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

الله أكبر ما وفقنا لصيام شهر رمضان مجيبين وملبين وصابرين

الله أكبر ما ازدحمت بنا المساجد مطيعين ومصلين وذاكرين

الله أكبر ما رتل المرتلون وسجد الساجدون وركع الراكعون

الله أكبر ما ذكرنا الله قياما وقعودا وعلى جنوبنا ولفضله سائلين

الله أكبر ما تصدق متصدق على الفقير والأرملة والمعوز والمسكين.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله، يقول الله تعالى في كتابه الكريم: “وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، أي لتكملوا عدة صيام أيام رمضان على التمام والكمال ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون، فقد أمرنا ربنا سبحانه وتعالى بالتكبير بعد ختم عبادة الصيام التي كَلَّفنا بها ووفقنا إلى أدائها، لأنه عز وجل عالم بأن العبد المسلم سيجد في نفسه إشراقاً وفي قلبه طمأنينة وهو يؤدي هذه العبادة العظيمة، وينبغي أن يشكر الله تعالى على ما وجده؛ فالعبادة التي كنا نعتقد – عباد الله – أنها تضنينا وتَشُق علينا، وجدنا فيها بحمد الله تعالى تجليات وإشراقات حققت لنا التوازن الروحي الذي كنا نبحث عنه، فاستحقت هذه العبادة أن نقول في ختمها: الله أكبر من كل ما نجده من المشقة والعنت.

نعم عباد الله أُمرنا بالتكبير للجليل؛ لأن ربنا حين منعنا وفوت علينا الاستمتاع بنعم أخرى ليست بالقليل، أعطانا وأذاقنا حلاوة التكاليف خلال أيام هذا الشهر الفضيل، وهكذا فهو سبحانه وتعالى يعطينا حتى في المنع؛ ولا يكلفنا إلا بما يعود علينا بالخير والنفع.

الله أكبر(3)

عباد الله، لقد مضى سيد الشهور شهر رمضان، وتمنى البعض منا لو لم ينقض هذا الشهر، وبعضنا تساءل لماذا مضى بهذه السرعة؟، وهذا حال الصالحين من عباد الرحمن الذين كانوا يودعون شهر رمضان بالدموع، فالحمد لله رب العالمين الذي وفقنا لصيامه وقيامه، ووفقنا خلاله إلى تقواه وخشيته وعبادته، فامتثلنا الأوامر واجتنبنا النواهي ما استطعنا إلى ذلك سبيلا، وعشنا شهرا كاملا في رحاب الأنس بالله تعالى والإيمان والطاعة والذكر، وعاملنا ربنا بالإخلاص والصدق والصبر، والأمانة ومراقبته في الإعلان والسر، وعاملنا بعضنا البعض بالأخلاق الراقية الرفيعة، عاملنا بعضنا بقيم التراحم والإحسان والبر والتعاون وقيم الخير والمعروف، ومارسنا النظام والانضباط، وشعرنا بثمرات عبادة الصيام، شعرنا بالطمأنينة النفسية الحقيقية في القرب من رب الأرباب، هذه السعادة والطمأنينة والراحة التي يبحث عنها الناس ولا زالوا يبحثون عنها وتعبوا في البحث عنها، وصدق ربنا سبحانه وتعالى حين يقول: “الذين أمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب”، تأملوا عباد الله، إنه لا يوجد اطمئنان للعبد في غير رحاب الله تعالى، فهذه القيم التي تحققنا بها خلال هذا الشهر الفضيل، وجعلتنا نشعر بالراحة والطمأنينة القلبية والنفسية يحتاجها الناس اليوم بجميع أصنافهم وفي كل أوقاتهم وأمكنتهم، وبدون التحقق بها لا تستقيم الحياة ولا تطيب. فقد اقتضت سنة الله تعالى في خلقه منذ غابر الزمن ألا تنال الحياة الطيبة إلا بذلك. فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا.

الله أكبر(3)

عباد الله، يظن بعض الناس جهلا أن التدين والعلاقة بالله تعالى إنما هو لتحصيل سعادة الآخرة فقط، ويفوتهم أن تدين الإنسان وارتباطه بربه سبب في تحصيل سعادة الدنيا قبل الآخرة، فلا تفتح بركات ونعم السماء والأرض على العباد، ولا تطيب حياتهم ويسعدون في دنياهم، إلا باتقاء المفاسد والمحرمات ولزوم الطاعات، دققوا في قول الله عز وجل:” ولو أن أهل القرى أمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض”، ولا يمكن أن يعيش المرء حياة طيبة بدون إيمان بالله تعالى وعمل للصالحات، اسمعوا إلى قول ربنا سبحانه وتعالى في ذلك:” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون”، واسمعوا إلى تأكيد الحق سبحانه وتعالى ذلك بقوله: “فإما ياتينكم مني هدى، فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى”. وبذلكم فالإيمان بالله تعالى والقيام بالصالحات هما الشرطان الكفيلان بتحقق الحياة الطيبة المطمئنة لكل واحد منا، خاصة إذا اتصفنا بالقناعة والرضا بما قسم الله تعالى وداومنا على شكر الله تعالى على نعمه التي لا تحصى، واحتطنا من فتن وإغراءات الدنيا.

الله أكبر(3)

إن التعلق الشكلي بالعبادات يستحيل أن يمتع صاحبه بالحياة الطيبة المطمئنة، وأي عبادة لا أثر لها في صلاح حياتنا عبادة غير نافعة، اسمعوا إلى ما قاله سيدنا محمد ﷺ عن عبادة الصلاة مثلا، روى الإمام أحمد وغيره عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ” كان فتى من الأنصار يصلي مع النبي ﷺ ولا يدع شيئا من الفواحش والسرقة إلا ركبه، فذُكر للنبي ﷺ فقال:” إن الصلاة ستنهاه”، فلم يلبث أن تاب وصلحت حاله، فقال رسول الله ﷺ:” ألم أقل لكم؟”. حديث صحيح.

عباد الله، وبسبب الهوة الحاصلة بين ممارسة الدين وسلوكات التدين في حياتنا، شاعت في مجتمعنا اليوم العديد من الظواهر السلبية والأزمات والأمراض، ومظاهر الانحراف والآفات الصحية والنفسية والسلوكية التي يعاني منها الأفراد، وذلكم كالاختلاف والنزاع الذي امتلأت به ردهات المحاكم، وسوء المعيشة والقلق والحيرة وفقدان المعنى والغاية من الحياة، وفشو ظواهر الإدمان والاكتئاب والانتحار والإلحاد والإباحية، والغش والنصب والاحتيال، والفوضى الفكرية والإعجاب بالرأي الذي عم وسائط التواصل الاجتماعي، والفراغ الروحي القاتل، وغيرها كثير، أسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم بفضله، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يتفضل علينا بالراحة والطمأنينة الدائمة بكرمه وجوده وإحسانه، أمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر(5)

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد فيا عباد الله، إن العاقل منا عباد الله هو من انتبه لأهمية هذه العلاقة المتينة بالله تعالى في تحقيق الحياة الطيبة والطمأنينة النفسية، ليعمل على تذكير من معه من الأهل والأولاد ليتحققوا بها، لأن من صفات المؤمن أنه يحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويحرص على إصلاح المجتمع من حوله بالحكمة والموعظة الحسنة، والمؤمن الصادق لا يقف عند ذاته، ولا يكون أنانيا أبداً، بل يصنع الخير لنفسه وللناس، ذلك لأن خير الناس عائد إليه، كما أن شرَّهم يناله منه نصيب.

الله أكبر(3)

ها أنتم ترون عباد الله بأننا خلال هذا الشهر الفضيل امتلكنا الإرادة على القيام بأمور كثيرة جميلة تعود علينا بالنفع دنيا وأخرى، فلم التكاسل والتقاعس إذن عن القيام بها دائما وأبدا إلى أن نلقى الله تعالى؟ وما الفائدة من تدين إذا لم ينعكس إيجابا على حياتنا، ولم ينعكس إيجابا على مجتمعنا ووطننا؟ وما المانع من الثبات على هذه العلاقة القوية بالله تعالى طيلة أيام حياتنا لنسعد بها في الدنيا والآخرة ويسعد بها كل الوطن؟

ألا فليسأل كل واحد منا نفسه: كم من رمضان صام منذ أن بلغ سن الرشد ولم يتحقق بعد بهذه العلاقة القوية بالله تعالى ولم يحافظ على ما جناه من ثمرات عبادة الصيام؟، ألا فلتبق روح رمضان مهيمنة على النفوس، متحكمة في الأقوال والأفعال طيلة أيام حياتنا، ألا فلتبق روح رمضان حاضرة بقوة في مجتمعنا، سائدة داخل البيوتات والمؤسسات والإدارات وجميع مرافق الحياة، اللهم أقدرنا على ذلك، أمين، والحمد لله رب العالمين، وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد ﷺ، وامتثلوا قول ربنا عز وجل: “إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء ساداتنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، اللهم اجز عنا نبينا سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم ما هو أهله(3)، اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، اللهم يارب وفقه إلى كل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، وبارك اللهم في تحركاته وأعماله التنموية، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعد عليه أمثال أمثال هذه المناسبة أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، اللهم اجزه عن المغرب والمغاربة وعن مواقفه الإنسانية وعواطفه النبيلة التي يكنها لشعبه الوفي كل خير، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب، اللهم آمننا في أوطاننا، وأدم علينا نعمة الأمن والأمان والوحدة والتعاون والتآزر والتكافل والتراحم والأخوة والمحبة، وعرفنا نعمك بدوامها علينا ولا تعرفنا إياها بزوالها، اللهم احفظ بلدنا من تآمر المتآمرين ومن كيد الكائدين، واجعل كيد كل كائد في نحره، اللهم أغث عبادك وبلادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم تقبل منا صيام شهر رمضان على التمام والكمال، ولا تجعله آخر عهد لنا بصيامه ولا بقيامه، اللهم كن للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم كن للمستضعفين من المسلمين أينما كانوا وتعينوا، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *