خطبة عيد الأضحى لعام 1445ه/2024م

خطبة عيد الأضحى لعام 1445ه/2024م

فضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
الله أكبر ما ازدلف الحجيج إلى بيت الله الحرام، وجددوا التوبة عند الزمزم والمقام.
الله أكبر ما عظمت لله الشعائر، وطاف بالبيت حاج ومعتمر وزائر
الله أكبر في كل زمان ومكان، الله أكبر في كل حال وآن.
الله أكبر ما نحرت لله أضحية، في سابق الزمان والأيام الباقية.
الله أكبر نقولها ونجهر بها جهد المستطاع، واكتب لنا يارب ثوابها بدون انقطاع.
الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.
أما بعد فيا عباد الله، نحمد الله تعالى الذي وفقنا للقيام بهذه الشعيرة العظمى، بقصد القربة إليه في يوم عيد الأضحى، وفقنا للقيام بأفضل العبادات المالية، حيث تجتمع فيها طاعته تعالى، وبذل المال الذي يحبه الإنسان وتتألم عند إنفاقه الأنفس البشرية، فكما أن الصلاة تعد أفضل العبادات البدنية، فإن الذبح يعد أفضل العبادات المالية، دققوا وتأملوا في هذه الآيات التي جمعت بينهما، قال الله تعالى:” قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ”، وقال عز وجل في آية أخرى: “فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ “. ومما يبين عناية النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الأضحية، أنه كان يضحي كل سنة من سنواته العشر التي أقامها في المدينة المنورة ولم يتركها أبدا، وصح أنه نحر في يوم العيد مائة بدنة من الهدي، ثلاثا وستين بيده الكريمة، وأمر سيدنا عليا رضي الله عنه فنحر الباقي من تمام المائة، فدققوا وتأملوا في هذا الفعل النبوي الشريف.
عباد الله، في هذا اليوم العظيم نستحضر بإجلال قدر نبي الله سيدنا إبراهيم عليه السلام وهو في موقف الامتحان والابتلاء والفداء، حينما أمر بذبح ابنه الوحيد، الذي وهبه الله تعالى له بعد كبر سن وطول دعاء، فامتثل لأمر الله تعالى بلا تردد، وقدمه على محبة ولده وعطفه وحنانه عليه، وهذا الابتلاء لم يبتل أحد من الناس بمثله لا قبله ولا بعده، لذلكم أكرمه المولى عز وجل بمكرمات كثيرة قال فيها عز وجل في آيات متفرقة: “إني جاعلك للناس إماما”، وقال عنه: “فاتبعوا ملة إبراهيم حنيفا”، وقال عنه أيضا: “إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين”. وقال فيه:” سَلاَمٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ”، وبشره فقال: ” وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ”، و بشره مرة أخرى فقال: ” وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ”، وفي آخر القصة قال: ” كذلك نجزي المحسنين “، وكررها مرتين، فتأملوا عباد الله ودققوا في هذا الإكرام الرباني، فإنما ناله سيدنا إبراهيم عليه السلام نظير صبره على مر القضاء والقدر لله تعالى واستسلامه وخضوعه لأمر الله تعالى دون أدنى قلق أو ضجر.
والجميل عباد الله، أنه كما أكرم ربنا عز وجل سيدنا إبراهيم وابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام، كذلكم يجزي كل مُحسن منا إن أحسن في علاقته به وفي علاقته بالناس، فكل من يحسن استقبال أقدار ربه عليه بخضوع واستسلام ويحسن ويتقن في عمله، فلا يلبث أن يأتيه الجزاء الطيب من ربه، أفلا نطمع إذن أن نكون من المحسنين؟ أفلا نطمع في عطاء ونوال ربنا الغير محدود؟ أفلا نطمع أن يسعدنا ربنا كما أسعد أنبياءه وعباده الصالحون؟ لكن قبل أن نحظى بذلكم النوال والعطاء والسعادة والهناء، فما معنى الإحسان المطلوب في علاقتنا بربنا وبالناس؟ وكيف نتحقق به في أيامنا هذه لنكون من السعداء؟
أقول في الجواب: الإحسان عباد الله درجة يتحقق بها المسلم بعد التحقق بمقامي الإسلام والإيمان كما هو معلوم، وهي درجة ينبغي أن يصلها كل مسلم في علاقته بربه، بحيث يصير يعبد ربه كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، كما أخبر بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي تقتضي أولا الحرص على العلم بالأمور الضرورية للدين والآخرة، والتوبة الصادقة من الذنوب الصغيرة والكبيرة، والتأثر البالغ في حال اقتراف صغيرها بله كبيرها، والصبر على المداومة على الطاعات، والصبر على البعد عن المعاصي، وتجنب كل أنواع المهلكات والتهلكات، والدوام على محاسبة ومجاهدة النفس مع العمل والاجتهاد والإخلاص والصدق المتواصل في علاقتك برب العالمين، والإكثار من ذكر الله تعالى و ربط النعم الوافدة عليك بالمنعم عز وجل بشكل دائم وعدم الغفلة عنه تعالى، والتخلق بالأخلاق النبوية في معاملة الزوج والأولاد والناس، وبذلكم فالمحسن لا يقف عند حَدِّ الواجب المطلوب منه، وإنما يتعدَّاه إلى الزيادة من جنس ما فُرِض عليه وكُلِّف به، والمحسن لا يكتفي بالصلوات المفروضة عليه فقط، بل يزيد عليها بالنوافل القبلية والبعدية، والمحسن لا يكتفي بصيام شهر رمضان بل يزيد على ذلك بصيام الأيام المسنونة في العام كله، والمحسن لا يكتفي بإخراج الزكاة المفروضة عليه، بل يجعل للمساكين حقا دائما في ماله، ينفق من قليله ومن كثيره، ولا يخاف الفقر ولا يبخل ولا يشح بماله على المحتاجين، متجنبا كل أنواع الإسراف، غير قانط من رحمة ربه، والمحسن لا يغتاب الناس ويمشي بينهم بالنميمة، ولا يتكبر عليهم، ولا يحب الظهور ويرائي بأعماله، ولا يحسد الناس ولا يحقد عليهم ولا يغشهم ولا يسعى في إذايتهم، ولا يسيء الظن بربه وبالناس، ويعمل دائما على أداء حقوق الغير، ويلتزم بالقوانين الجاري بها العمل لأنها تحفظ المصالح العامة للناس، وهكذا دواليك، فمن أراد إكرام ربه له في دار الدنيا وفي الدار الآخرة فليسع جهده ليكون من المحسنين، وبالجملة قبل انتظار إكرام ربك لك، ينبغي أن تلاحق نفسك بالواجبات الثابتة لله عليك. وذلك كاف وكفيل بأن يبعد الناس عما يعانونه من شقاء وقلق وآلام نفسية وأنانية وعصبية وغيرها من الأمراض القلبية والظواهر السلبية المستفحلة، وهذا أعظم درس نستفيده في الانتفاع من الأحوال العملية لهؤلاء الأنبياء عليهما الصلاة والسلام في طاعتهم وخضوعهم لله تعالى، أسأل الله عز وجل أن يوفقنا لنكون من المحسنين، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
الخطبة الثانية: الله أكبر 5مرات.
الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد فيا عباد الله، إن مما يستحسن التذكير به في مثل هذا اليوم المبارك بعض الأحكام المتعلقة بالأضحية خصوصا تلكم التي سنحتاج إليها في هذا اليوم وأيام العيد الثلاثة القادمة، فلا تذبحوا قبل ذبح إمام المصلى، فعن الحسن البصري رضي الله عنه، أن ناسا ذبحوا قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر، فأمرهم أن يعيدوها، ويستحب للمضحي أن يذبح بنفسه إن أمكنه، وليقل: ”باسم الله الله أكبر، اللهم هذا من فلان” ويسمي نفسه، وأحضروا الأهل والأولاد عند الذبح، ليحافظوا على إحياء هذه السنة ما أحياهم الله تعالى، وكلوا منها وتصدقوا، ولا تبيعوا منها شيئا، ولا تعطوا منها أجرة، وصلوا في هذا العيد أرحامكم وزوروا جيرانكم، وتفقدوا ضعفاءكم، واعمروا هذه الأيام بالصلاة والذكر، والشكر والأكل واللهو المباح، وعدم الغفلة عن واهب النعم ومصدر الكرم جل جلاله، فإنها أيام أكل وشرب وشكر وذكر وفرح، ولا تغفلوا عن التكبير المسنون القيام به بعد الصلوات المفروضات ابتداء من صلاة الظهر من هذا اليوم، والذي ينتهي في صلاة الصبح من اليوم الرابع.
الله أكبر 3مرات
عباد الله، ومما يحسن التنبيه عليه أيضا الحرص على وضع النفايات وبقايا الذبائح في مكانها المخصص لها، حتى لا ترهقوا إخوانكم من الشرفاء الذين يعملون ليل نهار على تنظيف الأحياء والشوارع سواء في أيام عيد الأضحى المبارك أم في غيرها من الأيام، والتكرم بتنظيف مكان الذبح والأدوات المستعملة في ذلك بواسطة المواد المنظفة الضرورية، مع عدم الإسراف في استعمال الماء، وإحراق أو دفن كبد ورئة الأضحية المصابة بمرض الأكياس المائية حتى تبقى بعيدة عن متناول الكلاب والحيوانات العاشبة وعدم إفراغ الأكياس المائية من محتواها، فالنظافة من الإيمان والوقاية خير من العلاج، أسأل الله تعالى أن يتقبل من الجميع بمنه وفضله وكرمه أمين، والحمد لله رب العالمين، وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وامتثلوا قول ربنا عز وجل: ” إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين محمد السادس، اللهم يارب وفقه لكل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله التنموية بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، واجزه عن المغرب والمغاربة كل خير، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعد عليه مناسبة عيد الأضحى أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب، اللهم آمننا في أوطاننا، اللهم تقبل منا هذه النسك والقربات والأضاحي على التمام والكمال، وتقبل منا صوفها ودمها واجعله يارب في الميزان المقبول عندك، اللهم آمن حجاجنا في المناسك كلها وردهم إلينا سالمين غانمين، اللهم يارب كن لضعفاء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولاتجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم إنك تعلم حاجاتنا فاقضها، وتعلم ذنوبنا فاغفرها، وتعلم عيوبنا فاسترها، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *