خطبة عيد الأضحى لعام 1444هـ / 2023م

خطبة عيد الأضحى لعام 1444هـ / 2023م

لفضيلة الدكتور مولاي عبد المغيث بصير

الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر

الله أكبر ما ازدلف الحجيج إلى بيت الله الحرام، وجددوا التوبة عند الزمزم والمقام

الله أكبر ما جدوا في المسير حتى يشهدوا الكعبة البهية، الله أكبر ما طافوا وسعوا وشربوا من ماء زمزم شربة هنية.

الله أكبر ما عظمت لله الشعائر، وطاف بالبيت العتيق حاج ومعتمر وزائر

الله أكبر ما وقف الحجيج بعرفات، وتنزلت عليهم من الله الرحمات

الله أكبر في كل زمان ومكان، الله أكبر في كل حال وآن.

الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا.

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده، سبحانك اللهم ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك، اللهم يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا وحبيبنا محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، خير نبي أرسله، أرسله الله إلى العالم كله بشيرا ونذيرا، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، صلاة وسلاما دائمين متلازمين إلى يوم الدين، وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى، وأحثكم على ذكره.

أما بعد فيا عباد الله،يقول الله تعالى:”إنا أعطيناه الكوثر فصل لربك وانحر”، ويقول الرسول ﷺ فيما رواه الإمام أحمد والحاكم: “من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا”.

عباد الله، إن ذبح الأضاحي في يوم عيد الأضحى يعد من أعظم القربات التي يتقرب بها المسلمون إلى الله عز وجل، وهي مما يجعل المسلم يشعر بجو الحج تماما، فمنذ أن أذن الله للناس بحج البيت، والمسلمون يتقربون إلى الله بذبح الهدي والأضاحي، يستسمنونها ويختارون أجودها وينحرونها ويذبحونها، فكم وكم ذبح منها وسال دمها في سبيل الله في مثل هذا اليوم، والمغاربة بحمد الله تعالى إن في الشمال أو في الجنوب في الشرق أو في الغرب، يعتنون عناية بالغة بهذه السنة، ويحيونها بكيفية منقطعة النظير، ولا يوجد لهم مثيل في كافة دول العالم الإسلامي في القيام بهذه الشعيرة، وحق لهم ذلك إذا علمتم بأنه اجتمع في إحيائها العديد من الخيرات، وأنه ينتفع من لحم الأضحية ودمها وعضامها الإنسان والحيوان والجان والحشرات وما لا نعلمه من المخلوقات كما ذكر الربانيون من العلماء في فوائدهم.

الله أكبر3

عباد الله، يحكي القرآن الكريم وكتب الحديث الشريف، وتذكر كتب التاريخ والسير أن قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام وقعت في مثل هذا اليوم الأغر، وملخصها أن سيدنا إبراهيم عندما أعياه الأمر ولم يجد فائدة من دعوته لقومه، خرج لنصرة دين الله تعالى حيث يجد من يسمعه ويستجيب لدعائه، وفي هذا الوقت لم يكن له ولد، وله من العمر ست وثمانون سنة، فدعا ربه قائلا: “رَبِّ هَبْ لِي مِنَ ٱلصَّالِحِينَ”، فأجابه ربه بعد ذلك بقوله:”فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ”، وهو سيدنا إسماعيل عليه السلام. وهكذا ظهر حِلْم ولده في أول اختبار يتعرَّض له، حين قال له والده وهو مشحون بعاطفة الحب له: “يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَى”، فأجابه الولد على الفور ودون تردد: “قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ”، فعبر الولد بما يقتضي تمام البر بأبيه، وتمام البر بربِّ أبيه، وبذلكم عبرا معا عن الاستسلام التام لأمر الله تعالى والإذعان والخضوع الكامل لحكمه، فناداه ربه وقد جاء الفرج: “وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ “.

تأملوا عباد الله، فلو ذبح إبراهيم ولده لَصارتْ سنةً من بعده أنْ يتقرَّب الإنسان إلى الله بذبح ولده، لكن لما صبر واستسلم لأمر ربه جاءه الفرج من الله، وعُوفي وولده من هذا البلاء، وعُوفينا جميعاً معه من هذا الحكم القاسي على كل إنسان، فالابتلاء بالنسبة لسيدنا إبراهيم عليه السلام في هذه القصة، أن يرزق بولد على كِبَر، وهو أحبُّ إليه من نفسه ويُؤمَر بذبحه، والابتلاء ليس بأن يموت الولد، إنما أنْ يذبحه أبوه بيده لا بشخص آخر بناءً على رؤيا لا بأمر صريح.

الله أكبر3

فبالاستسلام لله وبالخضوع له والرضى بالقضاء والقدر، والثبات والإيمان والصبر وقوة اليقين استحق سيدنا إبراهيم عليه السلام، أن يفدى ابنه من الذبح، وأن ينزله الله تعالى منزلة في جميع الأمم من بعده، وذلك بأنْ يُسلِّموا عليه كلما ذُكِر، وأن يكرمه بإسحاق ويعقوب عليهما السلام من بعد ذلك، وأن يقول في حقه:” إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّة”.

السؤال إذن عباد الله، أين نحن من خصال الخضوع والاستسلام لله تعالى والرضى بقضائه وقدره؟، فالمتأمل بعمق فيما يتصل بمدى رضانا بالقضاء والقدر وبمدى تفويضنا الأمور إلى ربنا، وإن كنا نعبر عن ذلك ظاهرا من خلال السجود والركوع اليومي لله، يجدنا غير مستسلمين لله، يجدنا مستسلمين للغير، مستسلمين للشيطان نطيعه في كل هواجسه، مستسلمين لأنفسنا الأمارة بالسوء، مستسلمين لشهواتنا ورغباتنا اللامحدودة، مستسلمين للغير من الناس أمثالنا، وهذا عباد الله سبب من أسباب الشقاوة التي يعانيها الكثير من الناس في أيامنا هذه. فالمفروض وقد خلقنا الله تعالى لعبادته في دار الدنيا أن نكون من الخاضعين لجلال وجهه ولعظيم سلطانه، مستسلمين له منقادين لأوامره ونواهيه، لا نحيد عن ذلك طرفة عين، قال سبحانه: “ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ الله إبراهيم خليلا”، فمنتهى الحكمة كما قال العلماء أن تسلم زمام أمورك لمن خلقك وتفوض أمرك لمن آمنت به صاحب الحول والقوة وأن تحسن، بأن تعبده وكأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، لأن العبادة من غير إحسان ولا معرفة قلب لا تنفع، فإن فعلنا وفقنا الله تعالى وأعاننا وتولى جميع أمورنا. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، أمين أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

الخطبة الثانية:

الله أكبر 5

الحمد لله ثم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول وعلى آله وصحبه ومن والاه

أما بعد فيا عباد الله، ومما نستفيده من قصة سيدنا إبراهيم مع ابنه سيدنا إسماعيل عليهما السلام ووجب التوقف عنده، ما يتصل بأمر البرور بالوالدين، هذا البرور المنقطع النظير الذي عبر عنه سيدنا إسماعيل في علاقته بوالده وهو شاب وقد هم أن يذبحه، فأي برور هذا وأي طاعة هذه؟، ولكن هذا الخلق غير مستغرب من هذا النبي عليه الصلاة والسلام، لأنه كذلك كان حال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في علاقتهم بوالديهم، فهذا نبي الله عيسى عليه السلام يقول الله عنه: “وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا”، وهذا نبي الله يحيى عليه السلام يقول الله تعالى في حقه: “وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا”. وهي فرصة عباد الله لننبه إلى ما آلت إليه العلاقة بين الوالدين والأبناء في أيامنا هذه، حيث أصبح الوالدان هم من يطلبون رضى أبنائهم، وكأننا في الزمن الذي قال فيه الحبيب المصطفى ﷺ عندما ذكر من علامات الساعة أن تلد الأمة ربتها. بمعنى أن تلد المرأة سيدها أو سيدتها، عندما يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أمته من الإهانة بالسب والعنف والاستخدام والفظاظة والغلظة، وغير ذلك مما تعرفون من صور العقوق في مجتمعنا وفي بيوتاتنا، حيث ظهرت فينا ظواهر سلبية لم تكن من قبل، كالتخلي عن الآباء والأمهات، وتركهم عرضة للشارع بعدما بلغوا من الكبر عتيا، أو التبرم منهم وإيداعهم في مأوى ودور العجزة، والتنكر لهم، وكأنهم لم يقوموا بأي دور يذكر في تربيتنا وتكويننا والعناية بنا، كل هذا وعندما نبلغ السن والغاية التي كانوا يؤملون فينا، نجعل جزاءهم غلظة وفظاظة وتنكرا، فمن نكون؟ ومن نحن؟ فما نحن إلا حسنة من حسناتهم. وإني لأستغرب لشخص يعكر قلب والديه عليه بين الحين والآخر كيف يطلب تيسيرا أو ربحا أو انتصارا أو سعادة إن في الدنيا أم في الآخرة؟

فلابد عباد الله من الانتباه لهذا الجانب المهم بتربية الأبناء على البرور والطاعة، وتنشئتهم التنشئة المثالية لعلاقة الأبناء بالآباء، فكم وكم نحن في حاجة ماسة في هذه الأيام إلى هذه الدروس، والمأمول أن تتظافر جهود الجميع في إعداد جيل بار متعلم متخلق متكون متزن يعول عليه الوطن إن شاء الله تعالى.

لله أكبر 3

عباد الله، إن مما يلاحظ في مناسبة عيد الأضحى ويحسن التذكير به أن بعض الناس يلقون بالأزبال وبقايا الطعام وغيرها، في الشوارع والأزقة وقارعة الطريق، دون التفضل بوضعها في الأكياس وحاويات جمع الأزبال الموضوعة رهن إشارة السكان في كل مكان، مما يسيء إلى الساكنة وجمالية المدينة، ويرهق كاهل إخواننا العمال الشرفاء المكلفين بجمع النفايات، وإن الواجب علينا تدينا واجتماعيا وإنسانيا وذوقا العمل على العناية ببيئتنا ورعايتها دائما وأبدا، والحفاظ عليها وصيانتها من كل ما يلوثها ويضر بها، أو يسيء إليها بكيفية أو بأخرى، وهذه أمور ينبغي أن تكون أصيلة فينا يتعاون الجميع على أدائها، ولعل واضع الأوساخ والأزبال في الطريق قد نسي أو جهل أنه يستحق لعنة الناس، لقول الرسول ﷺ:”من آذى المسلمين في طرقاتهم فقد استحق لعنتهم”، واعلموا أن ديننا الإسلامي اهتم بهذا الأمر أيما اهتمام، فقبل أن يعرف الناس البلديات والجماعات الحضرية ودورها في نظافة المدن، علم رسول الله ﷺ المسلمين نظافة القرية والمدينة، وجعل ذلك مسؤولية الأفراد والجماعات والولاة، فقد روى مسلم عن أبي برزة قال: “قلت يارسول الله علمني شيئا أنتفع به، قال: “اعزل الأذى عن طريق الناس”، وقد عين الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أبا موسى الأشعري واليا على البصرة بالعراق، فلما قدم إليها أبو موسى قال للناس: “بعثني إليكم عمر بن الخطاب، لأعلمكم كتاب ربكم وسنة نبيكم، وأنظف طرقكم “، فاحذروا أن تحولوا المدينة إلى مزبلة في أيام عيد الأضحى المبارك وفي غيرها من الأيام، وفي هذا المقام يحسن التنبيه كذلك على ضرورة تنظيف مكان الذبح والأدوات المستعملة بواسطة المواد المنظفة الضرورية، وواجب إحراق أو دفن كبد ورئة الأضحية المصابة بمرض الأكياس المائية حتى تبقى بعيدة عن متناول الكلاب والحيوانات العاشبة وعدم إفراغ الأكياس المائية من محتواها، والحمد لله رب العالمين. وأكثروا من الصلاة والتسليم على ملاذ الورى وخير الأنام سيدنا محمد ﷺ، وامتثلوا قول ربنا عز وجل :”إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الراشدين سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر صحابة رسول الله أجمعين، وعن آل بيت رسول الله أجمعين، اللهم أكرمنا بمحبتهم واقتفاء نهجهم، واجزهم عنا وعن الإسلام أحسن الجزاء، اللهم انصر مولانا أمير المؤمنين محمد السادس، اللهم يارب وفقه لكل خير واحفظه من كل شر، وكلل يارب أعماله التنموية بالنجاح، وارزقه السلامة في الحل والترحال، واجزه عن المغرب والمغاربة كل خير، وهيأ له بطانة الخير التي تعينه على صلاح البلاد والعباد، ومتعه يارب بالصحة والسلامة والعافية، وأعد عليه مناسبة عيد الأضحى أعواما عديدة باليمن والخير والهناء، واحفظه اللهم في ولي عهده مولاي الحسن، وشد أزره بأخيه مولاي رشيد، واحفظ يارب سائر أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع قريب مجيب، اللهم آمننا في أوطاننا، واجعل اللهم كيد الأعداء والأشرار والحاقدين في نحورهم، اللهم اجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم تقبل منا هذه النسك والقربات والأضاحي على التمام والكمال، وتقبل منا صوفها ودمها واجعله يارب في الميزان المقبول عندك، اللهم آمن حجاجنا في المناسك كلها وردهم إلينا سالمين غانمين، اللهم يارب كن لضعفاء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم إنك تعلم حاجاتنا فاقضها، وتعلم ذنوبنا فاغفرها، وتعلم عيوبنا فاسترها، اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

مقالات مماثلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *